0
لم يكن الموقف الشديد الغضب والحاد الذي اعلنه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون غداة ‏اعلان الرئيس المكلف مصطفى اديب اعتذاره عن تشكيل الحكومة الجديدة مفاجئا على ‏الاطلاق. 
ولكن التطور البارزالمفاجئ فعلا تمثل في انه شن اعنف حملة إدانة جماعية ‏للزعماء والمسؤولين السياسيين اللبنانيين، بل أضاف اليها ما يمكن اعتباره اقسى هجوم ‏على الثنائي الشيعي الذي حمله بوضوح تبعة اسقاط مهمة اديب، وتحديدا "حزب الله " ‏ذاهبا الى سؤال الثنائي للمرة الأولى بهذا الشكل المباشر الحاد "الى اين تأخذون الشيعة ‏في لبنان؟".
طبعا لم يوفر ماكرون الرئيس سعد الحريري أيضا من انتقاداته في إدارة ‏التفاوض ولكن الدلالة الأبرز التي صعدت الى واجهة مواقف ماكرون كانت في تسليطه ‏الأضواء على واقع "حزب الله" الذي تعرض لاعنف هجمات ماكرون في وقت لم يوجه ‏الرئيس الفرنسي أي اتهام لإيران بعرقلة تشكيل الحكومة. 
واضفت مواقف ماكرون مزيدا ‏من التوهج على الوضع اللبناني الناشئ غداة اعتذار مصطفى اديب بحيث بدا لبنان منزلقا ‏بقوة نحو مرحلة بلا افق يتحكم بها الغموض بل الأفق المجهول في ظل المخاوف الكبيرة ‏من التداعيات التي سيواجهها لبنان في ظل ازمة مفتوحة قد يكون من الصعوبة الكبيرة ‏التمكن من بلورة توافق سياسي جديد على الرئيس المكلف المقبل لتشكيل الحكومة بعد ‏الانقسامات المتعاظمة التي تركتها اطاحة الثنائي الشيعي بتجربة مصطفى اديب والتسبب ‏بضربة موجعة جدا للمبادرة الفرنسية.
وإذ بادر الرئيس سعد الحريري بسرعة لافتة امس ‏الى الإعلان انه ليس مرشحا لرئاسة الحكومة الجديدة فان المعطيات الملبدة التي تراكمت ‏في فضاء المشهد المأزوم الداخلي، لا تسمح بتوقع أي خطوات ملموسة قريبة لبلورة ‏الاتجاهات المقبلة لاعادة اطلاق الاستحقاق الحكومي خصوصا ان الجميع يرصدون الان ردة ‏فعل الفريق الشيعي على الهجوم الناري غير المسبوق الذي شنه ماكرون على "حزب الله" ‏وتأثيره على الازمة المفتوحة. 
وبدا لافتا وسط هذه الأجواء ان ترد معلومات عبر "روسيا ‏اليوم" عن اتصال بين ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان توافقا خلاله ‏على ضرورة حل الازمة اللبنانية من خلال إعادة طرح اسم الرئيس سعد الحريري كنقطة ‏توافق وان ماكرون قام بتعديلات على فريقه المكلف الملف اللبناني. 
وإذ يبدو ذلك في ‏حاجة الى تدقيق لان موقف الحريري من عدم تولي رئاسة الحكومة يبدو جديا للغاية، فان ‏تعقيدات مرحلة ما بعد اعتذار اديب تبدو كأنها وضعت البلاد امام احدى اخطر المراحل نظرا ‏الى التداعيات المرتقبة ماليا واقتصاديا واجتماعيا وحتى امنيا بدليل اندلاع موجة مواجهات ‏جديدة شديدة الخطورة بين الجيش والقوى الأمنية والخلايا الإرهابية في مناطق شمالية في ‏الأيام الأخيرة. واذا كانت الأنظار تركزت امس على ترقب مواقف الرئيس الفرنسي باعتباره ‏عراب المرحلة اللبنانية منذ اطلاقه مبادرته بعد انفجار مرفأ بيروت، فان ذلك لا يحجب ‏الاصداء الدولية الأخرى البالغة السلبية أيضا حيال الطبقة السياسية التي ظهرت غداة ‏اعتذار اديب وهو الامر الذي يثبت ان المعايير التي أرساها الرئيس المكلف المعتذر، ‏ستكون محور الضغوط الدولية التي ستتصاعد بقوة في مرحلة الاعداد لاجراء الاستشارات ‏النيابية الملزمة الجديدة والمشاورات لبلورة خيار الرئيس المكلف الجديد‎.
ولفت في هذا السياق كلام للرئيس نجيب ميقاتي مساء امس عبر محطة "الجديد" تحدث ‏فيه عن احتمال تشكيل حكومة من عشرين وزيرا يكون من بينهم ستة وزراء دولة من ‏أطراف سياسيين و14 وزيرا تكنوقراط بحيث تكون تكنوسياسية ويمكن ان تتشكل ‏برئاسة الرئيس سعد الحريري‎.‎
ماكرون الغاضب
اذن اطلق الرئيس ماكرون اعنف ردوده الغاضبة في وجه الطبقة السياسية اللبنانية ولا ‏سيما منها الثنائي الشيعي في مؤتمر صحافي عقده مساء امس في الاليزيه وخصصه ‏للوضع في لبنان في اجراء استثنائي. وقد حمل بحدة على القوى السياسية والقادة ‏اللبنانيين الذين "لم يحترموا الالتزام الذي قطعوه امام فرنسا والمجتمع الدولي وقرروا خيانة ‏هذا الالتزام وقدموا مصالحهم الخاصة والفئوية على المصلحة العامة". وقال ان ‏‏"المسؤولين اللبنانيين جعلوا من المستحيل تشكيل حكومة المهمة بفعل مناوراتهم وفضلوا ‏الجهة او الطائفة التي يمثلونها". 
وحمل بحدة على "حزب الله" قائلا ان "حزب الله لا يمكنه ‏ان يكون جيشا في حالة حرب مع إسرائيل وميليشيا تقاتل في سوريا وفي الوقت نفسه حزبا ‏سياسيا محترما في لبنان وهو اظهر عكس ذلك". وإذ كرر ان أيا من القوى السياسية لم تكن ‏على مستوى الالتزامات أضاف "لكن أقول للجميع لا يمكن أحدا ان يربح على الآخرين ‏سأتصرف بناء على هذه الخيانة الجماعية وعليهم جميعا ان يدفعوا الثمن وفرنسا لن تتخلى ‏عن اللبنانيين والشعب اللبناني والمبادرة الفرنسية الوحيدة لن تسحب عن الطاولة ويجب ‏تطبيقها بأسرع وقت". واعلن انه ماض حتى نهاية تشرين الأول في عقد مؤتمر لتعبئة ‏الدعم الدولي للبنان وانه سيجمع خلال عشرين يوما كل أعضاء المجموعة الدولية. 
وفي ‏ردوده على الأسئلة انتقد ماكرون الرئيس سعد الحريري معتبرا انه "أخطأ في إضافة ‏المعيار الطائفي في هذه العملية وكانت طريقته خاطئة" ولكنه اعترف للحريري بانه قام ‏بتنازل لتسهيل تشكيل الحكومة. ثم اعلن ان "امل وحزب الله قررا بشكل واضح ان لا شيء ‏يجب ان يتغير (من خلال تمسكهما باختيار الوزراء الشيعة) وهذا شرط وضعه حزب الله الذي ‏لم يقدم أي تنازل ولم يحترم الوعد الذي قطعه امامي". وقال "ان الفشل هو فشلهم ولا ‏أتحمله انا وهذه مسؤولية كل قادة لبنان وعلى راسهم الرئيس عون.. وانا اخجل بالنيابة ‏عنهم". وسأل "امل" و"حزب الله": "هل يريدون للشيعة خيار الديموقراطية والمصلحة ‏اللبنانية ام السيناريو الأسوأ؟ وان حزب الله لا يمكنه ان يرهب الآخرين بقوة السلاح ويدعي ‏انه طرف سياسي" معتبرا انه لا دليل على ان ايران لعبت دورا في منع تشكيل الحكومة ‏اللبنانية. وقال ان ما من مسار بعد الان الا جمع الأحزاب حول خريطة الطريق وان تؤلف ‏حكومة مهمة للإصلاح في اطار المبادرة الفرنسية وحدد مهلة ستة أسابيع لتشكيل الحكومة ‏‏"والا سنضطر الى سلوك آخر".. ‎‎ ‎
واشنطن والأمم المتحدة
وبدورها أعربت وزارة الخارجية الأميركية غداة اعتذار اديب عن خيبة الولايات المتحدة من ‏الطبقة السياسية "لعدم إعطائها الأولوية للشعب اللبناني على السياسات التافهة". واعتبرت ان اختيار وتعيين حكومة جديدة هو قرار يعود للشعب اللبناني الذي نزل الى ‏الشوارع للمطالبة بالإصلاح وبحكم افضل ووضع حد للفساد.. ومع الأسف لا يزال العمل ‏يجري كالمعتاد في بيروت واي حكومة تأتي في المستقبل يجب ان تلبي التطلعات الحاجات ‏المشروعة التي عبر عنها الشعب اللبناني".. 
كما انتقد المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش السياسيين اللبنانيين "الذين ‏ضحوا بفرصة البدء بانتشال لبنان من الهاوية بمساعدة فرنسا الشجاعة وذلك من اجل ‏طموحاتهم وأجنداتهم " متسائلا "هل يفضلون حقا ان يتدمر البلد"؟. ‎
ويشار في هذا السياق الى ان تحركات احتجاجية جديدة عادت امس الى الشارع وبرزت من ‏خلال محاولات متظاهرين اقفال أوتوستراد جل الديب بيروت مساء حيث تدخل الجيش ‏وحال دون اقفال الطريق .كما حصلت محاولات مماثلة في صيدا‎.‎
‎ ‎المواجهات شمالاً
وسط هذه الأجواء احتدمت على نحو خطير ومثير للتساؤلات المريبة المواجهات بين الجيش ‏وقوى الامن الداخلي وخلايا إرهابية تعتبر امتدادا للخلية الاساسية التي قامت بجريمتي ‏كفتون والبداوي. واتخذت المواجهات بعدا عنيفا جدا في اليومين الأخيرين اذ توزعت بين ‏وادي خالد حيث نجحت قوى الامن الداخلي بمساندة الجيش في القضاء على مجموعة ‏إرهابية من تسعة مسلحين في عملية استمرت حتى فجر الاحد. كما طارد الجيش في ‏المنية مجموعة إرهابية حاولت مهاجمة ثكنة عرمان وتفجير حزام ناسف فيها فقتل الجيش ‏إرهابيا واستشهد جنديان وجرت عملية مطاردة للآخرين في المنطقة".
 
النهار 28 أيلول 2020 ‎

إرسال تعليق

 
Top