0
قد تغدو ازمة الاستحقاق الحكومي برمتها وعلى أهميتها الكبيرة وخطورة تداعياتها في ‏المرتبة الثانية من الأولويات بعدما انتصب خطر السيناريو الكارثي المخيف لدخول لبنان ‏مرحلة التفشي الوبائي الأخطر اطلاقا منذ شباط الماضي. اذ ان الرقم القياسي الأخطر الذي ‏سجل امس للإصابات في يوم واحد وبلغ 1006 إصابات متجاوزا للمرة الأولى سقف الألف ‏إصابة كما مع تسجيل 11 حالة وفاة رفعت مجموع حالات الوفاة منذ شباط الى 297 وضع ‏لبنان امام واقع غير مسبوق من التحديات في مواجهة ما يمكن ان يحل بالقطاع ‏الاستشفائي خصوصا متى بلغت قدرته الاستيعابية ذروتها بعد فترة قصيرة للغاية. ومع ان ‏استشراء هذا الخطر الداهم كان يحتم وحدة حال السلطة والمسؤولين المعنيين ‏واستنفارهم ولو في ظل حكومة تصريف اعمال لا تزال مسؤولة ومعنية بتحمل مسؤولية ‏مواجهة هذا الخطر الزاحف اذا بالمأساة الإضافية تتمثل بانفجار سجال بين وزيري الصحة ‏العامة والداخلية حول دعوة الوزير حمد حسن الى اقفال البلاد إقفالا صارما وشاملا لمدة ‏أسبوعين للتمكن من السيطرة على الانتشار الوبائي الأخطر. ويبدو ان الساعات المقبلة ‏ستكون حاسمة في تقرير مصير الاقفال الذي ربما لن يكون مفر منه‎.‎
واما ما فاض عن الكورونا فيتمثل في تداعيات المأساة الإنسانية الصادمة التي تتوالى ‏فصولها مع اكتشاف جثث ضحايا عبارة الموت التي ذهب ضحيتها لبنانيون وسوريون ‏حاولوا الفرار بحرا من طرابلس الى قبرص وكان لهم الموت غرقا وقد عثر امس على جثتي ‏ضحيتين أخريين قرب الصرفند وزوق مكايل‎.‎
وسط هذه المآسي بدا مأزق تأليف الحكومة الجديدة متجها نحو مراحل متقدمة من ‏التصعيد الذي يبدو ان الثنائي الشيعي قد قرر توسيع إطاره في اتجاهات يغلب عليها ‏الطابع الطائفي بما يعكس منحى خطيرا للتصعيد الحاصل بدليل الطريقة والمضمون ‏السياسي والإعلامي الذي اعتمده الثنائي امس في الرد على مواقف البطريرك الماروني ‏الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي. 
وإذ بدا لافتا ان الانسداد السياسي بلغ حدودا متقدمة ‏من خلال انعدام الاتصالات والتحركات وبقاء كل المواقف على حاله وتجميد الرئيس ‏المكلف مصطفى اديب اعتذاره حتى أشعار آخر، فان الحدث البارز تمثل واقعيا في تشكل ‏جبهة خارجية - داخلية مترامية تبدأ بالأمم المتحدة وتمر بفرنسا دوليا وتمر ببيت الوسط ‏والكثير من القوى المعلنة والمضمرة داخليا بلوغا الى الديمان وبكركي رفضا لتعطيل ‏تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة مصطفى اديب ورفضا أيضا للممارسات التي يراد منها ‏تكريس أعراف مخالفة للدستور بما يشرع هيمنة الثنائي الشيعي على مواقع أساسية بما ‏يسقط المحاولة الأكثر جدية للإصلاح تحت مظلة المبادرة الفرنسية‎.‎
‎ موقف الراعي
وفي الواقع فان ما اعلنه البطريرك الراعي امس بدا تتويجا لمواقفه البارزة المناهضة ‏لتعطيل تشكيل الحكومة الجديدة بل بدا كرأس حربة أساسية في جبهة الرافضين لهذا ‏التعطيل تحت ذرائع لا سند دستوريا او ميثاقيا او واقعيا لها. فقد تساءل البطريرك الراعي ‏‏"باي صفة تطالب طائفة بوزارة معينة كأنها ملك لها وتعطل تأليف الحكومة حتى الحصول ‏على مبتغاها؟" واعلن "اننا نرفض التخصيص والاحتكار رفضا دستوريا لا طائفيا ورفضنا ‏ليس ضد طائفة معينة بل ضد بدعة تنقض مفهوم المساواة بين الوزارات والطوائف". ‏وتوجه الى الرئيس المكلف داعيا إياه الى التقيد بالدستور والمضي في تشكيل الحكومة" فلا داع للخضوع لشروط ولا للتأخير ولا للاعتذار". كما اعلن "اننا لسنا مستعدين للبحث في ‏تعديل النظام قبل ان تدخل كل المكونات في كنف الشرعية وتتخلى عن مشاريعها الخاصة".. ‎ ‎
رد المجلس الشيعي
وتمثل التطور السلبي بدفع الثنائي الشيعي المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الى الرد ‏على البطريرك الراعي باللجوء الى ادبيات الاتهامات بالتحريض والتخوين الامر الذي ينذر ‏بتداعيات سلبية للغاية. وجاء في بيان المجلس: "يستنكر المجلس ما صدر عن مرجعية ‏دينية كبيرة بحق الطائفة الإسلامية الشيعية، ولما انحدر اليه الخطاب من تحريض طائفي ‏يثير النعرات ويشوه الحقائق ويفتري على طائفة قدمت خيرة شبابها وطاقاتها في معركة ‏تحرير الوطن كل الوطن ودحر الإرهابين الصهيوني والتكفيري عن قراه ومناطقه المتنوعة ‏طائفياً ومذهبياً، لتجعل من لبنان مفخرة للعرب والاحرار في العالم، وينعم كل شعبه ‏بالاستقرار والحرية والكرامة الوطنية، بيد ان من ارتهن للخارج وخدمة لمآرب مشبوهة ضد ‏مصالح الوطن وشعبه، يمعن في تحريف الوقائع وتضليل اللبنانيين في موضوع تشكيل ‏الحكومة الانقاذية الإصلاحية التي تحفظ وحدة لبنان بميثاقه ودستوره واستقراره واقتصاده، ‏ونحن اذا كنا نطالب باحتفاظ الطائفة الشيعية بوزارة المال فمن منطلق حرصنا على ‏الشراكة الوطنية في السلطة الإجرائية، فما يجري من توافق بين الكتل النيابية ينبغي ان ‏يسري بين المكونات السياسية في تشكيل الحكومة‎.‎
ويستغرب المجلس عدم صدور اصوات منددة بخرق الميثاقية يوم تشكلت حكومة بتراء لم ‏تشارك فيها الطائفة الشيعية التي دعت دوماً لتطبيق اتفاق الطائف، اما اذا اردنا ان نطبق ‏المداورة في الوزارات فلتكن المداورة في وظائف الفئة الأولى، وقد ورد في المادة 95 من ‏الدستور اللبناني ان تكون وظائف الفئة الأولى ومن بينها الوزارات مناصفة بين المسلمين ‏والمسيحيين دون تخصيص أي منها لاي طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة‎..".‎
يشار في هذا السياق الى ان مجموعة مواقف داخلية وخارجية تعاقبت في اليومين ‏الأخيرين ورسمت معالم جبهة عريضة داعمة لمضي الرئيس المكلف مصطفى اديب في ‏تشكيل حكومته. ومن ابرز هذه المواقف دعوة مجموعة الدعم الدولية القادة السياسيين ‏اللبنانيين الى إعطاء الأولوية لتشكيل حكومة فعالة وذات صدقية كما دعوة وزارة الخارجية ‏الفرنسية القوى السياسية اللبنانية الى الموافقة بلا تأخير على التشكيلة التي رشحها ‏مصطفى اديب. اما داخليا فان رؤساء الحكومات السابقين حضوا الرئيس المكلف على ‏التمسك بصلاحياته كاملة وتأليف حكومة بأسرع وقت بالتشاور مع رئيس الجمهورية تحت ‏سقف القواعد المنصوص عنها في الدستور‎.‎
‎ كلمة لعون
ومن المتوقع ان يطل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اليوم بكلمة يتحدث فيها عن ‏المأزق الحكومي ومسار الاتصالات التي قادها او واكبها لحلحلة عقد التأليف. ولم يعرف ‏بعد اذا كان الرئيس المكلّف الذي اعطى فرصة اخيرة للاتصالات، سينهي اليوم تريثه ‏ويتوجه الى بعبدا لتقديم اعتذاره عن تشكيل الحكومة، دون ان يقدم تشكيلة، انطلاقاً من ‏موقفه المبدئي بعدم تحدي الثنائي الشيعي. وليس مستبعداً ان يتريث مرة اخرى قبل ‏توجهه الى بعبدا مع تقدم طرح جديد في الساعات الاخيرة عن امكان حل عقدة وزارة المال ‏بإسنادها الى مسيحي من كتلة التنمية والتحرير، وهذا الطرح لم يتوضح بعد مدى جديته ‏والمواقف منه‎.‎
وفي اخر المعطيات ان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد كان زار رئيس الجمهورية بعد ‏ظهر السبت، واقترح عليه رئيس الجمهورية مخرجاً لعقدة وزارة المال بأن يسمي لها ‏مسيحياً بضمانة منه، وان محمد رعد اصر على مطلب "امل" و"حزب الله‎"..
وفِي هذا الوقت، تحدثت مصادر مطلعة على موقف الثنائي عن ثلاثة خيارات للخروج من ‏المأزق الحكومي‎:‎
اما ان يعطى الثنائي "امل" و"حزب الله" ما يريد. او يعتذر الرئيس المكلّف مصطفى اديب ‏او يبقى متريثاً طالما يطلب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون منه عدم الاعتذار. وقالت ان ‏كل أبواب الحلول لا تزال مقفلة‎.
 
النهار - 21 أيلول 2020

إرسال تعليق

 
Top