0
لم يكن ينقص لبنان غير فيروس "كورونا". أزمة تثير الذعر تضاف إلى مشكلات البلد وتطرح الكثير من الأسئلة. فبعد الشائعات، قطع الشك باليقين بعد تأكيد الاصابة الأولى بالفيروس لشابة آتية من إيران. لم يعد هناك أي سبب للتعتيم، إذ أعلن وزير الصحة العامة حمد حسن خلال مؤتمر صحافي أمس تسجيل الاصابة الأولى في لبنان والاشتباه بحالتين. وهو ما أربك اللبنانيين الذين تهافتوا على الصيدليات لشراء الأقنعة الواقية التي فقدت أيضاً في ظل الامكانات المحدودة في البلد لمواجهة الفيروس سواء اللوجستية (كتوافر مستشفيات خاصة للتعامل مع حالات الاصابة بالفيروس) أو الطبية (المختبرات واجراء الفحوص).
والحالتان المشتبه فيهما لا علاقة لهما بالطائرة الإيرانية وهو ما قد يزيد الهلع. لكن يكفي التفكير في عدد الركاب (125 راكباً) الذين كانوا على متن الطائرة الايرانية وذهبوا الى منازلهم وسلموا على أقاربهم وأصدقائهم، والفرضيات التي ترافق هذا التصور، حتى نستوعب المعاناة التي يعيشها اللبناني في هذه اللحظات. وكشف مسؤول المكتب الصحي في مطار بيروت الدولي الدكتور حسن ملاح لـ"النهار"، أن "الحالتين المشتبه فيهما ليستا جديدتين ولا علاقة لهما بالطائرة الايرانية، ونحن في انتظار صدور النتائج المخبرية لتأكيد صحة اصابتهما من عدمها. كذلك سيتم استدعاء 125 راكباً كانوا على متن الطائرة الإيرانية للتأكد من وجود أي اصابات أخرى بعد تسجيل اول اصابة في لبنان، والوزارة تتصل بهم تباعاً لإجراء الفحص".

لكن السؤال الجوهري هو: لماذا لم يتم الحجر الصحي مباشرة على ركاب الطائرة قبل خروجهم من المطار وقبل اختلاطهم بالركاب الآخرين وقبل وصولهم إلى منازلهم وعائلاتهم؟ والسؤال الاخر الذي لا يقل اهمية والذي اثار الاستغراب هو لماذا تخلفت السلطات اللبنانية عن قرار تعليق الرحلات الجوية الى ايران التي تعترف بنفسها رسميا بان فيروس "كورونا" تفشى في معظم مدنها وبعدما بادرت معظم الدول المحيطة بايران وحتى البعيدة منها أيضاً الى الغاء الرحلات الجوية اليها؟ ولعل هذه الفضيحة المتصلة بترك الرحلات الجوية بين لبنان وايران بدت الاشد وطأة على الحكومة والسلطات المعنية حين اعترف وزير الصحة مساء أمس بأن هذا القرار تتخذه الحكومة وله اعتبارات سياسية!

التصنيفات السلبية تسابق مجدداً مفاوضات لبنان المالية
بدا بديهياً أن يتقدم "ذعر كورونا" أمس قائمة المخاوف التي تجثم على صدور اللبنانيين بعد كشف ملابسات الاصابة الاولى التي سجلت في لبنان. ومع ذلك فان هذا التطور الصحي المقلق لم يبدد تماماً أجواء الترقب والغموض والقلق حيال تطورات الازمة المالية والاقتصادية، خصوصاً وسط الحذر المواكب لوجود بعثة صندوق النقد الدولي في بيروت واللقاءات التي تعقدها مع المسؤولين الرسميين والماليين المعنيين بملفات الازمة. واذ تدخل مهمة البعثة يومها الثالث في لبنان من دون اتضاح نتائج اللقاءات والمحادثات التي أجرتها مع المسؤولين، تبين من المعطيات التي توافرت عن هذه اللقاءات انها لم تتوصل بعد الى نتائج حاسمة وواضحة في شأن الملف الذي يجري البحث فيه على نحو اساسي وهو ملف "الاوروبوند" والذي يطلب لبنان من الصندوق مشورته الفنية في شأنه.

ولعل العامل السلبي الذي سابق انجاز مهمة البعثة وتبين نتائجها تمثل في احتدام السباق مجدداً بين محاولات احتواء سقوف الانهيار المالي والاقتصادي وفرملتها والتقارير التي تطلقها تباعا وكالات التصنيف الدولية والتي تزداد في ظلها اجواء تقهقر الثقة بالواقع المالي للبنان مع التراجعات المنهجية المتواصلة التي تسجلها التقارير. وكان آخر فصول هذا السباق المحموم تمثل في اعلان وكالة "موديز" أمس تخفيض تصنيف حكومة لبنان من CAA2 الى CA وخفض النظرة المستقبلية إلى مستقرة. وعزت القرار إلى "توقعات أن يتكبد الدائنون من القطاع الخاص خسائر كبيرة على الأرجح في ظل أي إعادة هيكلة للدين الحكومي".

وقالت إن "تفاقم الانكماش الاقتصادي والمالي بما يقوض استدامة ربط الليرة اللبنانية ينبئ بإعادة هيكلة الدين الحكومي في المدى القريب".

وأضافت ان "الانكماش العميق للاقتصاد اللبناني من المرجح أن يستمر "توقعات لبنان تتماشى مع آفاق توافر تمويل خارجي بدعم من مشاركة صندوق النقد الدولي التي يقوضها السجل الضعيف لبيروت على صعيد تطبيق السياسات".

واجتمع وزير المال غازي وزني أمس مع وفد صندوق النقد الدولي، وأفاد مكتب الوزير ان البحث تناول ما يمكن أن يقدمه الصندوق من مشورة تقنية لمساعدة لبنان في بناء خطته الإنقاذية. وتمّ تداول كل المعطيات المتوافرة والخيارات الممكنة بناء على رؤية الوفد وتقييمه لواقع الحال في البلاد، على أن يستكمل البحث لبناء تصور لكيفية تجاوز الوضع الحالي.

حذر
وفيما وصفت اجواء لقاء وزني مع الوفد بانها كانت ايجابية، لم تظهر الاوساط الرسمية اللبنانية بعد اي مؤشرات توحي بنتائج محددة للمحادثات المستمرة، بل ان بعض الجهات المعنية بدت حذرة بالاشارة الى عدم التوصل الى خريطة تحليل مشتركة بين الجانب اللبناني والبعثة، لكن هذه الجهات شددت على انه أمام التحديات الكبيرة التي تواجه السلطة، تعمل الخلية المعنية بمتابعة ملف "الاوروبوند" كخلية نحل وتملك البرنامج المناسب وان الاتفاق قائم بين رئاسات الجمهورية ومجلس النواب والحكومة وصولاً الى "حزب الله" بغية التوصل الى الخيارات الافضل للبنان ومصلحته المالية وان هذا التوافق سيساعد في ايجاد اللغة المشتركة بين الحكومة وبعثة صندوق النقد الدولي في ما يطلبه لبنان منه.

وفيما كان ينتظر ان تفض العروض في رئاسة الوزراء أمس لارساء المناقصة على شركة استشارية مختصة بملف التفاوض لاعادة هيكلة الدين، افادت معلومات ان المناقصة لم تحصل وارجئت بسبب اشكال يتعلق بتأخر شركات في تقديم العروض بعدما كان القرار اتخذ بحصر المناقصة بعدد محدود منها. وسجلت في هذا السياق تغريدة للنائب ميشال ضاهر أمس قال فيها :" سيتم فض العروض المقدمة من المستشارين الماليين اليوم (أمس) في مجلس الوزراء لاعادة هيكلة الدين العام. وهناك اصرار من أحد النافذين الماليين للعمل على فوز شركة (…) والذي طلب منها التقدم باقل سعر للفوز وهذا ما يثير الشكوك بالعلاقة التي تربطهم فهل نشهد على هذه الفضيحة اليوم ؟".

وفي السياق المالي والاقتصادي، أبلغ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان يان كوبيتش ان "معالجة الاوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد ستكون من أولويات الحكومة بعد نيلها ثقة مجلس النواب خصوصاً انّ الحكومة التي تشكّل فريق عمل واحداً متضامناً عازمة على تحقيق ما هو مطلوب منها في هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان". وشدد على "ان إحدى إهم المعارك التي ستخوضها الحكومة هي معركة مكافحة الفساد" لافتا الى ان ذلك سيتزامن مع تشكيلات في المؤسسات والاجهزة المعنية التي تساهم في تحقيق الاصلاح المنشود. وأكد عون ان "المعالجات قائمة للاوضاع المالية والاقتصادية الراهنة بالتعاون مع وفد صندوق النقد الدولي لاتخاذ القرارات المناسبة"، مشيراً الى ان "الاجراءات التي ستتخذ تهدف الى حماية الواقع النقدي في البلاد وحفظ حقوق المواطنين ومصالحهم". واعرب عن امله في ان يكون موضوع النازحين السوريين في لبنان من النقاط التي سترد في التقرير الفصلي عن تطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 1701 في الجلسة المقبلة لمجلس الامن في بداية شهر آذار، مؤكدا ايضا ان الاستقرار في الجنوب مستمر على رغم التطورات التي حصلت أخيراً في سوريا والعراق. وأكد كوبيتش "دعم الامم المتحدة للاصلاحات التي تنوي اتخاذها الحكومة". وأشار الى انه سيقدم تقريرا الى مجلس الأمن عن واقع القرار 1701، كما سيقوم بزيارات لعدد من الدول المعنية بالوضع اللبناني.

النهار - 22-2-2020

إرسال تعليق

 
Top