0
اذا كان السياسيون لزموا علناً الصمت حيال ملف العميل عامر الفاخوري تجنبا لمواجهات مباشرة في ما بينهم، ‏وتظهير الانقسامات الراكدة، فان انصارهم وأزلامهم شكلوا المنابر البديلة، التي دخلت عليها صراعات الاجهزة، ‏ومراكز القوة والقرار، وتحركت الجيوش الالكترونية لدى الاطراف المتصارعين، فعبرت عن حال الانقسام في البلد، ‏وعن الشرخ والتباعد في معظم الملفات وفي الرؤية الى الماضي كما الى المستقبل، خصوصا ان الملف تزامن مع ‏ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد بشير الجميل، وذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا، فانفجرت الاحقاد دفعة واحدة. لكن الاكيد، ‏استناداً الى مصدر وزاري رفض خوض الجدل القائم، "ان الامور ستعود الى مجاريها بعد ايام، لان المصالح القائمة ‏اقوى من الفرقة بين شركاء الحكم‎".
‎ واذ اقتصرت "حروب" الايام السابقة على الجيوش الالكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دخل عليها في ‏مرحلة لاحقة الاعلاميون المناصرون للاطراف السياسيين، قبل ان يبدي السياسيون بدلوهم أيضاً، فيؤكدوا الصراع ‏القائم في أعلى الهرم والذي يتمدد عمودياً الى كل القواعد‎.‎
‎ لكن اللافت في الامر، دخول الاجهزة الامنية الصراع الدائر، اذ بعدما وجهت أصابع اتهام الى احدى المؤسسات، ‏وزادت حدة نتيجة التنافس السياسي مع المسؤول الاول عنها، خرجت مصادر لتتهم جهازاً امنياً اخر بتسريب الخبر ‏عبر الاعلام لاهداف سياسية أيضاً، حالية ومستقبلية، ما يحول مرة أخرى التنافس بين الاجهزة صراعاً ينبغي ضبطه ‏كما في مرات سابقة فلا ينعكس على مجمل الحالة الامنية. وأفادت مصادر أخرى ان التحركات التي كانت ممنوعة ‏سابقاً على احزاب معينة في معتقل الخيام، فتح المجال لها، وتم تنظيمها، بدعوة من "حزب الله" وبدفع من جهاز ‏أمني، لايصال رسالة غير مباشرة الى من يعنيهم الامر‎.‎
‎ وفيما كان العميل فاخوري يخضع أمس للتحقيق في المحكمة العسكرية قبل ارجاء الجلسة في انتظار موافقة نقابة ‏المحامين على وكالة محامية أميركية للدفاع عنه لكونه مواطناً اميركياً، سربت اخبار الى المعتصمين في الخارج عن ‏امكان التأجيل المتكرر وصولا الى تسوية سياسية تقضي بترحيله الى الولايات المتحدة، ما زاد حنقهم واصرارهم على ‏المطالبة باعدامه‎.‎
وقد أصدرت قاضية التحقيق العسكري نجاة أبو شقرا مذكرة توقيف وجاهية في حق الفاخوري بناء الى الجرائم المُسندة ‏اليه في ادعاء النيابة العامة العسكرية، وهي الانضواء في صفوف العدو والاستحصال على الجنسية الاسرائيلية ‏وتعذيب لبنانيين والتسبب بقتلهم‎.‎
وتأتي مذكرة التوقيف كتدبيرٍ وقائي لقطع الطريق على التوقيف الاحتياطي الذي مضى عليه أربعة أيام، وذلك الى ‏حين استجوابه في أساس القضية والتهم الموجهة إليه‎.‎
لكن نزاعاً قانونياً يلوح في الافق، اذ ان دخول الفاخوري لبنان، تم وفق القانون بعد الغاء البرقية 303 بقرار لمجلس ‏الوزراء بمشاركة كل الاطراف السياسيين بما فيهم "حزب الله" و"أمل" و"القومي" وغيرهم، وهذا ما دفع عضو ‏‏"تكتل لبنان القوي " النائب زياد أسود الى القول ان "اعتقال الفاخوري غير قانوني إنما سياسي بامتياز"، مؤكداً إن ‏‏"القانون اللبناني يعطيه حق العودة إلى لبنان، وقد سقطت التهم مع مرور الزمن، والمادة موجودة في القانون ولم ‏يخترعها التيار الوطني الحر، وقد صدر عن مجلس النواب اقتراح قانون عفو لتسوية أوضاع المبعدين قسراً إلى ‏إسرائيل، وأقرت القوى السياسية قبل سنوات بأن هذا الملف يجب أن يُغلق، وهو ما حصل أيضاً في ورقة التفاهم مع ‏حزب الله‎.‎
‎ وأضاف: "منذ تحرير الجنوب عام 2000 أسقطت المحكمة العسكرية عشرات التهم لأسباب كثيرة منها مرور الزمن، ‏وهو ما حصل مع الفاخوري، وقد عاد بالفعل نحو 60 مبعداً إلى لبنان ولم تحصل هذه الضجة مثلما حصلت اليوم". ‏ورأى أن "البرقية 303 غير قانونية وقد استُعملت لاسباب أمنية واستخبارية‎".
وشدد أسود على أن "احتجاز الفاخوري غير قانوني، وسجله العدلي نظيف وقد سقطت التهم عنه مع مرور الزمن، ‏وحالياً يحاكم بتهم أسقطت عنه. وبعيداً من الكلام العاطفي والمشاعر الوطنية، فإنه من الناحية القانونية لا يجوز ‏احتجازه، وقرار توقيفه سياسي وليس قانونياً‎".
وقال رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، رداً على سؤال: "بموضوع الفاخوري، بس تعطوني رأيكم بسليم ‏عياش بعطيكي رأيي بفاخوري، لترك القضية للقضاء والرئيس شكل لجنة لمعالجة موضوع الجنوب قبل سنة ‏الـ2000‏‎".
ولاحظ أنه "كما تفهّم البعض حساسية الوضع بالنسبة للحكم على عامر الياس الفاخوري ، يجب أن يتفهم اللبنانيون ‏أيضًا حساسية الوضع بالنسبة الى محبّي جورج حاوي والرئيس الشهيد رفيق الحريري وأنهم لن يتقبلوا الإستخفاف ‏بأحكام المحكمة الدولية‎".
أما النواب فانقسموا في ارائهم حيال التعامل مع الملف، ما اعاد ايضاً طرح موضوع العمالة من عدمه، فحزب ‏‏"القوات" ينتظر التحقيقات، فيما يعتبر "المستقبل" المتضامن مع قضية المعتقلين السابقين في سجن الخيام، انه يجب ‏اعادة تعديل القانون فلا يتم حاليا تجاوزه. وعبر النائب الكتائبي الياس حنكش عن رأي حزبه قائلاً: "نحن مع حق عودة ‏المبعدين وأنا أتعاطف مع معتقلي الخيام وآخرين تعذبوا في المعتقلات السورية أيضا"، وتساءل: "ماذا يشفي غليل آل ‏خوند وهم لا يعلمون شيئا عن عضو المكتب السياسي في حزب الكتائب بطرس خوند المعتقل في السجون السورية؟". ‏وأوضح وجهة نظره من موضوع عودة العملاء الاسرائيليين أو غيرهم من المبعدين، فقال: "مع عودة المبعدين ومع ‏محاكمة المجرمين منهم الذين اقترفوا جرائم حرب شنيعة، لا يمكن النظر إلى جميع المبعدين نظرة واحدة، فهناك أولاد ‏لم تتجاوز أعمارهم الـ7 سنوات عندما غادروا لبنان ولا علاقة مباشرة لهم بأي عمل مخالف للقانون".

النهار - 18 ايلول 2019

إرسال تعليق

 
Top