0
الخطاب الطائفي المقيت الذي يلجأ إليه بعض حديثي النعمة بالسياسة والزعامة الزائفة، لا يلقى التجاوب المطلوب من الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، الذين يصرون على الحفاظ على عيشهم الواحد، والذين تجمعهم مصيبة المعاناة من هذا الطقم السياسي، الذي لا يتورّع أطرافه عن المتاجرة بكل شيء، بما في ذلك الوطن والدين!
ما نقوله ليس شعراً، ولا من نوع الأمنيات الوردية، بل هو نتيجة واقعة جديدة، حملت بعفويتها ووطنيتها مدلولات عميقة على فشل محاولات التفرقة بين اللبنانيين، سواء طائفياً أو مناطقياً، أو حتى سياسياً!

حدث في مطلع الأسبوع الماضي أن زوجة أحد العلماء المسلمين المرموقين في بيروت خضعت لعملية جراحية في ركبتها، احتاجت على إثرها إلى كمية من الدم، بسبب نزيف عارض فاجأ الفريق الطبي المعالج، فكان أن ضجّت المواقع الألكترونية بنداء التبرع بالدم لزوجة العالم المسلم المعروف جيداً في الأوساط البيروتية، وهو خطيب وإمام واحد من أكبر المساجد في العاصمة، كما طلب سماحة مفتي الجمهورية تعميم النداء على مواقع الأوقاف الألكترونية، وتكرار الإعلان عنه في إذاعة القرآن الكريم، كما تولى أئمة بعض المساجد في البقاع استخدام مكبرات الصوت في المآذن للإعلان عن الحاجة للتبرع بليترين فقط من الدم من فئة +A!

وكم كانت فرحة رجل الدين الجليل كبيرة، عندما تلقى اتصالاً عاجلاً من مركز الصليب الأحمر في انطلياس يخبره فيه بأن مواطنين اثنين من هذه البلدة اللبنانية الأصيلة تبرعا بكمية الدم المطلوبة، وهي جاهزة فوراً لتوصيلها إليكم بالسرعة القصوى!

لن نتكلم عن مشاعر الرجل وكلماته التي حفلت بكثير من الود والتقدير لمبادرة اثنين من مواطنيه المسيحيين بالتبرع بدمائهما، وهما على علم مسبق بأنهما يلبيان حاجة مريضة مسلمة، وزوجة أحد العلماء المسلمين!

نروي هذه الواقعة المؤثرة لتكون صفعة بوجه السياسيين تجار الطائفية والمناطقية، وزارعي الفتن والانقسامات بين اللبنانيين، لتكون عنوان صفحة مشرقة في تاريخ هذا البلد «وطن الرسالة»، رغم أنوف سياسييه الغارقين في مستنقعات العجز والفساد!

نون - اللواء - 24 حزيران 2019

إرسال تعليق

 
Top