0
على غير هدى يسير المركب اللبناني بعدما فقد أهل الحكم السيطرة على دفة قيادته، تاركين ‏الناس أسرى مافيا المضاربات والاحتكار والتهريب، حيث بدأت تسود شريعة النهب المنظم ‏للاحتياطي الإلزامي وتحكم الأسواق السوداء بتسعير السلع، على وقع تسارع العد العكسي ‏لرفع الدعم عن المواد الحيوية في البلاد‎.
‎ ومع تزايد المؤشرات الداخلية والتقارير الدولية الدالة إلى اتجاه اللبنانيين نحو انفجار اجتماعي ‏كبير بعد انتهاء شهر رمضان، ربطاً ببدء فقدان السلع المدعومة من الأسواق وتوقف تقديم ‏طلبات الدعم من قبل الشركات المستوردة، بدأ الهلع يتملك المواطنين عند أعتاب الصيدليات ‏ومتاجر الدواجن واللحوم ومحطات الوقود، وسط تأكيد مصادر معنية على أنّ "مرحلة ترشيد ‏الدعم انطلقت وأولى ضحاياها ستكون السلة الغذائية التي "طارت" كلياً من الأسواق، على أن ‏يستمر الدعم "بالقطّارة" في المرحلة المقبلة ليقتصر على بعض المواد الحياتية الحيوية ‏لاستمرار دورة حياة الناس‎".
‎ وفي هذا السياق، أكدت مصادر معنية بملف الدعم لـ"نداء الوطن" أنّ "رفع الدعم عن مادة ‏القمح أو الطحين المخصص لصناعة الخبز لن يتمّ نهاية الشهر وبالتالي فإنّ سعر رغيف الخبز ‏لن يرتفع كنتيجة مباشرة لترشيد الدعم"، لكنها استدركت بالقول: "إذا ارتفع سعر طن القمح ‏الذي يبلغ حالياً نحو 282 دولاراً واذا ارتفع سعر صرف الدولار فإنّ تسعيرة هذه المواد ‏ستتأثر حكماً، خصوصاً وأن ارتفاع سعر الدولار سيشمل ضمناً أكياس النايلون في صناعة ‏الرغيف". أما بالنسبة إلى المحروقات، وهي المادة الأهم التي لها تأثير على كل المكونات ‏الصناعية بسبب استخدام مادة المازوت في الصناعات المحلية، فإن رفع الدعم لن يحصل ‏بشكل نهائي عنها إنما "سيتمّ تخفيضه لحدوده الدنيا بموازاة إعطاء بطاقة تمويلية للمحتاجين ‏لتخفيض الآثار السلبية الناجمة عن ذلك"، كما أفادت مصادر وزارة الطاقة "نداء الوطن"، ‏مشيرةً في الوقت نفسه إلى أنّ الوزارة تسعى لتأمين أكبر نسبة دعم ممكنة للرغيف من ‏مصرف لبنان بغية السيطرة على مستوى سعر ربطة الخبز‎.
‎ وبينما لم تقدم وزارة الطاقة اقتراحاً حول نسبة الدعم التي يجب خفضها بين 15 و 50%، ‏أكّدت مصادر "الطاقة" أنّ "المعنيين بشأن رفع الدعم، وفي مقدمهم رئاسة الحكومة، لم ‏يحسموا أمرهم لغاية الآن ولا يزال البحث متمحوراً حول عدد من الأبحاث والدراسات، من ‏دون اتخاذ أي قرار نهائي بعد‎".
‎ وبالنسبة الى الأدوية، فبات من المعلوم أن "السرطانية" منها لن يرفع الدعم عنها، رغم أنّ ‏القيمين على الملف يعلمون أنها تُهرّب إلى خارج لبنان، وقد أكّد وزير الصحة في حكومة ‏تصريف الأعمال حمد حسن أمس أنّ "رفع الدعم عن الدواء والمستلزمات الطبية خط أحمر ‏لن تقبل به الوزارة‎".
‎ وفي ما يتصل بالسلّة الغذائية، جزمت المصادر المتابعة للملف بأنّ "الدعم سيرفع حتماً عنها"، ‏وفي تلك الحالة سترتفع أسعار المواد الغذائية بنسبة نحو 40% كون الدعم في السّلة الغذائية ‏كان يتمّ وفق سعر صرف بقيمة 3900 ليرة للدولار الواحد، وليس 1500 ليرة على غرار ‏المواد الأساسية. وهو ما يشمل ارتفاعاً في أسعار الخضار والدجاج واللحوم والحليب التي ‏شهدت ارتفاعاً قياسياً كبيراً في الأيام الأخيرة، إذ وصل سعر الفروج على سبيل المثال إلى ‏‏50 ألف ليرة ومن المتوقع أن يتخطّى الـ100 ألف، وهو السعر نفسه الذي بلغه كيلوغرام ‏لحوم البقر أمس‎.
‎ وكان بعض الوزارات، ولا سيما وزارة الإقتصاد، قد تبلغ كتاباً من مصرف لبنان يفيد بوقف ‏قبول طلبات الدعم بالآلية الموجودة حالياً، وهو ما أكده حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في ‏بيان أمس لناحية إشارته إلى أنّ "المصرف المركزي وجّه كتباً إلى الوزارات المعنية من أجل ‏ترشيد الدعم، وينتظر الأجوبة الواقعية التي يمكن تنفيذها قانوناً‎".
‎ ومساءً، أقدم "المركزي" على خطوة مباغتة بإعلانه إطلاق مفاوضات مع المصارف اللبنانية ‏‏"بهدف اعتماد آلية تبدأ بموجبها المصارف بتسديد تدريجي للودائع التي كانت قائمة قبل 17 ‏تشرين الأول 2019 وكما أصبحت في 31 آذار 2021، وذلك بالعملات كافة، ولهذه الغاية ‏طلب مصرف لبنان من المصارف تزويده بالمعطيات ليبني عليها خطة يتم بموجبها دفع مبالغ ‏تصل إلى 25 ألف دولار أميركي، (سيتم تسديدها للمودعين) بالدولار الأميركي أو أي عملة ‏أجنبية، إضافة إلى ما يساويها بالليرة اللبنانية"، موضحاً أنه "سيتم تقسيط هذه المبالغ على فترة ‏زمنية يُحدّدها مصرف لبنان قريباً، ومن المتوقّع أن يبدأ الدفع اعتباراً من 30 حزيران ‏‏2021 شرط الحصول على التغطية القانونية‎".
‎ ورأت أوساط مالية في خطوة المصرف المركزي "هجمة مرتدة على الطبقة السياسية التي ‏تضغط باتجاه صرف المزيد من أموال الاحتياطي الإلزامي لتمويل عمليات الدعم العشوائي"، ‏موضحةً أنّ "هذه الأموال تُصرف أساساً من حسابات المودعين، وبالتالي فمن الأجدى سدادها ‏لهم باعتبارهم أحقّ بها‎".
‎ ومن جهة ثانية، اعتبرت الأوساط المالية أنّ حاكم المصرف المركزي يسعى من خلال خطوته ‏هذه إلى "احتواء حالة التضخم المفرط‎ (Hyperinflation) ‎المقبلة على البلاد بسبب رفع ‏الدعم، وعليه فإنّ مصرف لبنان وجد نفسه مضطراً إلى رفع مستوى تحرير الودائع، منعاً ‏لاضطراره إلى اللجوء لمزيد من طباعة العملة وزيادة حجم التضخم في السوق النقدي".
 
نداء الوطن - 10 ايار 2021

إرسال تعليق

 
Top