0
لم يصدر بعد قرار التمديد لمدير المخابرات العميد ادمون فاضل. برغم ان الصفقة السياسية المتعلقة بالتمديد كانت رباعية لا ثلاثية (قائد الجيش ورئيس الأركان والأمين العام للمجلس الاعلى للدفاع ومدير المخابرات). من الاسماء الاربعة، تمسك الاميركيون بفاضل وحده.

ترتبط الازمة السياسية الحالية بازمة التعيينات، التي لا تزال معلقة، بخلاف الصورة العامة التي توحي بان التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، لمدة سنة واحدة، قد انتهى واصبح امرا واقعا، في ظل كلام عن استمرار البحث في المجالس السياسية المعنية بضرورة تعيين مجلس عسكري جديد. وازمة التعيينات ترتبط هي ايضا بالفراغ الرئاسي، في ظل التقاطع بين المرشحين لرئاسة الجمهورية وقيادة الجيش.
 
هذا الترابط بين رئاسة الجمهورية والمؤسسة العسكرية، الذي برز في العقود الاخيرة بعد وصول ثلاثة من قادة الجيش الى بعبدا: العماد ميشال عون رئيسا للحكومة الانتقالية، قبل دستور الطائف، والعمادان اميل لحود وميشال سليمان رئيسان للجمهورية، لا يزال يتحكم في ادارة الازمة الرئاسية، من خلال لائحة المرشحين التي تتبدل وفقا للظروف والمعطيات.

واذا كانت قيادة الجيش قد ارتبطت برئاسة الجمهورية، الا انه نادرا ما ارتبطت مديرية المخابرات بقصر بعبدا. ظل اسم مدير المخابرات السابق جوني عبده، بعد تقاعده بسنوات، احد الاسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية، ليستبعد ولا سيما بعد ارتباط اسمه بعائلة الحريري. وفي الاشهر الماضية، تقدم اسم مدير المخابرات السابق جورج خوري الى لائحة الاسماء المرشحة لرئاسة الجمهورية، برغم ان قوى سياسية كانت قد اعترضت على مجيء خوري الى قيادة الجيش لاسباب سياسة، وبذريعة انه لم يسبق ان تولى قيادة المؤسسة العسكرية اي مدير للمخابرات، لكن اسم خوري طرح لرئاسة الجمهورية بعدما انتقل الى الديبلوماسية، سفيرا للبنان في الفاتيكان، الى جانب اسماء القادة الموارنة الاربعة كأحد المرشحين المتقدمين.
 
مع قرار التمديد لقائد الجيش، تقدم وضع مديرية المخابرات على نحو اساسي الى الواجهة. ظل وضع المديرية ملحقا بقيادة الجيش، ولم يثر في السنوات الاخيرة اي لغط حولها، ما دام قرار التمديد لفاضل الذي بقي في الظل، يأتي من ضمن الآلية المفترضة داخل المؤسسة، وما دام التمديد لا يواجه بأي اعتراض من جانب اي فريق سياسي داخلي. البعض رأى ان الحظ الى جانب فاضل ليس في مجيئه مديرا للمخابرات، بل في الظروف التي أملت على قهوجي اتخاذ قرارات التمديد المتتالية التي ابقته على رأس المديرية طوال السنوات الماضية بعد انتهاء فترة خدمته، لكن ليس الحظ هو الذي لعب الى جانب فاضل، كي تتحول المديرية اليوم مفصلا حقيقيا في اللعبة السياسية، فتدور الاسئلة والمفاوضات حولها اخيرا، ولا سيما في ضوء ما يراه الاميركيون مثلا تجاه المؤسسة العسكرية ولبنان.
 
بخلاف قوى سياسية محلية لا يروقها تعامل فاضل مع بعض الملفات الحساسة الامنية والاستخبارية، وبعضها صار معروفا، وضع الاميركيون ثقلهم في التعاون مع فاضل استخباريا. الاستثمار الذي وضعوه في مديرية المخابرات، أثبت انه ناجح على اكثر من صعيد. في الشق الشخصي، قال الاميركيون ان فاضل لم يستغل ما اعطي من معلومات استخباريا لمصلحة اي جهة سياسية، بل استثمره لمصلحة المؤسسة العسكرية، وان كل ما حصل عليه من معلومات، ولا سيما في مكافحة الارهاب، تمكن من استغلاله الى اقصى حد وبسرية تامة، تمكن من خلاله من تحقيق انجازات نوعية للمخابرات.

قالوا ايضا ان المساعدات التكنولوجية والتقنية التي قدمها اليه الاميركيون، ظلت في خدمة المديرية لمصلحة تنميتها وتعزيز قدراتها، وان ما انجزه «المدير» طوال السنوات الماضية، جعل فاضل بالنسبة اليهم، رقما صعبا لا يجري تجاوزه.
 
بحسب المعلومات كرر الاميركيون في الاونة الاخيرة، مقولة دعمهم للمؤسسة العسكرية، وانهم مع ضمان استقرار المؤسسة العسكرية وعدم حصول فراغ فيها، لكنهم لم يتدخلوا في الاسماء ترشيحا او تمديدا، ولم يتقدموا بمطلب واضح وضوحا كاملا في شأن التمديد، على غرار ما فعلوا حين طالبوا بابقاء فاضل على رأس المديرية، وكما فعلوا قبل التمديد، فعلوا بعده. جدد الاميركيون ولا يزالون يكررون الطلب، ويستعجلون تنفيذه بسرعة، وقبل الموعد المحدد لانتهاء خدمة فاضل.
 
اكتسب فاضل ثقة الاميركيين من ناحيتين، ثقة مخابراتيا، وتحديدا في مكافحة الارهاب، وهو الملف الذي يعنى به الاميركيون في صورة مباشرة، وثقة الحيادية وعدم ارتباطه بأي جهة سياسية من ضمن التركيبة السياسية اللبنانية، وعدم احتسابه على اي طرف سياسي. وهذه النقطة كانت ايضا بالنسبة اليهم عاملا مساهما في «غض النظر» عن التمديد لقهوجي، لتوافق معظم الاطراف عليه.
 
يمثل مركز مدير المخابرات مركز ثقل بالنسبة الى المعنيين بالشأن الامني اميركيا وغربيا، في الا يقع هذا المركز في يد اي طرف سياسي، وخصوصا في ضوء سلسلة من التوقيفات والعمليات الاستباقية والتنسيق بين الاجهزة الاستخبارية المعنية كما حصل في ملفات امنية دقيقة. علما ان انجازات المديرية التي صبت في مصلحة استقرار لبنان، والمواصفات السابقة الذكر، صارت من الثوابت في تعامل مراكز ابحاث ومتخصصين في الشأن الامني، في ترداد اسم مدير المخابرات في الاونة الاخيرة. فما يمكن ان يمثل عقبة في وصول مدير مخابرات الى قيادة الجيش، كان بالنسبة الى هؤلاء مواصفات مطلوبة في مكان آخر، وتحديداً في رئاسة الجمهورية.
 
كي يبقى اسمه على اللائحة العسكرية تمهيداً لانتقاله إلى لائحة المرشحين للرئاسة، يجب ان يبقى فاضل، في مركزه «المهم» ولا ينتقل المركز الى يد أخرى. ويجب تبعا لذلك ضمان المخارج القانونية بسرعة لابقاء الرجل بالثياب المدنية على رأس مديرية عسكرية. لكن حتى الان لم يصدر بعد قرار استدعائه من الاحتياط.

هيام القصيفي - الاخبار 21 اب 2015

إرسال تعليق

 
Top