اذا كانت الحكومة نامت على حرير التعديلات الشكلية التي ادخلتها على مسودة البيان الوزاري الذي أقرته اللجنة الوزارية المكلفة صياغته مساء أمس تمهيداً لاقراره في جلسة لمجلس الوزراء الخميس، فان الوقائع الدامغة تثبت ان عملية تجميل البيان وترشيقه وضبضبته لفظيا بعض الشيء لن تقي الحكومة سهام السخط المتصاعد بقوة حيال الواقع المأزوم على كل الصعد وخصوصاً حيال الاجراءات المتشددة بل التعسفية التي تتخذها المصارف في فرضها مزيداً من القيود على عمليات السحب بالدولار وتقنينها.
والواقع ان مطلع الشهر لم يشكل موعد بت ايجابي للبيان الوزاري كما شاءته الحكومة من خلال تسريب النسخة ما قبل النهائية، بل جاءت تداعيات التسريب والاصداء في معظمها سلبية أولاً، ومن ثم طغت التدابير والاجراءات البالغة التشدد الاضافية التي اتخذها عدد من المصارف الكبيرة في عمليات السحب وخفض سقوفها الى النصف و"تقسيط" مهلها مرتين في الشهر لتطغى على مجمل المشهد المأزوم، خصوصاً ان تناقضات فجة للغاية واكبت هذا المشهد بين حكومة تطلق وعوداً بتخفيف القيود المصرفية وتسهيلها على المودعين ومصارف تسارع في السانحة الأولى الى ممارسة الاستنسابية في تقييد عمليات السحب بالدولار. ولعل النقطة الاكثر اثارة للسخط تتمثل في ان المصارف لم تراع ضرورة "تمديد" فرصة السماح لاجراءاتها الصارمة والقاسية أساساً كما لم تنتظر انتهاء المشاورات الجارية بين الحكومة وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في شأن الاجراءات التي ضمنها مسودة تعميم ارسله قبل اكثر من اسبوع الى رئيس الوزراء حسان دياب ووزير المال غازي وزني يتعلق بتوحيد الاجراءات والمعايير في المعاملات المصرفية وعمليات السحب ومعدلاتها كما بالاجراءات اللازمة لحماية المصارف من الدعاوى القضائية.
والغريب في الامر ان هذا الشق الحيوي والخطير من أزمة السيولة وأزمة العلاقات بين المصارف والمودعين كان محور الاجتماع المالي الذي عقده أمس في السرايا الرئيس دياب مع الوزراء المعنيين وسلامة، وقت كانت الاجراءات المتشددة الجديدة قد شقت طريقها الى التنفيذ مثيرة موجة غضب عارمة.
وقد خفّضت مصارف عدّة سقف السحوبات بالدولار بنسبة 50 في المئة بدءاً من مطلع الشهر الجاري، كما تبلغ مودعون الإثنين، في اجراء جديد على خلفية شح الدولار وأزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ عقود.
وشدّدت المصارف منذ نهاية الصيف القيود التي تفرضها على عمليات السحب، خصوصاً بالدولار، والتحويلات إلى الخارج، ما زاد غضب المودعين الذين باتوا ينتظرون ساعات من أجل سحب مبلغ محدود، بينما بالكاد يلامس سقف السحب الشهري الألف دولار.
وأكدت ثلاثة مصارف على الأقل، تعدّ من الأبرز في لبنان، رداً على أسئلة "وكالة الصحافة الفرنسية"، أنها خفّضت سقف السحوبات الشهري منذ مطلع الشهر بنسبة 50 في المئة.
وبات السقف المسموح به في عدد من المصارف لا يتخطى 600 دولار من الودائع التي تقلّ عن 100 ألف دولار، أما من تتخطى قيمة حسابه المليون دولار فيمكنه سحب مبلغ يراوح بين ألفين وثلاثة آلاف دولار شهرياً بحسب المصرف.
ونشر مودعون على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي صور الرسائل التي تلقوها من مصارفهم، معربين عن امتعاضهم منها، وقت تغرق البلاد في أزمة اقتصادية تعدّ الأسوأ في تاريخها خسر معها عشرات الآلاف من اللبنانيين وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم.
اما الاسوأ في هذا السياق، فتمثل في ان رزمة الاجراءات المتشددة الجديدة جاءت عقب اطلاق رئيس جمعية مصارف لبنان سليم صفير تصريحات كرر فيها "طمأنة المودعين الى ان ودائعهم محفوظة" قائلاً: "هدفنا الأول أن ندافع عن مصالح المودِع". واكد أنه "لم يكن هناك يوماً مخاوف على المصارف في لبنان، كونها مؤتمنة على ثقة المودِعين بها، ونحن والمودِعون هدفنا الوطن ومساعدته، ونحن واحد". وقال أن "السيولة موجودة، ولم يتغيّر شيء بالنسبة إلينا، إلا أننا نمرّ منذ ثلاثة أو أربعة أشهر في فترة صعبة تشهد تراجعاً في الثقة، ونحن قادرون حالياً على تحمّل صعوبة المرحلة لكن نتمنى أن تنتهي في أسرع وقت ممكن".
استحقاق "الاوروبوندز"
وفي موازاة هذا الملف الخطير، أبلغت مصادر مطلعة على اجواء المشاورات المالية "النهار" ان موضوع استحقاقات "الاوروبوندز" لسنة 2020 والبالغة قيمتها 2,3 ملياري دولار كأول استحقاق لها في آذار المقبل بقيمة مليار و200 مليون دولار تتقدم الاهتمامات الحكومية وأن التأخير في بت هذا الموضوع واتخاذ القرار في شأنه يعود الى عدم توصل الافرقاء المعنيين في الحكومة الى التوافق على الخيار الواجب اعتماده. وعلم ان هناك خيارين يتنازعان أهل السلطة، وتحديداً فريق رئيس الجمهورية وفريق رئيس الوزراء ، اذ يرى الفريق الاول اعتماد خيار عدم دفع استحقاقات الدين المصدرة بسندات، والذهاب الى عملية اعادة هيكلته من خلال خطة منظمة، واللجوء الى صندوق النقد الدولي طلبا لبرنامج. أما الفريق الثاني، فيرى بأن يدفع المصرف المركزي استحقاقات 2020 من احتياطه بالعملات الاجنبية، على ان يطلب من المصارف الاكتتاب بسندات جديدة تصدرها وزارة المال من فارق الاموال التي سددها لها، باعتبار ان هناك نحو 1,3 مليار دولار تستحق لحملة سندات اجانب. وتعكف الاجتماعات المالية المتتالية على درس هذه الايجابيات والسلبيات من أجل ان يأتي القرار بأقل الاضرار الممكنة على المالية العامة وعلى سمعة لبنان المالية.
أما في ما يتعلق بالبيان الوزاري، فصرحت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد نجد بعد اجتماع طويل للجنة صياغته أمس بأنه "تم تحديد الخميس موعداً لانعقاد مجلس الوزراء بهدف إقرار البيان بصيغته النهائية وإحالته على مجلس النواب لنيل الثقة".
وقالت: "لا نتبنى أي مسودة تم تسريبها، ومسار البيان هو التركيز على القضايا المعيشية والاقتصادية والمالية الضاغطة التي تشكل هاجساً عند المواطن، وهذا كان فحوى مناقشات اللجنة".
واوضحت انه "لا يوجد أي تعديل ضريبي ولكن هناك اصلاحات ضريبية ونقدية". وأضافت: "نطرح أفكارنا بكل جدية، ولدينا إيمان بضرورة تطبيقها، والخيار يعود الى مجلس النواب بإعطاء الثقة".
وقال وزير الصناعة عماد حب الله إن "ما سرّب من مسودّة للبيان الوزاري يختلف عما تم الاتفاق عليه".
وقال وزير السياحة والشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية انه وضعت بعض اللمسات على البيان الوزاري، وان الفقرة السياسية لم تتغير والتعديلات ليست جوهرية، كاشفاً أن "الاجراءات الضريبية والرقابية ستطال من كان يعفى ويتهرب من الضرائب".
لغم الكهرباء
الى ذلك، علمت "النهار" ان أكثر من أبدى ابدوا ملاحظات على خطة الكهرباء الواردة في البيان الوزاري معتبرين انها الخطة التي وضعها الوزير السابق جبران باسيل. وأعلن وزراء خلال مناقشات لجنة البيان الوزاري انهم يعارضون هذه الخطة خصوصا انه سبق لفرنسا راعية مؤتمر "سيدر" ان حذرت مرات عدة من ان عدم تحقيق اصلاحات حقيقية في قطاع الكهرباء سيهدد مقررات "سيدر". وتشير جهات معارضة للحكومة في هذا الصدد الى ان البيان الوزاري يتضمن نقاطا ذكية، ولكن موضوع الكهرباء يشكل احد الالغام الاساسية فيه.
والواقع ان مطلع الشهر لم يشكل موعد بت ايجابي للبيان الوزاري كما شاءته الحكومة من خلال تسريب النسخة ما قبل النهائية، بل جاءت تداعيات التسريب والاصداء في معظمها سلبية أولاً، ومن ثم طغت التدابير والاجراءات البالغة التشدد الاضافية التي اتخذها عدد من المصارف الكبيرة في عمليات السحب وخفض سقوفها الى النصف و"تقسيط" مهلها مرتين في الشهر لتطغى على مجمل المشهد المأزوم، خصوصاً ان تناقضات فجة للغاية واكبت هذا المشهد بين حكومة تطلق وعوداً بتخفيف القيود المصرفية وتسهيلها على المودعين ومصارف تسارع في السانحة الأولى الى ممارسة الاستنسابية في تقييد عمليات السحب بالدولار. ولعل النقطة الاكثر اثارة للسخط تتمثل في ان المصارف لم تراع ضرورة "تمديد" فرصة السماح لاجراءاتها الصارمة والقاسية أساساً كما لم تنتظر انتهاء المشاورات الجارية بين الحكومة وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في شأن الاجراءات التي ضمنها مسودة تعميم ارسله قبل اكثر من اسبوع الى رئيس الوزراء حسان دياب ووزير المال غازي وزني يتعلق بتوحيد الاجراءات والمعايير في المعاملات المصرفية وعمليات السحب ومعدلاتها كما بالاجراءات اللازمة لحماية المصارف من الدعاوى القضائية.
والغريب في الامر ان هذا الشق الحيوي والخطير من أزمة السيولة وأزمة العلاقات بين المصارف والمودعين كان محور الاجتماع المالي الذي عقده أمس في السرايا الرئيس دياب مع الوزراء المعنيين وسلامة، وقت كانت الاجراءات المتشددة الجديدة قد شقت طريقها الى التنفيذ مثيرة موجة غضب عارمة.
وقد خفّضت مصارف عدّة سقف السحوبات بالدولار بنسبة 50 في المئة بدءاً من مطلع الشهر الجاري، كما تبلغ مودعون الإثنين، في اجراء جديد على خلفية شح الدولار وأزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ عقود.
وشدّدت المصارف منذ نهاية الصيف القيود التي تفرضها على عمليات السحب، خصوصاً بالدولار، والتحويلات إلى الخارج، ما زاد غضب المودعين الذين باتوا ينتظرون ساعات من أجل سحب مبلغ محدود، بينما بالكاد يلامس سقف السحب الشهري الألف دولار.
وأكدت ثلاثة مصارف على الأقل، تعدّ من الأبرز في لبنان، رداً على أسئلة "وكالة الصحافة الفرنسية"، أنها خفّضت سقف السحوبات الشهري منذ مطلع الشهر بنسبة 50 في المئة.
وبات السقف المسموح به في عدد من المصارف لا يتخطى 600 دولار من الودائع التي تقلّ عن 100 ألف دولار، أما من تتخطى قيمة حسابه المليون دولار فيمكنه سحب مبلغ يراوح بين ألفين وثلاثة آلاف دولار شهرياً بحسب المصرف.
ونشر مودعون على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي صور الرسائل التي تلقوها من مصارفهم، معربين عن امتعاضهم منها، وقت تغرق البلاد في أزمة اقتصادية تعدّ الأسوأ في تاريخها خسر معها عشرات الآلاف من اللبنانيين وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم.
اما الاسوأ في هذا السياق، فتمثل في ان رزمة الاجراءات المتشددة الجديدة جاءت عقب اطلاق رئيس جمعية مصارف لبنان سليم صفير تصريحات كرر فيها "طمأنة المودعين الى ان ودائعهم محفوظة" قائلاً: "هدفنا الأول أن ندافع عن مصالح المودِع". واكد أنه "لم يكن هناك يوماً مخاوف على المصارف في لبنان، كونها مؤتمنة على ثقة المودِعين بها، ونحن والمودِعون هدفنا الوطن ومساعدته، ونحن واحد". وقال أن "السيولة موجودة، ولم يتغيّر شيء بالنسبة إلينا، إلا أننا نمرّ منذ ثلاثة أو أربعة أشهر في فترة صعبة تشهد تراجعاً في الثقة، ونحن قادرون حالياً على تحمّل صعوبة المرحلة لكن نتمنى أن تنتهي في أسرع وقت ممكن".
استحقاق "الاوروبوندز"
وفي موازاة هذا الملف الخطير، أبلغت مصادر مطلعة على اجواء المشاورات المالية "النهار" ان موضوع استحقاقات "الاوروبوندز" لسنة 2020 والبالغة قيمتها 2,3 ملياري دولار كأول استحقاق لها في آذار المقبل بقيمة مليار و200 مليون دولار تتقدم الاهتمامات الحكومية وأن التأخير في بت هذا الموضوع واتخاذ القرار في شأنه يعود الى عدم توصل الافرقاء المعنيين في الحكومة الى التوافق على الخيار الواجب اعتماده. وعلم ان هناك خيارين يتنازعان أهل السلطة، وتحديداً فريق رئيس الجمهورية وفريق رئيس الوزراء ، اذ يرى الفريق الاول اعتماد خيار عدم دفع استحقاقات الدين المصدرة بسندات، والذهاب الى عملية اعادة هيكلته من خلال خطة منظمة، واللجوء الى صندوق النقد الدولي طلبا لبرنامج. أما الفريق الثاني، فيرى بأن يدفع المصرف المركزي استحقاقات 2020 من احتياطه بالعملات الاجنبية، على ان يطلب من المصارف الاكتتاب بسندات جديدة تصدرها وزارة المال من فارق الاموال التي سددها لها، باعتبار ان هناك نحو 1,3 مليار دولار تستحق لحملة سندات اجانب. وتعكف الاجتماعات المالية المتتالية على درس هذه الايجابيات والسلبيات من أجل ان يأتي القرار بأقل الاضرار الممكنة على المالية العامة وعلى سمعة لبنان المالية.
أما في ما يتعلق بالبيان الوزاري، فصرحت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد نجد بعد اجتماع طويل للجنة صياغته أمس بأنه "تم تحديد الخميس موعداً لانعقاد مجلس الوزراء بهدف إقرار البيان بصيغته النهائية وإحالته على مجلس النواب لنيل الثقة".
وقالت: "لا نتبنى أي مسودة تم تسريبها، ومسار البيان هو التركيز على القضايا المعيشية والاقتصادية والمالية الضاغطة التي تشكل هاجساً عند المواطن، وهذا كان فحوى مناقشات اللجنة".
واوضحت انه "لا يوجد أي تعديل ضريبي ولكن هناك اصلاحات ضريبية ونقدية". وأضافت: "نطرح أفكارنا بكل جدية، ولدينا إيمان بضرورة تطبيقها، والخيار يعود الى مجلس النواب بإعطاء الثقة".
وقال وزير الصناعة عماد حب الله إن "ما سرّب من مسودّة للبيان الوزاري يختلف عما تم الاتفاق عليه".
وقال وزير السياحة والشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية انه وضعت بعض اللمسات على البيان الوزاري، وان الفقرة السياسية لم تتغير والتعديلات ليست جوهرية، كاشفاً أن "الاجراءات الضريبية والرقابية ستطال من كان يعفى ويتهرب من الضرائب".
لغم الكهرباء
الى ذلك، علمت "النهار" ان أكثر من أبدى ابدوا ملاحظات على خطة الكهرباء الواردة في البيان الوزاري معتبرين انها الخطة التي وضعها الوزير السابق جبران باسيل. وأعلن وزراء خلال مناقشات لجنة البيان الوزاري انهم يعارضون هذه الخطة خصوصا انه سبق لفرنسا راعية مؤتمر "سيدر" ان حذرت مرات عدة من ان عدم تحقيق اصلاحات حقيقية في قطاع الكهرباء سيهدد مقررات "سيدر". وتشير جهات معارضة للحكومة في هذا الصدد الى ان البيان الوزاري يتضمن نقاطا ذكية، ولكن موضوع الكهرباء يشكل احد الالغام الاساسية فيه.
النهار - 4\2\2020
إرسال تعليق