0
بعد أقل من 48 ساعة من انعقاد اللقاء الاقتصادي الموسع في قصر بعبدا وصدور جملة توصيات ومقررات وتوجهات اصلاحية عنه للتعامل مع الازمة الاقتصادية والمالية المتفاقمة، وجد لبنان نفسه مضطراً الى التعامل الشاق مجدداً مع المؤشرات الصادرة عن وكالات التصنيف الدولية حيال أوضاعه المالية كما مع المتطلبات الضاغطة لجبه تداعيات المواجهة الحدودية الاخيرة التي لم تنته ذيولها بعد. ومع ان التقرير الجديد الذي أصدرته أمس وكالة "ستاندارد اند بورز غلوبال" ركز في وجه خاص على القدرات المالية لمصرف لبنان في الوفاء بمتطلبات التمويل للدولة والقيمة المقدرة للعملات الاجنبية لديه، فان الوكالة حذرت من أن لبنان يواجه خفضاً جديداً للتصنيف الائتماني واختباراً محتملاً لربط عملته إذا تسارعت وتيرة استنزاف احتياطاته المحدودة من النقد الأجنبي.
وقالت "ستاندارد آند بورز" إنها تُقدر انخفاض احتياطات لبنان القابلة للاستخدام إلى 19.2 مليار دولار في نهاية السنة الجارية من 25.5 مليار دولار في نهاية 2018. وبينما يجب أن يكون ذلك كافياً لتغطية حاجات الاقتراض الحكومية والعجز في المعاملات الخارجية طوال الأشهر الـ12 المقبلة، فإن ثمة مخاطر واسعة النطاق.
وقالت الوكالة في تقريرها الجديد: "نعتقد أن هناك مخاطر من استمرار انخفاض تدفقات ودائع العملاء، على الأخص من غير المقيمين، مما سينتج منه تسارع السحب من احتياطات النقد الأجنبي وهو ما سيختبر قدرة البلاد على الحفاظ على ربط العملة بالدولار الأميركي. استمرار تلك الاتجاهات خلال الأشهر الستة المقبلة قد يتسبب في خفض التصنيف إلى مستوى 'CCC'
وصدر تقرير الوكالة بعد أيام من إعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ان احتياطات المصرف من النقد الأجنبي إرتفعت بما قيمته 1.4 مليار دولار خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر آب نتيجة تدفق ودائع مباشرة الى مصرف لبنان، من القطاع الخاص غير المقيم وليس من دول أو جهات دولية، موفرة دعماً إضافياً للنظام المالي في مواجهة الأزمات العميقة التي يواجهها. وقد رفعت هذه الزيادة الاحتياطات الأجنبية لدى مصرف لبنان إلى نحو 38.66 مليار دولار مقابل 36.3 ملياراً في حزيران 2019. ولا تشمل هذه الارقام احتياطات المصرف المركزي من الذهب والتي تقدر بنحو 14 مليار دولار، ما يرفع الاحتياطات الاجمالية الى ما يقارب 52.66 مليار دولار، بما يعكس ثقة المودعين ويعزز الثقة بالليرة ويساهم في خفض العجز في ميزان المدفوعات.
الجنوب والتهديدات
وبدا واضحاً ان الاتجاهات الجديدة التي تقررت في لقاء بعبدا بدأت رحلة اثبات جدية الدولة وصدقيتها الحاسمة في استدراك الاخطار المتفاقمة اقتصادياً ومالياً ضمن مهلة الاشهر الستة على الاقل التي تحدث عنها رئيس الوزراء سعد الحريري بعد اللقاء السياسي - الاقتصادي في قصر بعبدا الاثنين الماضي. وليس خافياً ان هذه التحديات قد تعاظمت عقب التطورات الاخيرة على الحدود اللبنانية - الاسرائيلية بين اسرائيل و"حزب الله" والتي أعادت تسليط الاضواء بقوة خارجياً على ضعف قدرات الدولة في الامساك بزمام الامور الاستراتيجية. لذا اكتسب اللقاء الذي ضمّ أمس الرئيس الحريري والقائد العام لقوات "اليونيفيل" اللواء ستيفانو ديل كول أهمية بارزة اذ تناول الوسائل الكفيلة بمنع التدهور مجدداً والتزام القرار 1701. وصرح ديل كول بأن "أولويتي كانت تتمثل في تهدئة الوضع بسرعة واستعادة الهدوء في المنطقة، وهو ما تحقق من خلال العمل المكثف مع الأطراف خلال التطورات. ومرة أخرى، لعبت آلية الارتباط والتنسيق التي تضطلع بها اليونيفيل دوراً حاسماً في نزع فتيل التوتر على طول الخط الأزرق. وفي هذا الوقت، لا نزال نعمل بشكل وثيق مع الأطراف لاحتواء التوترات والحوادث وتوفير بيئة آمنة ومأمونة في المنطقة".
وقال: "سعدت للغاية بعدما سمعت اليوم تأكيد رئيس مجلس الوزراء التزام لبنان المستمر لوقف الأعمال العدائية بموجب قرار مجلس الأمن 1701. وانه لمن الضروري أن تكون المنطقة الواقعة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أي أفراد مسلحين أو أصول أو أسلحة غير تلك التابعة لحكومة لبنان واليونيفيل".
وكانت اسرائيل قد عاودت أمس تهديداتها للبنان، اذ هدد وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس مساء أمس "حزب الله" بمهاجمة لبنان مرة ثالثة، وذلك في حوار مع إذاعة الجيش الإسرائيلي. وقال: "إذا هاجم حزب الله إسرائيل من لبنان، سنهاجم أهدافا مزدوجة، أي شيء يمكن أن يخدم حزب الله والسكان المدنيين اللبنانيين".
الحريري
ورأى الرئيس الحريري، في مقابلة تلفزيونية أجرتها معه محطة "سي ان بي سي" الاميركية ان "حزب الله ليس مشكلة لبنانية فحسب بل مشكلة إقليمية. واذا كانت إسرائيل تريد أن تعتمد هذا السيناريو بأن لبنان مسؤول كما يقول نتنياهو، وتريدون تصديقه صدقوه. ولكنه يعلم والمجتمع الدولي يعلم أن هذا غير صحيح. نحن لا نوافق حزب الله على هذه الاعمال. أنا لا أتفق مع حزب الله على هذه الأعمال". وأضاف: "أنا شخص براغماتي أعرف حدودي وأعرف حدود هذه المنطقة. لو كان الناس جادين في هذه المسألة، لكانوا فعلوا شيئاً قبل 10 و15 و20 و30 عامًا. ربما بدأوا القيام بشيء الآن، لكنها ليست مشكلتي أو خطئي أن حزب الله أصبح قوياً الى هذه الدرجة. لكن أن يقولوا لي إن حزب الله يدير الحكومة، لا، حزب الله لا يدير الحكومة. نحن ندير الحكومة. أنا أدير الحكومة والرئيس عون بصفته رئيساً والرئيس بري بصفته رئيسا لمجلس النواب. هم حزب سياسي له حجمه في الحكومة وفي مجلس النواب. لا يديرون البلد، لكنهم يستطيعون إشعال حريق أو حرب قد تحصل لأسباب إقليمية لا رأي لنا بها في لبنان. وهذا هو سبب الخلاف الكبير بيننا وبينهم. ماذا أفعل كرئيس لمجلس الوزراء، هل أتشاجر مع حزب الله ليلاً ونهاراً أم أقوم بالإصلاحات الضرورية والتي تتضمن تقوية المؤسسات والجيش اللبناني والقوى الأمنية ومصرف لبنان وأجعل الحكومة المركزية قوية؟".
وفي الملف المالي أكد الحريري "أن الحكومة ماضية في معالجة المشكلة الاقتصادية والمالية التي يواجهها البلد، "لقد بدأنا سلسلة إجراءات في موازنة 2019، وخفضنا العجز فيها إلى نسبة 7.6%، ونأمل أن نتوصل إلى نسبة 7% في موازنة العام 2020، وسنمضي بخفض عجز الكهرباء والقيام بالإصلاحات وسن القوانين اللازمة، وأنا واثق من أننا نستطيع الخروج من هذه المشكلة إذا استطعنا تنفيذ جميع الخطوات الضرورية التي وضعناها أمامنا".
ولاحظ "إن صندوق النقد الدولي لديه معايير معينة عندما يتعلق الأمر بالليرة اللبنانية، ونحن في الحكومة ووزارة المال والبنك المركزي نؤمن بأن إبقاء سعر صرف الدولار الأميركي بـ 1500 ليرة لبنانية هو الطريقة الوحيدة الثابتة للمضي قدماً في الإصلاحات".
وبرزت في هذا السياق الانطباعات التي عبر عنها المبعوث الفرنسي المكلف متابعة تنفيذ مقررات "سيدر" بيار دوكين عقب لقائه الطويل مساء أمس والحريري والتي راوحت بين التشجيع والتذكير بالالتزامات. فهو اشاد بلقاء بعبدا قبل يومين، لكنه قال: "أعتقد أن هناك أيضاً اتفاقاً على عدم وجود حلول سحرية، بل توليفة إجراءات وخطوات يمكنها وحدها أن تعيد إطلاق الاقتصاد اللبناني لتقليل الضغوط المالية الحاصلة وخدمة مصالح الشعب اللبناني. وعلى الجميع بالتالي عدم انتظار حلول سحرية، بل سلسلة إجراءات بينها ما يتعلق بالموازنة".
وذكر "بأن الهدف الذي تم تحديده وما اتفق عليه في مؤتمر سيدر هو خفض الدين العام بنسبة نقطة في السنة على مدى خمس سنوات، إلا أنه بالمقارنة مع ما كنا عليه قبل سنة ونصف سنة، فإن العجز اتسع، وبالتالي لا بد من التصحيح والمحافظة على الخفض بنسبة 1% سنويا".
وخلص الى "أن الرسالة التي أحملها من المانحين هي أنهم موجودون وحاضرون دائماً لمساعدة لبنان ولن يخذلوا هذا البلد، لكنهم ينتظرون".
جنبلاط وشكري
وسط هذه الاجواء التقى أمس رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في القاهرة وزير الخارجية المصري سامح شكري.
وصرح الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية، بأن الوزير شُكري "أكد حرص مصر على سلامة لبنان وأمنه واستقراره وتحقيق المصالح الوطنية اللبنانية وتجنيب لبنان مخاطر الصراعات في المنطقة، وذلك في إطار الاهتمام المصري الدائم بكل ما فيه مصلحة لبنان وشعبه، مُثمناً الدور البَنّاء والأساسي الذي يلعبه السيد جنبلاط للحفاظ على الاستقرار والتوازُن في لبنان".

النهار - 5 ايلول 2019

إرسال تعليق

 
Top