0
"فاجأناكم مو" كان الشعار الذي برز خلال "ثورة الأرز" في آذار من العام 2005، قطفها ميشال ألفتريادس الذي أطلق الشعار يومها. أما اليوم فـ"هيلا هيلا هيلا هيلا هو..." هو النشيد الأكثر شعبية في الساحات. لم نعرف مطلق النشيد، لكنه تمكن من طرح نشيد يخترق الأذهان والقلوب ربما، خصوصاً بلحنه. حتى أن كثيرين باتوا يدندنونه لاشعورياً. وإن اعترض البعض على هذا النشيد بحجة "لاأخلاقيته"، أو لكونه ذكورياً، لكنه الشارع وفيه كل اللغات. الشارع للناس والناس في الشارع تعبّر بطرق مختلفة، طرق متنوعة تشبهها، منها الحاد ومنها الطريف. وقد تتقلب الاحتجاجات بين الغضب والكر والفر، وبين الاحتفال. لتشعر مرة بأنك في ساحة معركة وأخرى بأنك في مهرجان. واللبناني طريف بطبعه يبحث في مآسيه عن الترفيه. فلعل السخرية هي التي أبقته حياً وجعلته ينفّس عن نفسه ويتمسّك بالحياة رغم كل الصعاب. فالشوارع اليوم هي فسحات أمل وفسحات للتعبير بحريّة لذلك اختار كل مواطن التعبير بطريقته. وكما في الشوارع كذلك عبر مواقع التواصل الإجتماعي.
الـ"دي جاي" في الساحات
لا منصّة في السّاحات. لكل مجموعة من الأشخاص تجهيزاتها الصوتية الخاصة بها والتي يختلف حجمها وفق قدرتها المالية. في الساحات مكبرات صوت صغيرة اقتناها النشيطون الدؤوبون على التظاهر. هؤلاء باتوا خبراء بالتظاهر وبضروراته وبالعدة اللازمة للنزول إلى الشارع، فيستخدمون مكبراتهم لإطلاق الهتافات وإيصالها لمسامع الحاضرين في الحلقة الصغيرة حولهم. في الساحة أيضاً مكبرات أكبر حجماً، يمكن جرّها سيراً على الأقدام لتطلق الأغاني والشعارات. أما الصوتيات الثقيلة فللحصول عليها يستعين المتظاهرون بخدمات الأرزوني للصوتيات، والذي بات راعي الأصوات في كل التظاهرات. هو المستفيد منها دوماً مهما اختلفت المطالب.
تسير كل مجموعة بصحبة صوتياتها إما لتكرار الهتافات أو الأناشيد والأغاني. بعض المجموعات فضلت شتم السياسيين. فنال باسيل حصة الأسد منها، بينما حلّت رندا بري ثانية. حيث اتهمها المتظاهرون بالسرقة رابطين بينها وبين الرقم 51% الذي يقولون إنه نسبة ما تفرضه على أصحاب المشاريع الخاصة للسماح لهم بالعمل في منطقة الجنوب. بينما آثرت مجموعات أخرى ترداد الأناشيد الثورية. وحولت بعض المجموعات الساحة العامة إلى حيز للمهرجانات والغناء والرقص. فالساحات كبيرة تتسع لكل الناس، ويمكن لمن شاء اختيار المجموعة التي تناسبه لمشاركتها هتافها أو نشيدها أو أغانيها. لكن أغنية هيلا هيلا... طغت على التحركات وانتشرت في كل الساحات، ونافست الـ "دي جاي". فالمتظاهرون هنا يرغبون بالجمع بين التظاهر والرقص والغناء هاتفين: "بدنا نرقص بدنا نغني وبدنا نسقط النظام". في حين أجبر أصحاب المحال الفخمة على إقفال محالهم في وسط بيروت والتي تحطم معظمها، فتحت التظاهرات المجال لأصحاب العربات ولمواطنين بسطاء ومكنتهم من فتح مصالح موقتة في الساحة التي تحولت إلى باب رزق لهؤلاء. فحضر بائعو الفول والعرانيس والكعك والمياه وغيرها من المأكولات والمشروبات. ولم يعد العشاء في سوليدير باهظ الثمن.
الشعارات في كل مكان
كما لا يمكن النزول إلى المعركة من دون سلاح، لا يمكن النزول إلى الشارع بلا شعارات تحاول التعبير عن مطالب الشعب وغضبه، أو قد تكون غاية أصحابها مجرّد لفت الانتباه والقول يافطتي أقوى من يافطتك. بعض الشعارات يكتب في الشارع وبعضها يأتي جاهزاً إلى الساحات، وبين الجد والمزح يخطّ الكثير منها. لكن اليافطات والأوراق تضيق بالمتظاهرين فيخطون شعاراتهم أينما كان، على الجدران والزجاج والإسفلت...
الإستجمام في الساحات
بعد ساعات طويلة من البقاء في الساحات يبدأ العقل بالبحث عن طريقة للإسترخاء، وبعد أيام يصبح من الضروري أن تجهز الساحات لتؤمن الحد الأدنى من مقومات البقاء فيها. لذلك أنزل متظاهرون الخيم والأراكيل إلى الساحات. وفتح آخرون مواقف السيارات ليركنوا سياراتهم فيها ويسهروا بقربها. والبعض نشر صوراً تظهر تجهيز ساحة اعتصامه بماكينة لالتقاط الإنترنت.
السخرية خبز اللبنانيين
يواجه اللبناني كل الأحداث بالسخرية. لكن الجميل اليوم أن موجة السخرية لم تنحصر بمواقع التواصل الإجتماعي. اذ ترافقت مع موجة غضب وردات فعل حقيقية على الأرض. فكانت الشوارع كما مواقع التواصل الإجتماعي مساحات للسخرية ونشر النكات المستوحاة من الأحداث.

مريم سيف الدين - نداء الوطن - 22 تشرين الأول 2019

إرسال تعليق

 
Top