لم يكن مشهد مواطن مسلح يطلق النار من سلاح رشاش في ساحة جل الديب أمس سوى عينة من التفلت المواكب للغليان الذي ساد البلاد غداة المقابلة التلفزيونية لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون مساء الثلثاء والتي اشعلت، بالمواقف السلبية التي اتخذها فيها من بعض جوانب الانتفاضة الشعبية، الاحتجاجات على نحو غير مسبوق. وبدت الانتفاضة في يومها الـ28 امس كأنها في ذروة انطلاقتها مع عودة قطع الطرق والاوتوسترادات على أوسع نطاق في كل المناطق اللبنانية وشل المدارس والجامعات والمؤسسات والقطاعات وتنفيذ اعتصامات حاشدة كان أبرزها الاعتصام المفتوح الذي بدأ أمس على طريق القصر الجمهوري في بعبدا حيث اتخذ دلالات مهمة لجهة توجيه دفة الاحتجاجات مباشرة الى الرئيس عون.
واذا كان هذا المشهد عكس عمق اعتمال الغضب والسخط اللذين اثارتهما بعض مواقف رئيس الجمهورية من الانتفاضة في يومها الـ 28، فان أبرز ما ميز هذا اليوم تمثل في تعاطف لبناني عارم مع "شهيد الانتفاضة" علاء أبو فخر الذي قتل ليل الثلثاء تحت جسر مثلث خلدة، فسجلت أوسع حركة تضامن مع ذكراه في كل المناطق ونقاط التجمعات الكبيرة للمحتجين، علماً أن تشييعه اليوم في الشويفات سيشهد حشداً ضخماً يتقدمه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي سارع فور حصول حادث قتل أبو فخر الى احتواء ردود الفعل الساخطة بالنزول بين المناصرين والمحازبين وابناء الشويفات ودعوتهم الى التعقل والتمسك بالدولة خياراً وحيداً. وأحضر نعش أبو فخر مساء أمس الى ساحة رياض الصلح ورفع فوق اكف المحتشدين. وتلقى جنبلاط أمس سيلاً من اتصالات التعزية أبرزها من الرؤساء عون ونبيه بري وسعد الحريري، الى القادة السياسيين والحزبيين والسفراء والديبلوماسيين.
ولم يمر يوم الغليان الشعبي من دون حوادث واحتكاكات أمنية، اذ سجلت احتكاكات بين مجموعات من الاهالي والمتظاهرين بسبب اقفال الاوتوستراد، وحصل تراشق بالحجارة أدى الى جرح أربعة اشخاص، ثم أطلق مسلح ينتمي الى "التيار الوطني الحر" زخات من الرصاص من رشاشه فوق رؤوس المعتصمين في البلدة، فقبض الجيش عليه فوراً. كما ان مجموعات من المتظاهرين عند نفق نهر الكلب عمدوا في خطوة مفاجئة أثارت استغراباً ليل أمس الى تشييد جدار من الاسمنت داخل النفق، لكنهم مع تصاعد الاحتجاجات على اقامته عملوا على ازالته.
وفتح المحتجون مسربا على طريق جل الديب الداخلية منعاً للاستفزازات على ان يتوجهوا الى النقطة الأساسية على الاوتوستراد. ووصل أفراد من قوى الامن الداخلي الى الطريق الداخلية في محاولة لفتحها، لكن المحتجين رفضوا وعادوا الى قطعها من جديد.وسجّل انتشار كثيف للجيش اللبناني والمخابرات وفوج المغاوير والذين اوقفوا مجموعة من الشبان المنتمين الى "التيار الوطني الحر" كانوا على صلة بالاضطرابات التي حصلت.
انفجار سياسي؟
غير ان ملامح التصعيد والتوتر التي ظهرت على الارض وفي الواقع الميداني، ظلت على خطورتها دون خطورة الواقع السياسي الذي تكشفت أمس وقائع مقلقة عنه وبدا معها الاستحقاق الحكومي في مهب المقامرات والمغامرات الشديدة الخطورة. ذلك ان ظاهرة تبادل المواقف والردود للمرة الاولى على نحو مباشر من خلال وسائل الاعلام بين قصر بعبدا و"بيت الوسط "، أظهر في حصيلته وجود محاولات حثيثة من جانب العهد ليس لاستباق اجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة فحسب، بل أيضاً للالتفاف على امكان ان تسمي هذه الاستشارات الرئيس سعد الحريري لاعادة تكليفه كما هو متوقع. وهو أمر ينذر باثارة صراع دستوري وسياسي وكذلك طائفي على خلفية المضي في التفرد بالمراحل المتصلة بالاستحقاق الحكومي بما يعني ان الازمة الحكومية - الدستورية باتت تسابق اخطار الانهيار المالي كما اخطار الاهتزازات الامنية.
وبدت معالم هذه المحاولات واضحة تماماً من خلال ترويج جهات موالية للعهد لمعطيات تتحدث عن اعتذار الرئيس الحريري عن التكليف وابلاغه ممثلي الثنائي الشيعي الوزير علي حسن خليل والمعاون السياسي للامين العام لـ"حزب الله" حسين الخليل انه لا يريد العودة الى رئاسة الحكومة. كما ان التسريبات التي تحدثت عن "اعتذار" الحريري اقترنت بتلميحات مماثلة الى تكليف شخصية مغمورة من رجال الاعمال قيل ان رئاسة الجمهورية تتهيأ لطرحها.
وقد سارعت الاوساط المعنية القريبة من الرئيس الحريري الى الرد على موضوع "الاعتذار"، فاستغربت الكلام عن اعتذاره فيما هو بادر الى الاستقالة ولم تجر بعد الاستشارات النيابية الملزمة للتكليف ولا جرى تكليفه لكي يقبل أو يعتذر. وأكّدت الاوساط أنّ الحريري عند موقفه بضرورة تأليف حكومة من ذوي الكفاءة والاختصاص تتولى تنفيذ أجندة اقتصادية محددة تتضمن ورقة الحكومة الاقتصادية وبعض العناوين الاصلاحية خلال مدة ستة اشهر. وأشارت إلى أنّ "هذا الاقتراح ما زال يصطدم بالاصرار على حكومة مختلطة من السياسيين والتكنوقراط، أي حكومة قريبة بمواصفاتها من الحكومة المستقيلة مع بعض التحسينات"، موضحة أنّ "الامور متوقفة عند هذه النقطة قبل حديث الرئيس عون التلفزيوني، ولم يطرأ أي جديد يفيد خلاف ذلك". وقالت الأوساط: "هناك من يتجه بالامور نحو تسمية شخصية، قد تحظى بقبول الحريري وقد لا تحظى، والامور مرهونة بما ستسفر عنه اتصالات الساعات المقبلة. وباختصار، الحريري لن يمشي بحكومة لا تأخذ في الاعتبار المتغيرات السياسية التي حصلت".
وفي مبادرة اكتسبت دلالة بارزة، ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي صلاة مساء أمس في الصرح البطريركي ببكركي على نية لبنان ولراحة نفس علاء أبو فخر.
واذ وجه نداء الى الجميع "من أجل ضبط النفس والابتعاد عن كل تشنج، لان التشنج يجر التشنج ولا يؤدي الى نتيجة، وان يحافظوا على الطابع السلمي والحضاري لحراكهم"، قال: "لا نريد أي مواجهات من أي نوع، لا مع الجيش والقوى الامنية ولا بين المواطنين. نصلي من اجل الجيش والقوى الامنية المنتشرة على مساحة كل الوطن كي يحموا المواطنين وحرية تعبيرهم، وليحولوا دون اصطدامهم في ما بينهم خصوصا ان التحركات الشعبية هي على امتداد الوطن".
وأضاف: "نصلي من أجل المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، ونناشدهم إيجاد الحلول السلمية لكل القضايا المطروحة. نناشد ونطلب من رئيس الجمهورية مباشرة الاستشارات النيابية من اجل تكليف رئيس جديد للحكومة وتشكيل حكومة تتحمل مسؤوليتها".
واذا كان هذا المشهد عكس عمق اعتمال الغضب والسخط اللذين اثارتهما بعض مواقف رئيس الجمهورية من الانتفاضة في يومها الـ 28، فان أبرز ما ميز هذا اليوم تمثل في تعاطف لبناني عارم مع "شهيد الانتفاضة" علاء أبو فخر الذي قتل ليل الثلثاء تحت جسر مثلث خلدة، فسجلت أوسع حركة تضامن مع ذكراه في كل المناطق ونقاط التجمعات الكبيرة للمحتجين، علماً أن تشييعه اليوم في الشويفات سيشهد حشداً ضخماً يتقدمه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي سارع فور حصول حادث قتل أبو فخر الى احتواء ردود الفعل الساخطة بالنزول بين المناصرين والمحازبين وابناء الشويفات ودعوتهم الى التعقل والتمسك بالدولة خياراً وحيداً. وأحضر نعش أبو فخر مساء أمس الى ساحة رياض الصلح ورفع فوق اكف المحتشدين. وتلقى جنبلاط أمس سيلاً من اتصالات التعزية أبرزها من الرؤساء عون ونبيه بري وسعد الحريري، الى القادة السياسيين والحزبيين والسفراء والديبلوماسيين.
ولم يمر يوم الغليان الشعبي من دون حوادث واحتكاكات أمنية، اذ سجلت احتكاكات بين مجموعات من الاهالي والمتظاهرين بسبب اقفال الاوتوستراد، وحصل تراشق بالحجارة أدى الى جرح أربعة اشخاص، ثم أطلق مسلح ينتمي الى "التيار الوطني الحر" زخات من الرصاص من رشاشه فوق رؤوس المعتصمين في البلدة، فقبض الجيش عليه فوراً. كما ان مجموعات من المتظاهرين عند نفق نهر الكلب عمدوا في خطوة مفاجئة أثارت استغراباً ليل أمس الى تشييد جدار من الاسمنت داخل النفق، لكنهم مع تصاعد الاحتجاجات على اقامته عملوا على ازالته.
وفتح المحتجون مسربا على طريق جل الديب الداخلية منعاً للاستفزازات على ان يتوجهوا الى النقطة الأساسية على الاوتوستراد. ووصل أفراد من قوى الامن الداخلي الى الطريق الداخلية في محاولة لفتحها، لكن المحتجين رفضوا وعادوا الى قطعها من جديد.وسجّل انتشار كثيف للجيش اللبناني والمخابرات وفوج المغاوير والذين اوقفوا مجموعة من الشبان المنتمين الى "التيار الوطني الحر" كانوا على صلة بالاضطرابات التي حصلت.
انفجار سياسي؟
غير ان ملامح التصعيد والتوتر التي ظهرت على الارض وفي الواقع الميداني، ظلت على خطورتها دون خطورة الواقع السياسي الذي تكشفت أمس وقائع مقلقة عنه وبدا معها الاستحقاق الحكومي في مهب المقامرات والمغامرات الشديدة الخطورة. ذلك ان ظاهرة تبادل المواقف والردود للمرة الاولى على نحو مباشر من خلال وسائل الاعلام بين قصر بعبدا و"بيت الوسط "، أظهر في حصيلته وجود محاولات حثيثة من جانب العهد ليس لاستباق اجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة فحسب، بل أيضاً للالتفاف على امكان ان تسمي هذه الاستشارات الرئيس سعد الحريري لاعادة تكليفه كما هو متوقع. وهو أمر ينذر باثارة صراع دستوري وسياسي وكذلك طائفي على خلفية المضي في التفرد بالمراحل المتصلة بالاستحقاق الحكومي بما يعني ان الازمة الحكومية - الدستورية باتت تسابق اخطار الانهيار المالي كما اخطار الاهتزازات الامنية.
وبدت معالم هذه المحاولات واضحة تماماً من خلال ترويج جهات موالية للعهد لمعطيات تتحدث عن اعتذار الرئيس الحريري عن التكليف وابلاغه ممثلي الثنائي الشيعي الوزير علي حسن خليل والمعاون السياسي للامين العام لـ"حزب الله" حسين الخليل انه لا يريد العودة الى رئاسة الحكومة. كما ان التسريبات التي تحدثت عن "اعتذار" الحريري اقترنت بتلميحات مماثلة الى تكليف شخصية مغمورة من رجال الاعمال قيل ان رئاسة الجمهورية تتهيأ لطرحها.
وقد سارعت الاوساط المعنية القريبة من الرئيس الحريري الى الرد على موضوع "الاعتذار"، فاستغربت الكلام عن اعتذاره فيما هو بادر الى الاستقالة ولم تجر بعد الاستشارات النيابية الملزمة للتكليف ولا جرى تكليفه لكي يقبل أو يعتذر. وأكّدت الاوساط أنّ الحريري عند موقفه بضرورة تأليف حكومة من ذوي الكفاءة والاختصاص تتولى تنفيذ أجندة اقتصادية محددة تتضمن ورقة الحكومة الاقتصادية وبعض العناوين الاصلاحية خلال مدة ستة اشهر. وأشارت إلى أنّ "هذا الاقتراح ما زال يصطدم بالاصرار على حكومة مختلطة من السياسيين والتكنوقراط، أي حكومة قريبة بمواصفاتها من الحكومة المستقيلة مع بعض التحسينات"، موضحة أنّ "الامور متوقفة عند هذه النقطة قبل حديث الرئيس عون التلفزيوني، ولم يطرأ أي جديد يفيد خلاف ذلك". وقالت الأوساط: "هناك من يتجه بالامور نحو تسمية شخصية، قد تحظى بقبول الحريري وقد لا تحظى، والامور مرهونة بما ستسفر عنه اتصالات الساعات المقبلة. وباختصار، الحريري لن يمشي بحكومة لا تأخذ في الاعتبار المتغيرات السياسية التي حصلت".
وفي مبادرة اكتسبت دلالة بارزة، ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي صلاة مساء أمس في الصرح البطريركي ببكركي على نية لبنان ولراحة نفس علاء أبو فخر.
واذ وجه نداء الى الجميع "من أجل ضبط النفس والابتعاد عن كل تشنج، لان التشنج يجر التشنج ولا يؤدي الى نتيجة، وان يحافظوا على الطابع السلمي والحضاري لحراكهم"، قال: "لا نريد أي مواجهات من أي نوع، لا مع الجيش والقوى الامنية ولا بين المواطنين. نصلي من اجل الجيش والقوى الامنية المنتشرة على مساحة كل الوطن كي يحموا المواطنين وحرية تعبيرهم، وليحولوا دون اصطدامهم في ما بينهم خصوصا ان التحركات الشعبية هي على امتداد الوطن".
وأضاف: "نصلي من أجل المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، ونناشدهم إيجاد الحلول السلمية لكل القضايا المطروحة. نناشد ونطلب من رئيس الجمهورية مباشرة الاستشارات النيابية من اجل تكليف رئيس جديد للحكومة وتشكيل حكومة تتحمل مسؤوليتها".
النهار - 14 تشرين الثاني 2019
إرسال تعليق