0
لم يحصل الرئيس سعد الحريري على ضمانات كاملة، بل على وعود مشروطة. حتى الآن، نفّذ حصته من الاتفاق، لم يحرّك الشارع، وأعطى إشارات إيجابية حول الحكومة والعمل البرلماني، جوهر علاقته مع الرئيس نبيه بري.
كشف الرئيس سعد الحريري، منذ استقالته حتى جلسة الموازنة الأخيرة، كثيراً من النيات المبيتة. وكشف فريقه المقرّب أيضاً بعض ما يقال في اللقاءات الداخلية والتوجهات العامة للمرحلة المقبلة، خلال تولي الرئيس حسان دياب مهام رئاسة الحكومة.
ما تنقله شخصيات سياسية من أجواء الحريري، أن العلاقة بينه وبين حزب الله والرئيس نبيه بري باتت الأكثر وضوحاً (إيجاباً أو سلباً) من بين علاقاته المحلية، وكأنها أحد الثوابت في مساره المستجد. هناك قطبة لم تعد مخفية، تتصل بحوارات جرت مع الطرفين، عن مستقبل العلاقة وعن وضعية الحريري وأدواته في السلطة، بعدما حسم أمر مغادرته موقعه الحكومي. لم يضمن رئيس الحكومة السابق ضماناً كاملاً ونهائياً مستقبلَه السياسي وكلَّ فريقه الموجود في الادارة وفي المؤسسات العامة والقوى الأمنية، في التركيبة الحكومية الجديدة. ما حصل عليه وعود بدرجات متفاوتة، مقابل استمرار تذكيره، كما فعل أخيراً رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، بجردة حساب مفتوح وبشراكته في المسؤولية عمّا وصل اليه وضع البلد. وإذا كان هو عبّر صراحة عن موقفه من أي تغييرات في قوى الامن، فإن الأمر يتعدى ذلك ليطاول محاولته تخطّي الوعود المشروطة، وفرض أمر واقع حتى لا تتكرر تداعيات خروج الرئيس الراحل رفيق الحريري من الحكم، وهو الذي لم يعد لديه كثير من المخارج والآفاق. لكن للحريري أيضاً واجبات في المقابل، لم يعد له مفر منها، في حال قرر البقاء واحداً من أركان السلطة السياسية في لبنان، داخل الحكم أو خارجه. وقد بدأ يترجم ما يجب عليه، فلا ينزل تياره الى الشارع اعتراضاً على حكومة دياب، كما كانت توقعات خصوم حزب الله (وهو ما جعل قوى سياسية تمتنع عن تحريك الشارع أيضاً)، ولا ينقض على التسوية الثنائية مع الحزب وبري، فيعرقل العمل البرلماني أو الحكومي، أو ينصرف الى المعارضة بالمعنى الكلي للكملة، معيداً الاصطفافات إلى ما كانت عليه سابقاً، بل يستخدم لغة هادئة حيث يريد، ويرفع سقف التحدي أيضاً حيث يريد.
يخرج الطرفان من هذه التسوية مرتاحين، لأن لكل منهما حساباته الواقعية؛ فحزب الله لا يريد توسيع رقعة الاختلاف مع الحريري، بل هو مصرّ على التهدئة معه ومع جمهوره، ولا يرغب بري إلا في تكريس استقرار علاقته مع الحريري التي لا بد منها في مسار العمل البرلماني، كجزء لا يتجزأ من إدارة بري للوضع الداخلي. والحريري هنا يلبّي رغبات حليفه، في جلسة الموازنة وجلسة الثقة، وفي عدم التصعيد الاحتجاجي ميدانياً، خصوصاً أن الحريري يواجه اليوم، محلياً، أكثر من تحد، إذ لم يعد له سند في التركيبة الداخلية إلا بري والحزب، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بحسب ظروف المرحلة. وهو كان واضحاً في إعلان خياراته، كما وفريقه المقرّب والوزيرة السابقة ريا الحسن، التي غيّر استياؤها من خروجها من الداخلية، في أسلوب مواجهتها وإطلاق النار على من يريد الحريري تصفية الحساب معه.
في المقابل، تقول معلومات موثوقة إن الحريري يرفض رفضاً قاطعاً الكلام مع رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع. غضبه عليه وعلى القوات لا يعادله غضب.
وهو حاسم في قراره عدم التعاون مع القوات وتحميلها مسؤولية خروجه من السلطة، وحدها من دون أي طرف آخر. حتى الأيام الاخيرة، لم يتمكن أي وسيط من إقناع الحريري بأنه هو من تخلى عن القوات، وأن ما فعله بها على مدى ثلاث سنوات من علاقته الذهبية بالتيار الوطني الحر ورئيسه الوزير السابق جبران باسيل واستبعادها وعدم السير معها في أي ملف في مجلس الوزراء وخارجه، أحد أسباب المشكلة الرئيسية معها. لكن الحريري أبى إلا أن يرفع تحدّيه للقوات ويبقى على خصومة معها، رافضاً التنسيق في أي ملف، كبير أو صغير. في المقابل، لا يستثني الحريري باسيل من ردّ فعله، وهو الذي ظل حتى أيام قليلة قبل انتهاء المفاوضات حول وضعيته كرئيس حكومة، واثقاً من أن باسيل لن يتخلى عنه. إلا أنه في إطار عرض لما يمكن أن يكون عليه الوضع مستقبلاً، لم يقفل الباب أمام عودة التنسيق معه، وإن بشروط مختلفة عن السابق، اعتقاداً منه أن باسيل سيفعل المستحيل كي لا تبقى هذه الحكومة الى نهاية العهد. وفي الانتظار، لا يجد الحريري مفرّاً سوى تصويب سهامه، عند أي مأزق وفي شكل دائم، على الحزبين الأكثر تمثيلا لدى المسيحيين، مستفيداً في الوقت نفسه من رغبة القوات في عدم التصعيد، ومن أن التيار منشغل حالياً في مواجهة المشاكل التي أسفرت عنها عاصفة الحكومة.
يستعد الحريري لإحياء ذكرى 14 شباط، وهي أول إطلالة له بعد خروجه من الحكم، يخاطب فيها مناصريه واللبنانيين، وهي المناسبة التي كانت عادة للَمّ شمل «المعارضة»، أو توجيه رسائل يميناً وشمالاً. لكنه اليوم بات محاصراً باتجاهات علاقاته التي تبدّلت مرات ومرات منذ عام 2005، مغيّراً اتجاهات البوصلة والتحالفات، تحت سقف الامل بأن حكومة دياب حكومة مؤقتة. لكن ماذا لو انتهت الهدنة الحالية، لدواع دولية أو إقليمية، وماذا لو لم تكن الحكومة مؤقتة، فأي نسخة منقحة أو جديدة سيكون عليها الحريري؟

هيام القصيفي - الاخبار - 29-1-2020

إرسال تعليق

 
Top