0
حسمتها "فيتش": لبنان يتجه إلى "إعادة هيكلة الدين"... هو مصطلح تقني اقتصادي عالمي ‏مرادف لوصف الدول المفلسة. لم تعد مكابرة السلطة تُجدي ولا خزعبلاتها تنفع في تورية ‏سوءات أعمالها في سوق السياسة السوداء، فعورة الإفلاس بانت وسمة الفشل باتت مدموغة ‏على جبين كل من هم في سدة المسؤولية في الدولة اللبنانية. 
خلاصة "فيتش" كان قد سبقها ‏إليها الشعب اللبناني مع اندلاع ثورة 17 تشرين، واللبنانيون أضحوا، موالين ومعارضين، ‏يعايشونها يومياً عند كونتوارات "الشحادة" في المصارف، حيث تثبيت جرم "الأموال ‏المنهوبة" لا يحتاج لا إلى تحقيق ولا إلى تدقيق، إنما هو جرم مشهود على "عينك يا تاجر"، ‏ولا من يحرّك ساكناً من أهل الحكم المشتبه فيهم الرئيسيين في عملية نهب المال العام ‏والخاص في لبنان‎.
‎ أما الجديد على شريط أخبار "التفليسة" فذلك الذي وضع "المضمونين" تحت مقصلة ‏‏"المودعين" نفسها التي تدور في فلك لعنة سندات الخزينة، الآخذة تداعياتها المشؤومة بالتمدد ‏على بساط الأزمة النقدية، مهددةً بتوجيه ضربة قاصمة لجنى عمر ما تبقّى من موظّفين، ‏وبتعريض مؤسسة الصندوق الوطني للضمان، التي أُنشئت أساساً على عهد الرئيس فؤاد ‏شهاب بهدف رعاية قواعد شبكة الأمان الاجتماعي، إلى خطر التلاشي والانهيار في عهد ‏الرئيس ميشال عون الذي تزامن عيده الـ85 أمس، مع الإعلان عن إطفاء 785 مؤسسة ‏تجارية شمعة أعمالها في لبنان منذ أيلول الفائت، منها 240 أقفلت أبوابها في كانون الثاني ‏الماضي وحده، بينما فاق عدد الموظفين المصروفين من أعمالهم الـ25 ألفاً... والحبل على ‏الجرار‎.
‎ إذاً، بعد تبخّر ودائع المودعين في المصارف، أرخت الأزمة النقدية بظلالها السوداوية على ‏أموال تقاعد الموظفين بسبب توظيفات أموال صندوق الضمان في سندات الخزينة، إذ حذرت ‏مصادر اقتصادية عبر "نداء الوطن" من أنّ تعويضات نهاية خدمة الموظفين التي يديرها ‏الصندوق باتت معرّضة لخطر جدّي ربطاً بأزمة "سندات الخزينة"، موضحةً أنّ أصول ‏الصندوق التي بلغت حوالى 14 تريليون ليرة لبنانية، تم استثمار نحو 11 تريليوناً منها في ‏سندات خزينة الدولة التي تستحق خلال 12 و24 و36 شهراً (بحسب أرقام الـ2018‏‎).‎
‎ وفي حين أنّ المعطيات والوقائع بينت عدم وجود "لا حسيب ولا رقيب" على توظيف حقوق ‏الناس وإدارة المخاطر الناتجة عن هذا التوظيف، تشير المصادر إلى أنه طوال الأشهر القليلة ‏الماضية شهد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي زيادة في طلبات سحب استحقاقات "نهاية ‏الخدمة"، سواء بسبب تسريح عدد كبير من الموظفين من أعمالهم نتيجة الأزمة الاقتصادية ‏والنقدية في البلاد، أو نتيجة خشية الموظفين (ممن تراكم لديهم نحو 20 عاماً من الاشتراكات) ‏من أن يخسروا مدّخراتهم تحت وطأة اشتداد الأزمة، فسارعوا إلى تسييل مستحقاتهم طالما لا ‏تزال ملاءة الضمان تسمح بذلك‎.
‎ ورغم قدرة صندوق استحقاقات "نهاية الخدمة" على دفْع ما يتوجّب عليه حتى الساعة بما لديه ‏من احتياطيات، إلا أنّ الأزمة التي تلوح في الأفق تبقى مجهولة المعالم والمصائر، لا سيما ‏وأنّ الضمان الاجتماعي يوظف الغالبية الساحقة من أصوله في سندات الخزينة، بينما المتبقّي ‏من أصوله "محجوز" على شكل ودائع مصرفية لا يستطيع إليها سبيلاً، ومن هنا فإنّ أي ‏عمليّة "قصّ ودائع" أو إعادة هيكلة الديون بالليرة، من شأنها أن تزيد الطين بلّة وترفع مستوى ‏المخاطر على أموال المودعين والمضمونين على حد سواء‎.
‎ وفي الغضون، دخل عملياً "الاحتكاك التقني" بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي ‏مرحلة "المكاشفة الجدية"، مع وصول وفد الصندوق إلى بيروت لبدء جولة مباحثاته الإنقاذية ‏مع المسؤولين اللبنانيين، تمهيداً لرسم خريطة طريق الخروج من نفق الانهيار والإفلاس في ‏البلاد، وهي خريطة تتقدم معالمها شروط الإصلاح ووقف مزاريب الهدر في الخزينة العامة، ‏وأبرزها "مزراب الكهرباء" الذي أنهك الدولة واستنزف طاقاتها النقدية‎.
‎ وبالتوازي، يدخل استحقاق سندات اليوروبوند عملية "حسم الاتجاهات" بالنسبة لكيفية تعاطي ‏حكومة حسان دياب مع هذا الاستحقاق، انطلاقاً من جولة "المفاوضات الصعبة" التي ‏ستخوضها الحكومة قريباً مع الدائنين الأجانب، وسط استقرار الرأي حكومياً على وجوب عدم ‏سداد استحقاق آذار ضمن إطار خطة تفاوضية واضحة، كشفت مصادر وزارية لـ"نداء الوطن" ‏أنها تقضي بوضع سلة حلول توافقية لإعادة جدولة السندات، مقرونة بعرض تسديد "دفعة على ‏الحساب" بقيمة 400 مليون دولار من احتياط المصرف المركزي، من أصل مبلغ المليار ‏ومئتي مليون دولار المستحقة‎.

نداء الوطن - 19-2-2020

إرسال تعليق

 
Top