0
إذا كانت "الواجهة" الاعلامية للمشهد الداخلي تركزت على انضمام استغربه كثيرون لانصار "التيار الوطني الحر"، أي تيار العهد العوني الى المتظاهرين حصراً أمام مصرف لبنان احتجاجاً على سياساته المالية، والاشكال الذي كاد ان يتحول صداما بينهم وبين انصار للحزب التقدمي الاشتراكي، فان ذلك لا يعني صرف الانظار عن الحدث الجدي الذي تمثل في انطلاق الخطوات الحكومية الجدية التمهيدية للتفاوض حول اعادة هيكلة الدين العام انطلاقاً من تأجيل سداد سندات "الاوروبوند" في استحقاق 9 آذار المقبل. 
ويمكن القول إن الايام القريبة ستشهد ترجمة لقرار اتخذ ضمناً ولم يعلن رسمياُ بعد في اتجاه بلورة خطة مالية متكاملة انطلاقاً من ملف التفاوض على استحقاق "الاوروبوند" واعادة هيكلة الديون، علما ان الجولة الاولى من المحادثات التي اجرتها بعثة صندوق النقد الدولي مع رئيس الوزراء حسان دياب وفريقه الوزاري ومع وزير المال غازي وزني وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة تعتبر أولية واستطلاعية قبل ان تتبلور وسيلة المساعدة التقنية التي سيقدمها الصندوق للحكومة بناء على طلبها.
وبعد الاجتماع مع البعثة في السرايا أوضح الوزير وزني أن "هذا الاجتماع خُصّص للتعارف"، مشيراً إلى أن "لبنان أعدّ خطة لمواجهة الأزمة وكيفية الخروج منها"، وأن "صندوق النقد يعطي وجهة نظره في ظل الظروف الحالية وما يحتاج اليه لبنان من إجراءات إصلاحية واقتصادية ومالية، ومكمن الصعوبات والسبل الآيلة إلى الحلول". وأكد وزني أن وفد الصندوق سيتابع عمله حتى الانتهاء من التعاون مع لبنان لإعداد الخطة، قائلاً "إننا في مرحلة المشورة التقنية حصراً".
وشرح وزير المال للجنة المال النيابية في الجلسة التي عقدتها مساء الاجراءات التي تقوم بها الحكومة حول استحقاقات لبنان المالية، والتفاوض الذي يتم التحضير له من خلال استدراج عروض للمستشارين تمهيداً للتفاوض الرسمي.
ونقلت "رويترز" أمس عن مصدر مطلع إن لبنان سيفحص اليوم الجمعة مقترحات الشركات المتقدمة بعروض للاضطلاع بدور المستشار المالي والقانوني في ما يتعلق بخياراته. وقال المصدر أن الحكومة اللبنانية تريد ان تبت سريعاً من ستقرر تعيينه للمهمة.
وقالت وزارة المال في بيان إنها أصدرت طلبات لاثنتي عشرة شركة للقيام بدور المستشار المالي من أجل عملية إعادة هيكلة محتملة للديون.
وأعلن المصدر أن الشركات المنافسة حتى الآن على دور المستشار القانوني للبنان هي ديتشرت وكليري غوتليب ووايت اند كيس.
في غضون ذلك، استرعى الانتباه موقف لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون في جلسة مجلس الوزراء أمس عن الاموال المهدورة، اذ كشف ان "مجموع المبالغ المهدورة والتي لا أدلّة ثبوتية عليها بلغ مبلغاً كبيراً، منها سلفات خزينة من غير المعروف كيف صُرفت ومبالغ اخرى وردت هبات للهيئة العليا للإغاثة".
وقال إن الموازنة سوف تصدر بعد انتهاء المهلة الدستورية، استناداً الى المادتين 56 و57 من الدستور، بعدما كان رفض توقيعها لعدم تضمنها قطع الحساب.
وعن الاوضاع المصرفية، ابرز الرئيس عون "المتابعة المستمرة التي قام بها خلال الايام الماضية"، وقال: "ثمة إجراءات سوف نتخذها ليتحمل كل فرد مسؤولياته في ما حصل، وخصوصاً عمليات تحويل المبالغ بصورة غير قانونية والتي زادت حدة الازمة، وما لاحظناه حتى الآن أن ثمة مخالفات جسيمة وستتحمّل كل جهة مسؤولياتها في هذا المجال".
اما الرئيس دياب فقال: "اننا بدأنا اليوم الخطوة الاولى في اتجاه معالجة تراكمات 30 سنة من السياسات الخاطئة التي أوصلت البلد الى الانهيار الحاصل اليوم".
وأضاف: نعيش اليوم حال طوارئ حقيقية على المستويين المالي والاقتصادي، ومن الطبيعي ان نسمع صرخة الناس الذين يدفعون ثمن هذا الوضع. في كل الاحوال، أطلع معالي وزير المال على تعميم حاكم مصرف لبنان لتنظيم العلاقة بين المصارف والزبائن، وستعد وزارة المال مشروع قانون معجّلاً لدراسته في مجلس الوزراء وإحالته على مجلس النواب".
توتر في الحمراء
وسط هذه الاجواء، سجل توتر كبير خلال الاعتصام الذي نفذه انصار "التيار الوطني الحر" مساء أمس أمام مبنى مصرف لبنان في شارع الحمراء بين المتظاهرين الذين تجمعوا من مناطق عدة ونقلتهم باصات من نقاط تجمعهم الى هناك ومحازبين وانصار للحزب التقدمي الاشتراكي بدوا مستنفرين بعدما سرت دعوات عبر "الواتس أب" للاعتصام أمام دارة رئيس الحزب وليد جنبلاط في كليمنصو. وحصلت مناوشات واحتكاكات بين انصار الفريقين، الامر الذي دفع الجيش الى الفصل بينهم والحؤول دون تطور الامور نحو الاسوأ، علما ان "التيار الوطني الحر" تحدث عن اصابة اثنين من انصاره خلال الاعتصام بجروح جراء تعرضهما لطعن بالسكاكين ونقلا الى المستشفى للمعالجة. وعلى اثر الاحتكاك أوفد جنبلاط النائب وائل ابو فاعور الى مكان التجمعات، داعياً انصار الاشتراكي الى التوجه معه الى دارة جنبلاط.
وقال جنبلاط لمناصريه داخل باحة دارته في كليمنصو: "أنا هنا موجود في بيتي بحماية الجيش وقوى الأمن، فلا نريد حماسة أكثر من اللزوم، فلينظموا التظاهرة التي يريدون، فهم يخربون ونحن نبني. وإني أعتذر إذا حصل خطأ من قبلنا باتجاه الجيش أو قوى الأمن أو الإعلام، وليعد جميع المناصرين إلى منازلهم".
وصرح لاحقاً: "سهل الهجوم على المصارف وغير المصارف ولكن من دون اصلاح لن نخرج من الازمة". وقال: "جرى استفزاز واستفزاز مضاد وليس هناك أي خطر عليّ ولا ضرورة لكل هذا الجمهور والحماس وعلينا ان نستمر جميعاً مع الحراك المسؤول لمحاولة انقاذ الدولة والاقتصاد والقيام بالاصلاح الضروري".
ولاحقا تلقى جنبلاط اتصالاً من الرئيس سعد الحريري عبّر فيه عن "تضامنه ورفضه لما حصل من استفزازات لمناصري التقدمي". وكان الحريري يرافقه الوزير السابق غطاس خوري وصلا الى أبو ظبي أمس ومن المقرر ان تستمر زيارته يومين يلتقي خلالها مسؤولين اماراتيين.
واصدر "التيار الوطني الحر" ليلاً بياناً اعتبر فيها أنه "أوصل في تحركه أمام مصرف لبنان رسالة سياسية وشعبية واضحة حول وجوب استرداد الاموال المهربة الى الخارج، وما انفعال البعض غير المبرر واستخدامه لغة العنف الا الدليل على انه أوجع أصحاب الملايين المهربة الى الخارج". واضاف ان "قطع الطرق على الباصات والناس وضرب السكاكين والحجارة هي اساليب الميليشيات"، مشيرا الى وقوع عدد من الجرحى بين مناصري التيار.

النهار - 21-2-2020

إرسال تعليق

 
Top