0
مع دخول الأزمة الحكومية شهرها الثاني، تلاشت كل الاحتمالات المتفائلة حيال إمكان انعقاد جلسة لمجلس الوزراء، بعدما سقطت كل المساعي والوساطات الرامية الى تأمين التوافق السياسي على المخرج القضائي لحادث قبرشمون، نتيجة استمرار المواقف على تمترسها، فيما ساهم الوقت المهدور على هذا الملف في تفاقمه، في تفجير أزمة جديدة تجلت في الكباش المستجد على الصلاحيات بين الرئاستين الاولى والثالثة، في الدعوة الى عقد جلسة حكومية، ما ابرز حجم التفتت والانهيار الذي بلغته المؤسسات الدستورية، يوازي وربما يضاهي في مخاطره الانهيار الاقتصادي والمالي الجاثم على صدور اللبنانيين، من دون اي رادع تقتضيه المسؤولية الدستورية التي يفترض ان يتحملها من يتربع على مراكز السلطة والقرار.
ولم تنجح الضغوط المالية والاقتصادية والتحذيرات الدولية او التصنيفات التي صدرت او ستصدر في حق لبنان ودينه السيادي في ظل الارتفاع المسجل في كلفة تآمينه (التي اثارت حالا من الارباك اول من امس، بعدما تم ربط الارتفاع بتصريحات صادرة عن رئيس الجمهورية عن مخاطر لجوء المؤسسات الدولية الى فرض إجراءات مالية قاسية، ما لم يبادر لبنان الى القيام بتضحيات من اجل حماية البلاد من أزمة مالية)، لم تنجح في لجم التشنج السياسي والدفع في اتجاه احتواء الاستحقاق المالي الداهم. 
وباستثناء التطمينات الصادرة عن حاكم المصرف المركزي رياض سلامة وآخرها من بكركي يوم الجمعة على هامش منتدى اقتصادي منعقد هناك، لا تزال المعالجات المالية والاقتصادية دون المطلوب. وكان سلامة كشف أن "الكلام عن أن لبنان بلد مهدد بالإفلاس، غير مبرر علميا وبالأرقام".
وفي حين يبقى الهم المالي دون مستوى المعالجة، استمرت أزمة الصلاحيات التي اشتعلت اخيرا بين رئاستي الجمهورية والحكومة تتفاعل، رغم غياب رئيس الحكومة عن البلاد في اجازة خاصة، منذرة باستمرار تعطل مجلس الوزراء عن الانعقاد. 
وقد دخل على خط الازمة وزيرا الحزب التقدمي الاشتراكي، في إطار الدفاع عن رئيس الحكومة، واثارة معطيات حديدة تتصل بحادث قبرشمون والتعاطي القضائي معها على ما كشف الوزير وائل ابو فاعور الذي اشار الى "ان الثلج سيذوب وسيظهر المرج وستتكشف الحقائق التي ستصدم الرأي العام اللبناني وسينتصر الحق والحقيقة". معلنا عن مؤتمر صحافي "سيعقده الحزب التقدمي الاشتراكي الاسبوع المقبل لوضع الحقائق امام الرأي العام". وقال "لدى الرئيس الحريري القدرة السياسية الكاملة على التبصر وعلى اختيار الوقت المناسب والظرف المناسب للدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء"، مستغربا "أن نصل إلى يوم يصبح فيه رأس السلطة هو من يُعطّل المؤسسات في لبنان فهذا ما لم نكن نتوقع أن نصل إليه، والعبث طال واستطال ووصل إلى مؤسسة القضاء، حيث عدنا إلى نغمة التلاعب بالتحقيقات، وبالأجهزة القضائية، والضغط على القضاء من أشخاص يفترضون لأنفسهم سلطة على القضاء".
اما الوزير اكرم شهيّب فلفت الى "ان مهما بلغت حملات التهديد والإتهامات الباطلة وتركيب الملفات، إننا على يقين ونرى في من يقف وراءها انه خائف من الحقيقة الموثقة والساطعة"، مؤكداً "ان الخطابات العنترية الوهمية ليست سوى صدى لمشاريع أثبت لبنان أنه لن يكون مقراً أو ممرا لها. ومهما بلغ الواقع السياسي من درجات التأزم، فإننا نتطلع نحو العقلاء والمتنورين الذين يحكمون المنطق والقانون والمؤسسات الرسمية الأمنية والقضائية، للوصول إلى الحقيقة".
وكان موقع "المستقبل" نقل عن مصدر مطّلع قوله "ان جنوح بعض المحيطين الذين يتولون النفخ في اذن الرئيس باقتراحات وتفسيرات وفتاوى وخروج بعض وسائل الاعلام من اروقة القصر لتتحدث عن الحق الدستوري لرئيس البلاد بالدعوة الى جلسة مجلس وزراء بالاتفاق مع رئيس الحكومة، وعن وقائع مكالمة هاتفية حصلت بين الرئيسين هو بالتأكيد أمر مستغرب ولا يضيف الى الواقع السياسي سوى المزيد من البلبلة والتجاذب". اضاف "ولعله لم يكن هناك من داعٍ لطرح الموضوع أساساً في وسائل الاعلام، لان المكالمة بين الرئيسين وما دار فيها هي حق حصري للرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري، ولا يحق لأي وزير او مستشار من المقربين ان يتصرف بها كمادة اعلامية يجري من خلالها صب الزيت على نار المواقف والسجالات".
وتعليقا على ما اثير حول الاتصال، اكّد مستشار رئيس الحكومة عمّار حوري، أنّ "الاتصال بين الرئيسين عون والحريري كان إيجابياً خلافاً للتأويلات وتمّ الاتفاق على ضرورة تذليل العقبات لاجتماع الحكومة لتكون هادئة".
وفي خضم السجال الحاصل حول الجلسة الحكومية، على خلفية حادث البساتين، وما أفرزه من تنازع على صلاحيات الدعوة الى انعقاد الجلسة في ظل التفسيرات والاجتهادات حول المادتين 64 و53 من الدستور، برز كلام لنائب الامين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم قال فيه انه "من الطبيعي أن تكون قضية البساتين مؤثرة ومهمة، لأنها خطيرة وتؤسس فيما لو لم تعالج ذيولها بمنطق غير سليم في الواقع اللبناني، فنحن مع مسار قضائي، يتفق عليه طرفا القضية إذا أمكن ذلك، ونشجّع على أي حل ينطلق من الاتفاق، لكن من الضروري أن نضع حداً لعدم اجتماع الحكومة، لأن الحكومة تتحمّل مسؤولية البلد، وعليها أن تجتمع لتعالج قضايا الناس، والناس بحاجة إلى حلول، ويجب استثمار إنجاز الموازنة في مجلس النواب، للانطلاق إلى المشاريع التي تم التخطيط لها، والتي تحتاج إلى مراسيم وآليات عمل من خلال الحكومة لمعالجة الوضع الاقتصادي ووضعه على السكة، كذلك لمعالجة الخدمات التي يحتاجها الناس في الملفات المختلفة مثل ملف النفايات والكهرباء وملفات أخرى تحتاج في الحقيقة إلى عمل دؤوب من قبل الحكومة، وإلى خطط مرسومة".
بدوره، اكد عضو المجلس المركزي في "حزب الله" الشيخ نبيل قاووق "ان حزب الله أبلغ المعنيين جميعاً بأنه سيشارك في جلسة مجلس الوزراء حين الدعوة إليها، ونحن من موقع الحرص على إنقاذ البلد، نؤكد أن المرحلة استثنائية لا تحتمل المزيد من المشاكل والانقسامات، أو تعطيل مجلس الوزراء".

النهار - 4 اب 2019

إرسال تعليق

 
Top