0
بعد عقود من المتاجرة بفلسطين وقضيتها على مذبح تقاطع المصالح الإقليمية "المُمانعة" التي جعلت من كل ‏مشاريع تخريب المنطقة العربية تمرّ بطريق "تحرير القدس"، ها هي طريق القدس باتت تمرّ من تل أبيب وها هو ‏الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد حدّد "تسعيرة فلسطين" بخمسين مليار دولار، عارضاً إياها للبيع في مزاد ‏‏"الفرصة الأخيرة"… هو لم يترك الخيار حتى إلى أهل الأرض بل جيّرها نيابةً عنهم على الخريطة إلى صديقه ‏‏"بيبي"، في مؤتمر صحافي طغى عليه الطابع الاحتفالي بصفقة من "لون واحد"، تضع الفلسطينيين أمام خطة ‏‏"شالوم" أميركية تتبنى "سلام" الأمر الواقع الذي تريده إسرائيل "بعاصمتها القدس غير المقسّمة". ‎ ‎
عملياً، نزعت واشنطن أمس قفازات "الوسيط" في عملية السلام ونفضت يدها من "حل الدولتين" لتضعها بيد تل ‏أبيب، كطرف منحاز إلى الشروط الإسرائيلية من دون أي مواربة أو التباس على طاولة المفاوضات، وما على ‏الفلسطينيين إلا الرضوخ لهذه الشروط ضمن إطار "صفقة" وضعها ترامب، في إطار ما وصفه بـ"الخطوة ‏الكبيرة نحو السلام وإنهاء المغامرات الإقليمية ومواجهة الإرهاب والتطرف الإسلامي في شرق أوسط يتغيّر ‏بسرعة‎"..
‎ أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي لم يكفّ عن التصفيق طيلة المؤتمر الصحافي في واشنطن ‏محتفياً بإبرام "الصفقة"، فقد تعامل مع الحدث بوصفه إنجازاً "توراتياً" يشرعن السيطرة الإسرائيلية على ‏الأرض، ليؤكد في هذا السياق العزم على استثمار هذه "الصفقة" في معاركه الداخلية، عبر رفعه لواء تكريس ضم ‏الضفة الغربية والاستحواذ على غور الأردن تمهيداً للمضي قدماً في تطبيق الخطة "بصرف النظر عن الموقف ‏الفلسطيني‎"..
‎ أما على الضفة الغربية المقابلة، وعلى قاعدة "المصيبة تجمع"، فقد اجتمع شمل الفصائل الفلسطينية برئاسة ‏الرئيس محمود عباس على رفض "صفعة العصر" كما وصفها عباس، مع التشديد على كون "القدس ليست للبيع" ‏وأنّ "مخططات تصفية القضية الفلسطينية لن تمر"، كاشفاً عن اتفاقه مع رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" ‏اسماعيل هنية على عقد اجتماع في قطاع غزة، لإعلان موقف موحد في مواجهة خطة ترامب والشروع في ‏‏"مرحلة جديدة من العمل الفلسطيني المشترك"، وسط إشارته في الوقت عينه إلى أهمية التمسك بالمفاوضات على ‏أساس الشرعية الدولية "لكن الأهم ماذا سنفعل نحن على الأرض‎".
‎ لبنانياً، تتجه الأنظار خلال الساعات المقبلة إلى سيل الردود المتوقعة إزاء "صفقة القرن" لا سيما لناحية مقاربة ‏خطر التوطين المتأتي عنها، في وقت توقعت مصادر مطلعة لـ"نداء الوطن" أن ينضم هذا الخطر إلى قائمة ‏المخاطر التي ستواجه حكومة حسان دياب، وهو ما قد يفرض تعديلاً في فهرس بيانها الوزاري لتأكيد التمسك ‏بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، متوقعةً في حال تطورت مواقف أفرقاء الحكومة إزاء التنديد ‏بالسياسة الأميركية أن تنزلق نحو اعتبارها أميركياً "حكومة ممانعة ومواجهة" مع الولايات المتحدة، ما قد ‏ينعكس سلباً على مساعيها الرامية إلى طلب مساعدات أميركية ودولية للبنان، خصوصاً إذا ما تمّ التعامل مع ‏موقفها على أنه انعكاس لموقف "حزب الله" الراعي الرسمي لتشكيلتها، والذي استهل أمس بيانه بالتنديد بـ"إدارة ‏ترامب المتوحشة"، وبالتشديد على أنّ "صفقة العار" التي أطلقتها هذه الإدارة "الشيطانية" ستكون لها "إنعكاسات ‏بالغة السوء على مستقبل المنطقة وشعوبها"..

نداء الوطن - 29-1-2020

إرسال تعليق

 
Top