0
كان يؤمل من جولة السجالات وتبادل الردود والبيانات المباشرة بين قصر بعبدا وبيت الوسط ان تشكل، ولو في طابعها السلبي، فسحة مصارحة للبنانيين حول طبيعة التعقيدات التي اعترضت تأليف الحكومة، وكذلك فتحا لثغرة يمكن من خلالها النفاذ الى تسوية او حل حاسم وشيك على الأسس التي يمليها الدستور لاعلان الحكومة العتيدة في اسرع وقت. المصارحة حول بعض جوانب التعقيدات حصلت، ولكنها ابرزت تناقضا كبيرا يفصل رؤية كل من بعبدا وبيت الوسط الى مجريات اللقاء الأخير بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري، وحتى في تبيان التفاصيل التي أحاطت بتشكيلة الرئيس الحريري وطرح الرئيس عون. كما ان تلمس طريق الخروج من الاشتباك السياسي الكبير بينهما، بدا كأنه يبتعد اكثر من أي وقت سابق. وبذلك تكون الخلاصة الفورية التي لا جدال حولها ان مسار تأليف الحكومة بدا امس وكأنه انزلق الى أسوأ تأزم عرفه منذ تكليف الرئيس الحريري وتحديدا عقب اللقاء الأخير الذي عقد بين عون والحريري الأربعاء الماضي في بعبدا.
هذه الجولة من السجالات اشتعلت كما هو معروف على خلفية الكتاب المفتوح الذي وجهه الوزير السابق سليم جريصاتي عبر "النهار" امس الى الرئيس المكلف ورد المكتب الإعلامي للرئيس الحريري عليه ومن ثم رد مكتب الاعلام في قصر بعبدا على رد المكتب الإعلامي للحريري ومجددا عبر رد بيت الوسط على رد بعبدا. 
ولم يعد خافيا ان مضامين هذه الردود او حرب السجالات والبيانات وما ستكشفه جولات الردود الأخرى المتبادلة كشفت عمق الهوة، لا الشكلية فقط، في تقاسيم الحكومة العتيدة وتفاصيلها وحقائبها وربما حجمها، بل الأهم الخلفيات والاهداف السياسية التي تحكم الاشتباك السياسي بين بعبدا وبيت الوسط خصوصا لجهة مسألة تسمية الوزراء المسيحيين أولا، وحجم الحصة للفريق الرئاسي بشقيه الرسمي والحزبي ثانيا ومسالة الثلث المعطل ثالثا، وهي عناصر متفجرة في مجملها ان كانت تؤشر الى ما يتجاوز صراعا على السلطة لأمد طويل فالأخطر ان تكون مؤشرا لإذكاء صراع حول الطائف والدستور تحت جنح الزعم بحقوق الشراكة في تأليف الحكومة.
هذا البعد الخطير واكب يوم السجالات الطويل بدءا برد المكتب الإعلامي للرئيس الحريري على كتاب جريصاتي عبر "النهار" امس كاشفا ان الرئيس المكلف قدم من ضمن تشكيلته الحكومية الكاملة أربعة أسماء من اللائحة التي كان الرئيس عون سلمها الى الحريري وانه في الـ12 لقاء بينهما، كان رئيس الجمهورية في كل مرة يعبر عن ارتياحه لمسار النقاش قبل ان تتبدل الأمور وتتغير بعد مغادرة الحريري القصر الجمهوري. ولكن رد بعبدا اعتبر ان الرئيس عون اعترض على تفرد الرئيس المكلف بتسمية الوزراء المسيحيين دون الاتفاق مع رئيس الجمهورية وان عون لم يسلم الحريري رسميا لائحة أسماء. واصر مكتب الحريري في رده اللاحق على التأكيد انه تسلم من الرئيس عون لائحة بأسماء المرشحين واختياره أربعة منها وامل من الرئاسة "إعطاء توجيهاتها بوقف التلاعب في مسار تأليف الحكومة وضبط إيقاع المستشارين بما يسهل عملية التاليف لا تعقيدها".
الاشتباك السياسي القضائي
ولم تكن تطورات ملف الاستدعاءات التي طلبها المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي فادي صوان اقل سلبية من المسار السياسي المأزوم المتصل بتأليف الحكومة اذ حصل امس الصدام الواقعي من خلال امتناع رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب عن استقبال القاضي صوان في السرايا وامتناع الوزراء السابقين الثلاثة المطلوبين للمثول امام المحقق العدلي عن الحضور الى قصر العدل. 
ولم ينتقل صوان الى السرايا بعدما تبلغ ان الرئيس دياب يرفض استقباله لاستجوابه كمدعى عليه كون صلاحية الاستدعاء تعود الى مجلس النواب بحسب الدستور. وهو الموقف نفسه الذي اتخذه الوزير السابق علي حسن خليل. وعلى الأثر قرر صوان المضي في المسار الذي اختطه للتحقيق فحدد مواعيد جديدة لاستجواب دياب والوزراء السابقين تبدأ غدا مع خليل ويوسف فنيانوس الخميس وغازي زعيتر الجمعة، كما الرئيس دياب في اليوم نفسه. 
وطرحت وسط اشتداد هذا الكباش السياسي القضائي، تساؤلات عن الاحتمالات التي تواجه المحقق العدلي في حال اصطدامه المرجح تكرارا بامتناع دياب والوزراء السابقين عن الاستجواب. وإذ بدا مستبعدا تماما ما تردد عن امكان تنحي القاضي صوان عن هذا الملف فان الاحتمال الأرجح يتمثل في ان يلحظ المحقق العدلي وقائع الامتناع عن الاستجواب في قراره الاتهامي وترك القرار النهائي في شأن المسؤولين السياسيين للمجلس العدلي كهيئة حاكمة.
اما في التفاعلات السياسية لموضوع الادعاءات على دياب والوزراء السابقين فبرزت مطالبة رؤساء الحكومات السابقين الأربعة نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وسعد الحريري وتمام سلام مجددا بلجنة تحقيق دولية "نتيجة تخوفنا من وضع القضاء اللبناني تحت ضغوط التمييع والتسييس والتطييف والابتزاز الداخلي". 
وذكروا بان "الدستور يحصر محاكمة رئيس الوزراء والوزير المتهم امام المجلس الأعلى اما اذا أراد قاضي التحقيق ان يعتبر ذلك حرما عاديا وهذا أيضا غير صحيح، فانه ينطبق على رئيس الجمهورية أيضا بسبب تماثل الفعلين بالاحجام عن درء الخطر قبل وقوعه". وإذ اكدوا "تمسكهم بأحكام الدستور وان لا حصانة لهم ولا لاي شخص في هذا الخصوص من اعلى الهرم الى أسفله" حذروا من "ان خرق الدستور بصورة متعسفة يؤدي الى خلل كبير في الركائز التي يقوم عليها الكيان اللبناني".
 
النهار - 15 كانون الاول 2020

إرسال تعليق

 
Top