0
انتهى فندق «هوليداي إن» الشهير في بيروت، مثلما تنهي الحروب معالم عمرانية، تدمرها، أو تغيّر وظائفها، فتحوّل المدرسة إلى مركز لجوء، والفندق إلى مقر عسكري، والمبنى السكني إلى مخزن أسلحة... بعد مرور ثمانية وثلاثين عاماً على الحرب الأهلية، ينتظر أكثر الفنادق فخامة، تقرير المساهمين في ملكيته مصيره، بعدما تحول إلى رمز لمعركة الفنادق في الحرب، وتداولت عليه جيوش ومنظمات مسلحة من كل الاتجاهات السياسية، لبنانية وفلسطينية وسورية.
 
وقد أصبح مؤكداً أن الفندق لن يعود باسمه المعروف، بل مجرد مبنى تملكه «شركة المركز المدني - سان شارل». ويقول أحد المحامين المعنيين إن مدة عقد الشركة انتهت، لذلك يبحث الشركاء في تصفية الموجودات، وهم بشكل رئيسي ورثة أمير الكويت الشيخ سعد العبدالله الصباح وورثة رئيس مجلس إدارة شركة «سيل» العقارية أرنست عابديني. وتعني التصفية بالتعريف القانوني تقييم العقار وموجوداته وتوزيع قيمتها على المساهمين كل حسب حصته. ويوضح المحامي أن «شركة الفنادق العالمية هوليداي إن» كانت تستأجره من «المركز المدني»، وعندما اندلعت الحرب، غادرت وانتهى الإيجار، بينما يختلف الأمر لدى «فندق فينيسيا» المجاور له، لأنه ملك لعائلة واحدة هي آل صالحة، ولذلك بقي بالاسم نفسه.
 
يوضح الوزير السابق الياس سابا، وهو من مؤسسي «شركة المركز المدني سان شارل»، وكان في إحدى الفترات رئيساً لمجلس الإدارة، أن العقار يمتد على مساحة نحو أحد عشر ألف متر مربع، تضم الفندق والمبنى الملاصق له. ويقول إنه لدى انتهاء مدة عقد الشركة يترتب لتجديد الشراكة موافقة ثلثي الأعضاء، لكن ذلك لم يحصل، فورثة الشيخ الصباح يملكون ثلاثة وخمسين في المئة من الأسهم، بينما يملك رئيس «شركة سيل» العقارية رولان عابديني أربعة وثلاثين في المئة من الأسهم. وتملك «مؤسسة ضمان الودائع» عشرة في المئة من الأسهم. وقد رفض عابديني في العام 2002 بيع الأسهم إلا استناداً إلى التخمينات التي قدرها، وتساوي قيمة العقار بموجبها مئة وأربعين مليون دولار. وعلى ما يبدو فإن ورثة الشيخ الصباح لم يعودوا مهتمين بالعقار كثيراً، بعد وفاة والدهم، ولعل رولان عابديني المقيم في فرنسا، لا يريد المساهمة في شركة لا يستطيع امتلاك قرار إدارتها.
 
لتصوير أفلام الرعب
عاش الفندق سنتين فقط، قبل أن يتحول إلى مقر عسكري شهير، نظراً لموقعه المشرف على العاصمة في اتجاهاتها الأربع. وأدت الخلافات بين الشركاء إلى بقائه خراباً وشاهداً في الوقت نفسه على ما تصنعه الحرب بالعمران وأهله.
 
وبعد الحصول على إذن من الجيش الذي يقيم حالياً مقراً عسكرياً في الفندق، تحوّلت رغبة استكشاف المكان إلى رهبة منه. فها هي الطبقات الخمس والعشرون، جدران عارية من الباطون، مفتوحة أمام الهواء والريح والمطر.
 
كل شيء منزوع من الغرف، الدهان، البلاط، الأبواب، النوافذ، الأثاث، الأخشاب، التمديدات الكهربائية والصحية. لم يبقَ شيء سوى الجدران. وعند كل طبقة، تحول الممر الرئيسي بين الغرف إلى ما يشبه أماكن تصوير أفلام الرعب. مساحة واسعة، تدخل فيها من باب إلى آخر، وبينها فتحات أرضية، تظهر منها الطبقات السفلى، وتصل عند نهاية كل طبقة إلى درج لولبي ضيق ومظلم، تصعد منه بين الطبقات، بعد خراب المصعد الكهربائي.
 
لم يبقَ على الجدران سوى شعارات الذين مروا من هنا. عند أحد جدران الطبقة الثانية، كتب، الثائر ابو لؤي قاسم، وحركة برج النار، وابراهيم عبد الحق أبو فادي فوج الدبابات - حلب 25/12/1981، وعند جدار آخر كتب: الثائر العربي باسم شزول السويداء. وعند الجدار المقابل كتبت أغنية: مظلوم يا ناس غير الصبر مالي. ومقتطفات من قصيدة، لا تحسبين أني هجرتك طائعا حدث لعمرك رائع أن تهجري. ثم كلام وصال ودلال وخصام الحب كده، ابو سيد قوات الردع: 12/1/1988 .
 
في الطبقة الثالثة، ذكرى محمد حسين وعدنان شفتان النواف دير الزور. 10/10/1998. وفي الطبقة الرابعة وعند الجدار المطل مباشرة على نادي اليخوت في السان جورج، كتب شعار «جيش التحرير الفلسطيني»، وابو اللطف وابو يوسف الحسكة. وذكرى تامر جمعة 17/2/1982. وعلى جدار آخر: إن فتحنا لك فتحا مبينا، حسين مرمر. في الطبقة الخامسة أحكام قضائية ملصقة على أحد الجدران وتتعلق بضرورة دفع بدلات إيجار في العقار الرقم 404 من منطقة ميناء الحصن ملك شركة المركز المدني سان شارل عن السنوات 2004 حتى العام 2008.
 
معارك تغير مجرى الحرب
شكلت حرب الفنادق جزءاً رئيسياً من معركة الأسواق التجارية التي أدت دوراً حاسماً في سقوط مقارّ «حزب الكتائب»، وتغيير مجرى الحرب لمصلحة المنظمات الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، قبل دخول قوات الردع العربية. واستناداً إلى التاريخ المدون، أخلت «القوات المشتركة» الفندق من قوات «الكتائب» وحلفائهم في الواحد والعشرين من آذار العام 1976 وأحرقت الطبقات السفلى بقصد القضاء على أي جيب كتائبي قد يكون مختبئا في الداخل. وفي 17 تشرين الثاني سلمته قوات «المرابطون» مع برج المر إلى قوات الردع العربية.
 
وفي الرابع والعشرين من آذار كتبت «السفير» أن حرب الفنادق أشرفت على نهايتها بعدما أحكمت «القوات المشتركة» سيطرتها على فنادق «هوليداي إن» و«فينيسيا» و«سان جورج» ومقر «الكتائب» في المقاطعة الرابعة ومنطقة «ستاركو» ووادي ابو جميل، وضربت طوقاً محكماً على «نورماندي» و«فندق هيلتون» في الزيتونة.
 
وفي كتابه «قصة الموارنة في الحرب»، يروي عضو المكتب السياسي الكتائبي جوزيف أبو خليل ما يلي: «في ليلة من آذار 1976 المظلمة والمعارك في الأسواق التجارية على أشدها، والعتمة تنفلش وتغمر الأرض ومن عليها، وتضفي على المكان رهبة ووحشة فائقتين، ولا ضوء سوى ذلك المنبعث خافتاً من نوافذ المبنى الذي اتخذه الشيخ بشير الجميل مقراً لقيادته، وهو مبنى «السومكس» القائم على الطرف الغربي من شارع الأرز في محلة الصيفي، وعلى بعد أمتار قليلة من بيت الكتائب المركزي الذي تمزق سقفه القرميدي بفعل القذائف المتساقطة عليه. كان المقاتلون يحتشدون بالعشرات في انتظار أدوارهم، وقال بشير الجميل: هل ترى هؤلاء المقاتلين؟ إنهم الليلة يرفضون الحلول مكان رفاقهم على خطوط النار لأن الذخيرة تنقصهم ولا ذخيرة عندي أزودهم بها، ولم أكن أعرف أن المقاتلين يحملون بنادق فارغة إلا من بضع رصاصات، عندها قلت لبشير وبصوت خافت ومرتجف وماذا عن الاتصال بإسرائيل؟».
 
ويقول إن بشير الجميل أجابه: «لا أدري إلى أي حد الأمر جدي، ولكن بعض الرفاق توجهوا بحرا إلى إسرائيل وقالوا إن الجماعة على استعداد لتزويدنا بالذخائر، كانت نظرتي حينها أنا وبشير أن الاتصال بإسرائيل خطوة كبيرة وخطرة ونتائجها مجهولة، لكن المعارك الدائرة في الأسواق ليس أقل خطورة ونتائجها المتوقعة بفعل نقص الذخيرة لا تتطلب أي حسابات، فماذا لو سقط بيت الكتائب المركزي في يد المهاجمين؟». ويوحي أبو خليل هنا أن معركة الأسواق كانت السبب لبداية الاتصال بإسرائيل.

بيع وشراء
ينتمي فندق «هوليداي إن» إلى مجموعة «باس» العالمية للمنتجعات والفنادق، وهي تملك وتدير نحو 2800 فندق في العالم. بينها فندقان في بيروت هما «هوليدايإن مارتينييز» في عين المريسة، و«هوليداي إن ديون» في فردان. وكان مقرراً أن تبني فندقاً في طرابلس في العام 2001، ووضعت بالفعل لافتة باسمها في المدينة، ولكن لم تتم عملية البناء.
 
ويملك فندق «هوليداي إن مارتينييز» رجل الأعمال الكويتي الشيخ فواز الحسامي، بينما يملك فندق «هوليداي إن ديون» كل من سمير الريس وعلي طبارة.
 
وفي ايلول العام 1976 أوردت «السفير» ان مصرف «تشايز منهاتن» الأميركي اشترى اكثرية الأسهم في فنادق «هوليداي إن» و«فينيسيا» و«سان جورج» في بيروت، ويجري اتصالات لشراء فندق «البستان» في بيت مري و«كازينو لبنان». وقالت مصادر مالية إن هذه الخطوة تأتي في إطار خطة سيعتمدها المصرف المذكور وبعض المصارف الأجنبية، وتقضي بشراء عدد من المؤسسات السياحية والتجارية التي تضررت خلال الحرب، بينما ترك نبأ شراء الفنادق الثلاثة التي كانت تعد من أكثر الفنادق فخامة في الشرق الأوسط استياءً واسعاً في الأوساط النقابية.

المطعم الدوار
تأسست «شركة المركز المدني ـ سان شارل» في منتصف الستينات، بعد شراء الأرض التي بني عليها «مستشفى سان شـــارل» التابع للراهبات الألمانيات في عين المريسة، وتبلغ مساحتها عشرة آلاف وثلاثمئة متر مربـــع. وبعد شراء الأرض أعدت شركة لبنانية و«شركة موجنسكي» الفرنسية خرائط هندسية لإنشاء مجمع سكني وتجاري في لبنـــان، يضم برجاً يتكون من تسع وعشرين طبقة، وقربه مبنى مثلث الشكل، وسوقاً تجارية تمتد على مساحة العقار، بالإضافة إلى أربعين ألف متر مربع تحت الأرض. إلا ان عملية البناء كانت بحـــاجة إلى زيادة رأس مال الشركة، وهكذا أصبح لابن الشيخ عبد الله وهو الشـــيخ سعد الصباح 53 في المئة من الأسهم. ولم يرغب السكان بالإقامة في البرج بسبب قربه من الحانات اللـيلية فتحول نصفه إلى مكاتب والنــصف الآخر إلى فنــدق خمس نجوم. وأنشأت الإدارة مطعماً دواراً في الطبقة الأخيرة منه، كان المطعم الدوار الوحيد في لبنان، ولا يزال يذكره رواده من الأحياء حتى اليوم.

زينب ياغي - السفير 19\5\2014

إرسال تعليق

 
Top