0
ما حذّر منه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في مناسبة بدء النصف الثاني لولايته الخميس الماضي من رفض ‏‏"شارع مقابل شارع" وقع امس على طريق بعبدا. فبدل ان تكون هذه الطريق سالكة للرئيس المكلف ليعلن حكومة ‏‏"تحظى بثقة الشعب قبل البرلمان" كما قال الرئيس في الخطاب نفسه، ازدحمت امس بآلاف العونيين الذين جددوا ‏الولاء لرئيس "التيار" جبران باسيل تحت لافتة دعم "بي الكل" و"العهد القوي".
ومن طريق بعبدا، وفي ظل تظاهرة اللون البرتقالي الواحد، أنكر باسيل على الثائرين شعار "كلن يعني كلن" مستثنياً ‏نفسه وفريقه ومصوباً الاتهامات الى كل شركائه في السلطة وخصوصاً الى رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري. ‏كذلك اطل رئيس الجمهورية في كلمة وجدانية قصيرة بدأها بمخاطبة "شعب لبنان العظيم" ولم تخلُ من رفع يديه ‏بشارة النصر‎.‎
‎ في موازاة ذلك كانت ساحات الثورة تعج بكل الألوان في "أحد الضغط" او "أحد الوحدة". فازدحمت ساحتا الشهداء ‏ورياض الصلح بمنتفضين اتوا من كل لبنان، من غير ان يتغير مشهد طرابلس التي كررت امس صورة الحشد الكبير ‏الذي تعودت عليه منذ انطلاقة الثورة. وكانت تظاهرة صيدا مميزة بالعدد والاسلوب، فيما استعادت صور والنبطية ‏وكفررمان نبضها. وعادت الاحتجاجات الى بعلبك وزحلة وامتدت الى تعلبايا وحاصبيا ومناطق عدة في البقاع ‏وغيرها‎.‎
‎ ولوحظ ان المشهد كان ناقصاً في مكانين شكلا شرياناً اساسياً للثورة، فلم تحصل اي تجمعات في جل الديب وذوق ‏مصبح خلال النهار. ولدى محاولة البعض التجمع ليلاً في جل الديب ووجهوا بشدة من الجيش الذي بدا وكأنه اخذ ‏قراراً حاسماً في ما يتعلق بهذه الطريق‎.‎
‎ ومع اعلان لجان عدة في الحراك ان اليوم يوم اضراب لشل العمل في البلاد عادت مساء امس الاعتصامات وقطعت ‏الطرق في الشيفروليه وضهر البيدر وفي مناطق شمالية عدة وجرت تجمعات عند جسر الرينغ في بيروت. وهكذا ‏يدخل اللبنانيون اسبوعاً جديداً في ظل ازمة ناجمة عن عدم التجاوب مع المطالب الشعبية ومع عدم الاسراع في اتباع ‏الاصول والأعراف الدستورية في تشكيل الحكومات‎.‎
‎ وباستثناء كلام حاسم وواضح للبطريرك الماروني بشارة الراعي دعا فيه الى تشكيل حكومة حيادية بأسرع وقت، فان ‏اطراف السلطة المأزومة بدت غارقة في تبادل الاتهامات في الكواليس. وعموماً فإن الاجواء امس كانت سلبية في ما ‏يتعلق بتشكيل الحكومة‎.‎
‎ وعلقت مصادر وزارية على كلمتي الرئيس عون والوزير باسيل أمس بالقول إنهما لم توحيا بإمكان حصول خرق في ‏حالة الجمود الحاصل في تأليف الحكومة الجديدة، خصوصا أن رئيس "التيار الوطني الحر" استخدم القصر الرئاسي ‏في شن هجوم مضاد على القوى السياسية كافة التي طالبت بإبعاده عن أي تشكيلة حكومية. ورأت المصادر الوزارية ‏نفسها أن عون تعاطى مع الحشد على الطريق المؤدي إلى القصر الرئاسي كرئيس حزب وفريق، وذكر بمرحلة ‏‏1989 حين كان يعبّئ الجماهير ضد الوجود السوري ومن أجل انتخابه لرئاسة الجمهورية‎.‎
‎ واعتبرت المصادر أن باسيل كرس سقوط التسوية الرئاسية، باتهام شركاء العهد أكثر من مرة، قاصداً الرئيس سعد ‏الحريري، بأنهم وراء فشل الإصلاح ومكافحة الفساد ورميه المسؤولية بعد أن أدى الحراك الشعبي إلى إسقاط هذه ‏التسوية منذ 17 تشرين الأول، باستقالة الحريري، لكنه ظهر على أنه يسعى إلى تسوية جديدة بدعوته إلى اعتبار ‏تأخير الانهيار أولوية‎.‎
‎ ولكن مصادر سياسية منخرطة في الاتصالات الجارية في الكواليس قالت لـ"نداء الوطن" إن مهرجان بعبدا يعكس ‏قراراً لدى عون باستبعاد تولي الرئيس الحريري الحكومة المقبلة، في حال أصر على استبعاد باسيل منها، فضلاً عن ‏غضبه من استقالته التي اعتبرها موجهة ضده. وأكدت المصادر إياها أن موقف عون السلبي حيال الحريري بلغ حد ‏القول إنه مستعد للقبول بحكومة من غير الحزبيين والنواب والتكنوقراط، شرط أن تكون برئاسة غير الحريري‎.‎
‎ لكن أوساطاً أخرى واسعة الاطلاع أوضحت أن "حزب الله" ورئيس البرلمان نبيه بري ما زالا يحبذان عودة ‏الحريري إلى الرئاسة الثالثة، لكنهما يأخذان عليه استعجاله اشتراط عدم توزير باسيل، الذي أغضب عون في وقت ‏يؤكد الحزب أنه لن يتخلى عن الأخير. وقالت الأوساط نفسها لـ"نداء الوطن" إن موفد بري إلى الحريري وزير المال ‏علي حسن خليل استمزج رأي الحريري حول فكرة تسميته مرشحاً من قبله لرئاسة الحكومة إذا أصر عون على ‏استبعاده من رئاسة الحكومة لرفضه توزير باسيل، لكن الحريري رفض الفكرة‎.‎
‎ وقالت الأوساط هذه إن التواصل بين الحريري والثنائي الشيعي لم ينقطع بحثاً عن مخارج، ولم تستبعد أن يعمل ‏الحزب على ترتيب لقاء بين الحريري وباسيل خلال الساعات المقبلة لعله يؤدي إلى تدوير الزوايا. وأوضحت أن ‏الرئيس بري يعتبر أن تأخير تأليف الحكومة لا يجوز لأن البلد برمته تحت ضغوط كبرى على الأصعدة كافة، ولا بد ‏من إحداث خرق في جدار المأزق، متوقعة أن يلتقي الحريري غداً خلال الجلسة النيابية المخصصة لانتخاب رؤساء ‏اللجان النيابية وهيئة مكتب البرلمان، للبحث عن مخارج.

نداء الوطن - 4 تشرين الثاني 2019

إرسال تعليق

 
Top