0
كل الدروب أمام الحكومة باتت تؤدي إلى صندوق النقد الدولي، وكل كلام خارج هذا ‏المفهوم أضحى كلاماً فارغاً من أي مضمون يجافي الحقائق ويتنكّر للوقائع.. لم تعد كل ‏أرانب السلطة تجدي نفعاً بعدما بلغ حبل التحايل واللف والدوران مداه الأقصى، ليصل ‏بحكومة 8 آذار إلى نقطة اللاعودة حيث وجدت نفسها أمام حائط مسدود، لا منفذ منه سوى ‏نافذة أمل وحيدة مقفلة بأغلال وأصفاد لا يملك مفاتيحها إلا صندوق النقد. فالانهيار وقع، ‏ولبنان أصبح معلقاً بحبال الهواء تتقاذفه رياح السقوط المدوي نحو الهاوية، فإما يُترك ‏يصارع الموت ليلقى مصيره المحتوم إن هو بقي مكابراً مستكبراً يحارب طواحين الهواء، ‏تحت كليشيهات التفليسة الممجوجة من قبيل "العهد القوي" و"الإنجازات التاريخية"، أو ‏يسارع إلى سحب زناد مظلة صندوق النقد لتأمين هبوط آمن على أرضية الأزمة، بعيداً من ‏الارتطام بحقول ألغام محور "الممانعة" وصواعق مصالحه "المشرقية"، التي تتهدد ‏اللبنانيين بتفجير ركائز مقومات نظامهم الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي‎.‎
خلاصة الأمر حسبما تلخصها مصادر ديبلوماسية غربية لـ"نداء الوطن" أنّ كل مشاريع ‏الدعم الدولي والعربي من "سيدر" وغير "سيدر" لم تعد في متناول الخزينة اللبنانية، وكل ‏وعود المانحين ستطير في الهواء ما لم تحظَ الحكومة بمظلة صندوق النقد، هذا ما أكده ‏الناظم الفرنسي لـ"سيدر" في اجتماع السراي أمس الأول، وهذا ما يردده من خلفه كل ‏المسؤولين في عواصم دول القرار، لافتةً في الوقت نفسه إلى أنه "حتى طريق الصندوق ‏نفسها لن تكون معبّدة ما لم تمر حكماً بإقفال المعابر غير الشرعية مع سوريا".. ‎ ‎
وفي هذا السياق، تكشف المصادر نقلاً عن دوائر مطلعة في واشنطن أنّ الإدارة الأميركية ‏تواكب عن كثب مسار التفاوض الجاري بين صندوق النقد والحكومة اللبنانية، وهي تضع ‏‏"خطين أحمرين" تحت عبارة إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب عبر الحدود مع ‏سوريا، مشيرةً في هذا الإطار إلى أنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب لن تتساهل إزاء محاولات ‏مدّ النظام السوري بأي نوع من أنواع الدعم عبر لبنان، فضلاً عن كون المجتمع الدولي يرى ‏في ضبط المعابر أحد أهم ركائز الإصلاح المطلوب من جانب الحكومة اللبنانية، إلى جانب ‏التشدد في وجوب إقرار سلة إصلاحات بنيوية جذرية تطال استقلالية القضاء وملف الطاقة ‏وتحديداً قطاع الكهرباء ووقف الهدر والفساد‎.‎
‎ وتنقل المصادر تأكيدات جازمة بأنّ واشنطن لن تمنح "الضوء الأخضر" لمساعدة لبنان عبر ‏صندوق النقد، طالما أنها لم تتيقّن من أنّ ذلك لن يصب في خانة الالتفاف على العقوبات ‏التي تفرضها على "حزب الله" وإيران، وهنا تبرز المعابر غير الشرعية لتشكل نقطة محورية ‏في هذا المجال لكونها تخضع للمعادلة نفسها، التي تنطلق منها سياسة العقوبات الأميركية ‏الهادفة إلى تطويق نفوذ الحزب وإيران والنظام السوري مالياً واقتصادياً، لافتةً الانتباه إلى ‏أنه في هذا السياق أتى مشروع قانون السيناتور الجمهوري تيد كروز، الذي يمنع الإدارة ‏الاميركية من مد يد العون إلى أي حكومة لبنانية خاضعة لسيطرة "حزب الله" أو تأثيره‎.‎
‎ وأمام هذا الواقع وهذا السقف العالي من الشروط التي تفرضها آلية الاستعانة بصندوق ‏النقد الدولي، تقف حكومة حسان دياب اليوم لتحتفل بمئة يوم من التخبط والتردد والضياع ‏في توجهاتها إزاء سبل معالجة الأزمة، حتى أنّ خطتها المالية والاقتصادية خضعت للتشريح ‏على طاولة صندوق النقد من زاوية كونها لا تعبر عن وجهة نظر وطنية موحدة، بل هي ‏مجرد واحدة من عدة أوراق وأرقام مطروحة في المفاوضات، سيما وأنّ القيمين على ‏الصندوق لاحظوا وجود جملة تصورات ومسودات لبنانية متناقضة في ما بينها، وفق ما ‏أفادت أوساط مواكبة لعملية التفاوض بين الحكومة وصندوق النقد، كاشفةً لـ"نداء الوطن" ‏أنّ الوفد المفاوض من جانب الصندوق الدولي ينتظر بلورة اقتراحات يُعدّها خبراء ‏اقتصاديون مستقلون من خارج الحكومة، كما يترقب تسلّم تصور القطاع المصرفي ‏اللبناني. وعُلم في هذا السياق أنّ جمعية المصارف كلفت شركة فرنسية‎ (GSA) ‎  إعداد ‏وتقديم خطة المصارف ورؤيتها الانقاذية والتي بطبيعة الحال ستكون متناقضة في بنود ‏أساسية لها مع ورقة الحكومة‎.‎
‎ وعلى المقلب السياسي من عمل الحكومة، وفي سياق مؤكد لما كانت قد أشارت إليه ‏مصادر مطلعة على موقف رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل لـ"نداء الوطن"، غداة ‏إسقاط أولوية معمل سلعاتا بالتصويت في مجلس الوزراء، من أنه لن يتراجع عن إصراره ‏على ربط إنشاء المعامل في الزهراني ودير عمار بالمضي قدماً وبشكل متزامن في بناء ‏معمل سلعاتا لإنتاج الطاقة، برزت أمس إعادة فرض باسيل توجهه هذا على رئيس الحكومة ‏عبر إعراب وزير الطاقة ريمون غجر عن تصميم وزارته على تزامن الإنشاءات بين معملي ‏الزهراني وسلعاتا. 
وبحسب المعطيات المتوافرة لـ"نداء الوطن" فإنّ هذا الموضوع أثار ‏حفيظة دياب، سيما وأنه تلمس من ورائه انقلاباً على قرار مجلس الوزراء من جانب باسيل ‏بغطاء من رئيس الجمهورية ميشال عون، مهدداً بأنّ مصير الحكومة سيكون على المحك ‏في حال إعادة طرح موضوع تم بتّه في جلسة السراي برئاسته الأسبوع الفائت على طاولة ‏مجلس الوزراء في بعبدا، فتولى "حزب الله" الدخول على خط التهدئة منعاً لانفجار أرضية ‏الحكومة وتقرر سحب فتيل الملف من التداول في جلسة الأمس.‎

نداء الوطن - 20-5-2020

إرسال تعليق

 
Top