0
بهذا يعرفون أنّكم تلاميذي.
(من الإنجيل المقدّس).
عودوا القدوة.
يتّفق الجميع أن المسيحيين عامة والموارنة على الأخص، كانوا في أساس النهضة العربية في مواجهة "التتريك"، وحَضَنوا في جبالهم ووديانهم أولى المطابع في الشرق، وكان إنتاجهم غزيراً ومميّزاً في اللغة والأدب والشعر والنثر والفلسفة والصحافة في لبنان وبعض الدول العربيّة، خاصة مصر، فأُشير اليهم بالبَنان وكانوا القدوة في حينه لأمثالهم من غير طوائف، وقد تميّزوا بالفكر والمعرفة والإنفتاح.
في العام ١٩٢٠ أُعلن لبنان الكبير وبِسعيٍ من جميع اللبنانيّين، خاصة البطريرك الماروني الذي تَصَدّر المِنصّة في قصر الصنوبر مع ممثّل الدولة المُنتدبة.
في حينه أيضاً، كان الموارنة القدوة في الدفاع عن الوطن ومن ألمع روّاد إنشاء دولة لبنان الكبير.
نال لبنان استقلاله، وكان الموارنة من أعمدة الحكم فيه. وقد أُلصقت بهم صفة أو تهمة
"المارونية السياسيّة".
وقد شهِد لبنان طيلة عقود بعض الخَضّات والأحداث، لكنّه تميّز بالكثير من البحبوحة والإزدهار والتفوّق في معظم الميادين الثقافية، الفكرية، العلمية، الطبيّة، الإستشفائية، الهندسيّة، الماليّة، المصرفيّة والسياحيّة..
منهم من يلعن هذه الفترة، ومنهم من يحنّ إليها، حالماً لو تعود يوماً، ولا أحد ينظر الى الوراء إلّا من سُدّت السبل أمامه.
إلّا أن الكثير من رجالات الموارنة في تلك المرحلة يذكرهم معظم اللبنانيّين بالخير حيث كانوا القدوة.
وبعد مئة سنة على ولادة هذا الـ"لبنان"، وبعد سبعة وسبعين سنة على نيله استقلاله، أضحينا في جمهورية أخرى ودولة أخرى ودستور مختلف ومفاهيم مغايرة.
إنهار الوطن وأركان السلطة يتقاذفون المسؤوليات برَمْيِها على بعضهم البعض، وكلّ منهم يأخذ من القوانين خيمة ومتراساً ليكون أكبر من بلده، عاصياً على كلّ مُساءلة او محاسبة، وحجة الجميع عدم المسّ بكرامته، وبكرامة طائفته وكيانه وموقعه.
أيحقّ لي كماروني أن أُذكّر المسؤولين من طائفتي، مستعيراً كلام السيّد المسيح للقول، هكذا يعرفون أنكم رجال دولة؟
أقدموا وأعلنوا على الملأ، أنّه بالرغم من حصانة الدستور والقوانين والأعراف التي ترعى طريقة التعامل مع مواقعنا،
ها نحن، كمسؤولين من الطائفة المارونية، قرّرنا وبكامل قوانا العقلية، ان نكون القدوة،
وعليه، فإنّنا ننزع عن أنفسنا أسوار الحماية الدستورية، بدءاً منّي، أنا رئيس الجمهورية اللبنانيّة، الحريص على ان أكون المثل الأعلى الذي يُقتدى به أمام أبنائه، أضع نفسي بتصرّف القضاء من أجل كلّ استيضاح، ونحن، قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان ورئيس مجلس القضاء الأعلى وجميع القضاة والأمنيين والمديرين، والمسؤولين الحاليين والسابقين، نقتدي بفخامة الرئيس،
وننزع حصاناتنا برضانا ونضع أنفسنا بتصرّف القضاء اللبناني والقضاء الدولي من أجل تبيان كلّ الحقائق في ما وصلنا إليه،
فيكون "الماروني" في الحكم قدوة ومثالاً يُحتذى به فيُشار إليه بكل فخر واعتزاز،
هذا، هذا رجل دولة.
الى القيادات المارونية،
عَلّكم اكتشفتم بالممارسة، أن المسؤول في أيّ موقع كان، لا يُمكن أن يكون قويّاً بعدد نوابّه ووزارءه وحجم شعبيته، فهذه الشعبيّة قد تصبح نقطة ضعفه أذ يُصبح هو رهينتها ورهينة مصالحها، لأن الآخرين الشركاء في الوطن، سيطالبون بنفس المصالح والخدمات، فتصير الدولة بعدّة رؤوس وعدّة مصالح، ويغدو الوطن مقاطعات مناطقية، مذهبية، طائفية، ويؤخذ تصرّف المسؤولين الموارنة عذراً لشبق الآخرين الى السلطة والتسلط والمال.
الشعب عامة، والمسيحيّون خاصة والموارنة بالأخصّ، لا يريدون مسؤولين أقوياء، بل يريدونهم أنقياء أتقياء، لا يبغون شيئاً خاصاً لا لهم ولا لذويّهم.
إنّ أفضل نظام ودستور للبنان ولكل الأوطان، يُختصر بكلمة واحدة: الأخلاقيات الوطنيّة.
إنمّا الحكّام أخلاق
إن ذهبت أخلاقهم،
ذهبت أوطانهم.

الدكتور شربل مارون عازار - 22 كانون الاول 2020

إرسال تعليق

 
Top