0

ا‎لمشهد المحزن والمخزي في آن واحد، صباح السبت الفائت، بعد اجتياح بيروت ليل الجمعة، ‏يستحضر الأغنية التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري وفيها "بيروت عم تبكي، مكسور ‏خاطرها، الحجار عم تحكي، وينو اللي عمّرها". وإذا كانت مسرحية الشغب المفتعل، قد ‏ولدت ردات فعل، وأنتجت ردوداً أعادت إحياء الصراع المذهبي، فإن الثنائي الشيعي اعترف ‏ضمناً بمسؤوليته عن مواكب الدراجين الذين حطموا وكسّروا وأحرقوا ما تيسّر لهم في ‏وسط بيروت ليل الجمعة - السبت، إذ اتخذت حركة "أمل" و"حزب الله" إجراءات في الخندق ‏الغميق وسليم سلام ومناطق أخرى تقضي بمنع خروج تظاهرات وخصوصاً للدراجات ‏النارية وذلك منعاً لأي احتكاك مع آخرين، وأقيمت حواجز حزبية في تلك المناطق، ترافقت ‏مع دوريات مؤللة للجيش ونقاط ثابتة في وسط بيروت، وأوامر مشدّدة بمنع أي اعتداء ‏على الأملاك العامة والخاصة‎.‎
وستكون الدولة بكل مؤسساتها وأجهزتها أمام التحدي الكبير في فرض هيبتها الأمنية أولاً، ‏خصوصاً بعد غياب مشبوه عن أعمال التخريب ليل الجمعة. أما التحدي الأكبر فهو في ‏الهيبة القضائية، بعدما وجهت وزيرة العدل ماري - كلود نجم إلى النائب العام لدى محكمة ‏التمييز ‏كتاباً طلبت فيه إجراء التعقبات بحق الأشخاص الذين ظهروا في وسائل الإعلام ‏المرئية وعبر ‏التواصل الاجتماعي وهم يحطمون الأملاك العامة والخاصة ويشعلون ‏النار ‏في وسط العاصمة ‏بيروت مساء 12‏/6‏/2020 ما يشكّل جريمة جزائية يعاقب عليها ‏القانون.‏ لكن العبرة تبقى في التنفيذ، خصوصاً أن الأجهزة الأمنية والقضائية تستمر في ‏ملاحقة المتظاهرين وكل المتطاولين كلامياً على المسؤولين منذ مدة، قبل حصول أعمال ‏الارهاب على أيدي مخربين ظهرت وجوههم بشكل واضح في الاعلام. وقد دعا الرئيس ‏ميشال عون المجلس الأعلى للدفاع الى اجتماع طارئ ظهر اليوم لمناقشة التطورات ‏الأخيرة، والمستمرة بشكل أو بآخر، والمرشحة للتصعيد في ظل الضائقة المعيشية ‏المتفاقمة‎.‎
وكان الرئيس سعد الحريري حمّل الحكومة و"رعاة الدراجات النارية" المسؤولية محذراً من ‏اللجوء الى الأمن الذاتي، وكتب في تغريدة: "الذين نظمّوا ونفّذوا هجمات التكسير ‏والتخريب والحرق في بيروت لا يملكون ذرة من أهداف الثورة وقيمها. مجموعات مضلّلة ‏تنجرف وراء مخطط ملعون يسعى الى الفتنة ولمزيد من الانهيار… ولأهل الحكم والحكومة ‏ورعاة الدراجات النارية نقول: بيروت ليست مكس
ر عصا لأحد … لا تجبّروا الناس على حماية ‏أملاكهم وأرزاقهم بأنفسهم. المسؤولية عندكم من أعلى الهرم الى أدناه ونحن لن نقف ‏متفرجين على تخريب العاصمة"..
لكن أعمال التخريب، التي أوقعت خسائر فادحة في الأملاك، والتي تدفع حتما الى إقفال ‏محال وهجر العاصمة حيث تتكرر الحوادث وتكبر الخسائر، انما تنتج خسائر سياسية تتجاوز ‏الماديات، وتضعف موقف لبنان في ظل تفاوضه مع صندوق النقد الدولي، ووضعه تحت ‏المراقبة الدولية، وامتناع دول ومؤسسات عن مساعدته قبل إلتزامه اصلاحات بنيوية، يعتبر ‏الاستقرار الأمني أحد دعائمها‎.‎
في المقابل، ولإشاحة النظر عن "الحرب على بيروت"، ركّزت قناة "المنار" على طرابلس ‏التي تشهد أيضاً تفلتاً أمنياً أدى الى مواجهات مع الجيش وقع بنتيجتها نحو 90 جريحاً، ‏وأوردت المحطة في مقدمة نشرتها "ليلةٌ حالكةٌ مرّت على طرابلس، لم تكن أقلَّ ظلمةً من ‏تلك الغرفِ السوداءِ التي تحدثَ عنها رئيسُ الحكومةِ حسان دياب بأوامرِها التي تريدُ بالبلدِ ‏شراً مستطيراً. تحوّلت عاصمةُ الشمالِ الى ساحةِ مواجهاتٍ سقطَ فيها نحوُ تسعينَ جريحاً ‏بينهم عسكريون. تبرّأت المدينةُ نهاراً من أعمالِ تخريبٍ ومن مندسينَ لا يُشبهونَها. فمن أرادَ ‏لمشهدِ وسَطِ بيروتَ أن يتكررَ في طرابلس؟ من الذي يدفعُ بخفافيشِ الليلِ لاحتلالِ صدارةِ ‏تظاهراتٍ مشروعةٍ وأسرِ مطالبَ محقةٍ لأناسٍ يعترضونَ على فتكِ الدولارِ بالعملةِ ‏الوطنية؟"..

ومن المقرّر أن يطل الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله مساءً غد الثلثاء، أي ‏عشية بدء تطبيق "قانون قيصر" الأميركي في 17 حزيران الجاري، وهو القانون الذي، في ‏رأي محلل سوري، "سيُحمّل الحكومة اللبنانية، كون "حزب الله" هو من يُمثلها ويديرها، ‏مسؤولية كبيرة في إنعاش النظام السوري. وأن تأثيره على لبنان سيكون أشد فتكاً منه ‏على سورياً. وسيتناول نصر الله بالتأكيد التطورات الميدانية الأخيرة في بيروت وغيرها من ‏المناطق‎.‎
على صعيد آخر، يعقد اليوم في عين التينة لقاء مصالحة بين رئيس الحزب التقدمي ‏الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان بمسعى ‏من الرئيس نبيه بري. وسيلتقي الرجلان الى مائدة العشاء لكسر الجليد وإزالة كل الشوائب ‏التي تعتري العلاقة بين الطرفين، وتعزيز الاستقرار في الجبل، والحفاظ على وحدة الطائفة ‏الدرزية، وعدم جرها الى توترات داخلية وصدامات، كما حصل في حادثتي الشويفات ‏وقبرشمون‎.‎
وفي هذا السياق، عقد السبت لقاء في دارة ارسلان، تحضيراً للقاء المصالحة، ضمّ الشيخ ‏نصرالدين الغريب، ووزير الشؤون الإجتماعية والسياحة رمزي المشرفية، ورئيس حزب ‏التوحيد العربي الوزير السابق وئام وهاب، والوزير السابق مروان خير الدين، والوزير ‏السابق صالح الغريب، أثنى خلاله المجتمعون في بيان، على الخطوة التي قام بها الرئي
س ‏بري ودعوته للقاء عين التينة مؤكدين ضرورة السعي لتنظيم الخلاف الدرزي بصورة شاملة ‏وكاملة وغير مجزّأة‎.‎
أمنياً، بعد توافر معلومات لمديرية المخابرات في الجيش اللبناني عن خطف عصابة مسلحة ‏عدداً من الأشخاص رهائن مقابل فدية مالية في بلدة بريتال، دهمت قوة خاصة من ‏المديرية مكانين مختلفين في البلدة حيث تمكنت من تحرير 23 شخصاً بينهم نساء
وأطفال ‏من الجنسية السورية مضى على إختطافهم 15 يوماً وهم في حال صحية جيدة‎.‎
وخلال عملية الدهم، تعرضت الدورية لإطلاق نار، وقد أصيب أحد الخاطفين من الجنسية ‏السورية والملقب "الشقور" وأوقف الآخر ح.ب. وهو لبناني الجنسية. أدخل السوري ‏المستشفى للمعالجة وما لبث أن فارق الحياة. وبوشر التحقيق مع الموقوف اللبناني في ‏إشراف القضاء المختص‎.

النهار - 15 حزيران 2020

إرسال تعليق

 
Top