0
لم يكن الارجاء الثاني للاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة من البارحة الى الخميس التطور ‏السلبي الاساسي الذي سجّل أمس، على خطورة النمط الجاري تارة في استئخار الاستشارات وطورا في ارجائها ولكن ‏ما اعقبه من تداعيات سياسية متسارعة شكل الحدث الاكثر اثارة للرصد في المسار المازوم للاستحقاق الحكومي كما ‏لمجمل المشهد السياسي في البلاد‎.‎
‎ ذلك ان ما جرى أمس، بدءاً من "اعلان الفجر" لكتلة "القوات اللبنانية" بانها لن تسمي مرشحاً للتكليف بعدما كان ‏الجميع في اجواء ترقب تأييد "القوات" تسمية حليفها رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري لهذه المهمة ‏المتجددة، مروراً بارجاء الاستشارات بناء على طلب الحريري من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وذلك قبيل ‏موعد بدء هذه الاستشارات، وصولاً الى اندلاع السجالات الاشد حدة بين قصر بعبدا و"بيت الوسط" و"تيار ‏المستقبل"، كل هذا يمكن ادراجه ضمن اطار الانهيارالسياسي الاكبر والاشد وطأة على المشهد المأزوم منذ انطلاق ‏انتفاضة 17 تشرين الاول. ويكتسب هذا التطور ابعاده ودلالاته المؤثرة من خلال انفجار حقيقي للعلاقات التي قامت ‏بين الرئيسين عون والحريري منذ انتخاب رئيس الجمهورية بدفع وتأييد من رئيس الوزراء. كما ان تداعيات الانهيار ‏العوني - الحريري تزامنت واقترنت بانهيار مماثل ولو أقل حدة بين الحريري و"القوات اللبنانية "، مع ان رئيس ‏حزب "القوات" سمير جعجع ظل متحفظا عن تصعيد التوتر مع حليفه "السابق". 
والواقع ان "القوات" التي استمر اجتماع كتلتها النيابية ليل الاحد الماضي حتى الثانية فجر الاثنين واطلقت موقفها ‏الممتنع عن تسمية الحريري أو أي مرشح سواه لرئاسة الوزراء، باغتت "بيت الوسط" الذي كان موفده الوزير السابق ‏الدكتور غطاس خوري الى معراب السبت الماضي لمس موقفاً مغايراً من تسمية الحريري، ربطه جعجع بتركيبة ‏الحكومة التي تمسك بان تكون حكومة اختصاصيين مستقلين. ويبدو ان جعجع الذي أبلغ موفد الحريري ان "تكتل ‏الجمهورية القوية" سيناقش الموقف من كل جوانبه، عاد وتحدث مع الرئيس الحريري هاتفياً خلال وجود خوري في ‏معراب. لكن الحريري فوجئ امس بموقف "القوات"، كما بدا ان معطيات جدية أشارت الى اتجاه نواب "تكتل لبنان ‏القوي" العوني لاستعادة تجربة "التفويض" التي حصلت في مستهل عهد الرئيس السابق اميل لحود بحيث يفوض ‏النواب اصواتهم في الاستشارات الى رئيس لجمهورية ليوظفها في الاتجاه السياسي والشخصي الذي يرغب فيه خلافا ‏للاصول الدستورية. وثمة نقطة ثالثة اضيفت الى ثلاثي العوامل والمسببات المتفجرة التي اشعلت السجالات العلنية ‏العنيفة بين ثلاثة افرقاء أساسيين جمعتهم تسوية انتخاب الرئيس عون وهي مسألة ميثاقية التكليف. ذلك ان موقف ‏‏"القوات" بالامتناع عن تسمية الحريري كما سواه وموقف "التيار الوطني الحر" الرافض لعودة الحريري على رأس ‏الحكومة العتيدة سيفقدان الحريري التغطية المسيحية لأكبر كتلتين وحزبين مسيحيين‎.‎
‎ وسارعت دوائر القصر الجمهوري في ضوء ذلك الى التطوع لتعميم معطيات تفيد ان الحريري كان سيحصل على 18 ‏صوتاً مسيحياً لنفي ذريعة الميثاقية. لكن ردود الحريري و"تيار المستقبل" سرعان ما أظهرت عمق الازمة الناشبة بين ‏عون والحريري بما يؤكد معظم المعطيات التي كانت تشير الى ان رئيس الجمهورية وكبير وزراء العهد جبران باسيل ‏كانا مصممين على ابعاد الحريري واستخدام كل الوسائل المتاحة لايجاد بديل منه ولما اقفلت الساحة السنية امام ‏الترشيحات البديلة صار اللجوء الى سلاح تفويض الاصوات لعلمهما انه مخالف دستوريا وان الحريري لن يقبل ‏المضي في الاستشارات تحت وطأة هذه المناورة‎.‎
‎ أي اتجاه؟
‎ ولكن الى اين سيؤدي المأزق المتعاظم بعد هذا الانهيار السياسي الذي يتزامن مع مرور شهرين اليوم على انطلاق ‏انتفاضة 17 تشرين الاول؟ وهل من افق ولو ضيقاً لحل ازمة التكليف الذي عادت بقوة امس لتتصدر المشهد؟ الواضح ‏من مجمل المعطيات ان ثمة ترقباً لموقف مفصلي قد يتخذه الرئيس الحريري قبل الموعد الجديد للاستشارات لن يكون ‏ممكناً بناء أي تقديرات لما ستؤول اليه الامور قبل اعلانه. واذا كانت هذه المؤشرات ترجح ان يتخذ القرار الحاسم ‏بتكليف أي شخص سواه، فان كرة اللهب ستنتقل الى مرمى العهد وسط شكوك في القدرة على بت البديل سريعاً، الامر ‏الذي يفترض في اقل الاحوال مزيداً من ارجاءات لمواعيد الاستشارات وربما الى ما بعد رأس السنة الجديدة ما لم تطرأ ‏مفاجأة ليست في الحسبان‎.‎
‎ السجالات
‎ في غضون ذلك، شهد الواقع السياسي الذي نشأ عن ارجاء الاستشارات صباح أمس سجالات اتسم بعض مضامينها ‏ومواقفها بحدة عالية. وللمرة الاولى وجه الحريري عبر مكتبه الاعلامي سهاماً مزدوجة الى رئيس الجمهورية ‏و"القوات" وقال ان "كتلة "التيار الوطني الحر" كانت في صدد ايداع أصواتها فخامة رئيس الجمهورية ليتصرف بها ‏كما يشاء. وهذه مناسبة للتنبيه من تكرار الخرق الدستوري الذي سبق أن واجهه الرئيس الشهيد رفيق الحريري في ‏عهد الرئيس اميل لحود، وللتأكيد أن الرئيس الحريري لا يمكن أن يغطي مثل هذه المخالفة الدستورية الجسيمة أيا كانت ‏وجهة استعمالها، في تسمية أي رئيس مكلف". كما رأى ان موقف "القوات" بالامتناع عن التسمية "كان من شأنه أن ‏ينتج تسمية من دون مشاركة أي كتلة مسيحية وازنة، خلافاً لحرص الرئيس الحريري الدائم على مقتضيات الوفاق ‏الوطني". وما لم يرد في بيان الحريري جاء في بيان "ناري" لتيار "المستقبل" تحدث عن " تقاطع للمصالح جرى ‏ترجمته في الموقف الذي صدر عن "التيار الوطني الحر" قبل أيام وقضى بإعلان التحاقه بالساحات والانضمام الى ‏صفوف المعارضة، والموقف الذي صدر بعد منتصف الليلة الماضية عن كتلة "القوات اللبنانية" وقضى بالامتناع عن ‏تسمية أحد في الاستشارات.وفي الترجمة السياسية لهذين الموقفين انهما توافقا على عدم تسمية الرئيس سعد الحريري، ‏واجتمعا على حكومة لا يكون سعد الحريري رئيساً لها". وخلص الى "ان "تيار المستقبل" لا ينتظر تكليفاً من "التيار ‏الوطني" ولا من "القوات" للرئيس الحريري، ولا يقبل ان يتحول موقع رئاسة الحكومة الى طابة تتقاذفها بعض ‏التيارات والأحزاب".‎ ‎
وبعدما اكد ان "موقع رئاسة الحكومة أكبر من كل هذه الهرطقات، ولن تكون رهينة عند أحد مهما علا كعبه"، ‏أضاف: "إذا كانت هناك فرصة لتلبية مطالب الساحات فليكن. واذا كانت هناك فرصة لتسمية شخصية سنية بمستوى ‏الموقع فليكن أيضاً. المهم ألا يعتقد أحد انه قادر على أخذ البلد للخراب، لان نار الخراب ستكوي الجميع، وأولهم ‏الاحزاب ورجال السياسة الذين يتلطون خلف الثورة ويعتبرون أنفسهم أبطال هذا الزمن". ‎ ‎
وفي المقابل، رد المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية على الحريري و"المستقبل" فاعتبر "الحديث عن ايداع أصوات ‏‏"كتلة التيار الوطني الحر" رئيس الجمهورية محض اختلاق واستباق للاستشارات النيابية الملزمة، وبالتالي فإن ‏التذرع به للتمني على رئيس الجمهورية تأجيلها، هو حكم على النيات لا يصح في العمل السياسي السليم، ومحاولة ‏مكشوفة لتبرير هذا التمني وتجاهل أسباب أخرى له". وقال "إن رئيس الجمهورية المؤتمن على الدستور، حريص ‏على التزامه نصاً وروحاً ولا يحتاج الى دروس من أحد في هذا المجال، ولا سيما في ما يتعلق بالمواد والبنود المتعلقة ‏بصلاحياته الدستورية التي يدركها جيدا وليس في وارد تجاوزها، وهو اعتمد في المرتين اللتين اجرى فيهما ‏استشارات نيابية، عدم القبول بأي تفويض من النواب أو ترك الحرية للرئيس، بل كان يطلب من النواب تسمية ‏مرشحهم بوضوح أو الامتناع عن التسمية من دون أي خيار ثالث". ‎ ‎
أما رئيس حزب "القوّات اللبنانيّة" سمير جعجع، فعزا موقف "القوات" الى "أننا في مرحلة إستثنائيّة جداً لذلك نحن ‏نجري حسابات استثنائيّة"، مذكّراً بأنه "قبيل الحكومة الماضية لم تأخذنا خمس دقائق مسألة تسمية الرئيس سعد ‏الحريري لرئاسة الحكومة، إلا أن الحسابات اليوم مختلفة وهناك عنصران طارئان إستثنائيان لا يمكننا عدم أخذهما في ‏الإعتبار وهما الحراك في الشارع والطريقة التي تمت بها إدارة الدولة في الأعوام المنصرمة لذلك أتت حساباتنا بهذا ‏الشكل الاستثنائي". 
واعتبر في حديث الى محطة "ال بي سي " أن "تكليف الرئيس الحريري هذه المرّة ثمنه غال جداً ولكننا لا يمكن أن ‏ندفع هذا الثمن في حين أن المتوقع كان مبهماً. ليس صحيحاً أننا طالبنا الحريري بتعهد خطي منه بأنه سيشكّل حكومة ‏أخصائيين مستقلّين، إلا أننا ركزّنا على موضوع تأليف حكومة مماثلة"، مشيراً إلى أنه "إن تم تكليف الرئيس ‏الحريري فهو يبقى في حال نوى تشكيل حكومة أخصائيين مستقلين بحاجة لتوقيع الرئيس عون من أجل تأليفها، في ‏حين أن عون يقولها علناً أنه لا يريد حكومة مماثلة، لذلك فضلنا أن ندفع الثمن الغالي عندما تكون الأمور قد أصبحت ‏واقعيّة مع تشكيل الحكومة وليس الآن في حين أن الأمور لا تزال مبهمة". ‎ ‎
وأفاد جعجع أننا "سنتابع الوضع من اليوم حتى الخميس لنرى إلى أين ستصل الأمور، مع تركيزنا على تشكيل حكومة ‏بأسرع وقت من أجل إنقاذ الوضع لأننا قادرون على إنقاذه‎".

النهار - 17 كانون الاول 2019

إرسال تعليق

 
Top