0
لم تكن الحصيلة الجلية تماماً للمواقف والإجراءات التي برزت أمس في شأن الموازنة العالقة في قصر بعبدا كما في شأن الخلاف المتصاعد حول إحالة حادث قبرشمون على المجلس العدلي، إلّا تثبيت المخاوف من اتجاهات تصعيدية من شأنها زيادة شلل الحكومة ومجلس الوزراء وافتعال أزمة جديدة بين رئاسة الجمهورية ومجلس النواب بذريعة الالتباس حول المادة 80 من الموازنة.
ولعل العامل الأشد إثارة للتساؤلات المريبة برز مع التناغم الواضح والمباشر بين العهد وتياره من جهة والامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله من جهة أخرى من خلال مواقف متعاقبة أطلقها الفريقان ورسمت معالم أحكام المأزق الحكومي كما العقدة المتصلة بتعليق الموازنة كأنهما عقدا العزم على زج البلاد في متاهة تصعيدية ليست مفهومة الاهداف والمآرب ما دام الفريقان يشكلان ثنائياً متحالفاً بقوة داخل السلطة بل يستأثران بالسلطة بما يفترض الاقلاع عن انماط التعطيل التي درجا سابقاً على اتباعها. والسؤال الأكثر اثارة للحيرة يتصل بالفائدة التي تعود على العهد فيما هو يبارك الخطوات التصعيدية لتياره ويعلق الموازنة أو يماشي خطوات حليفه "حزب الله" في جعل شرط الاستجابة لمطلب النائب طلال أرسلان بإحالة حادث قبرشمون على المجلس العدلي شرطا لانعقاد مجلس الوزراء بما يفسر بوضوح ان لا عودة لجلسات مجلس الوزراء ما لم يكسر الفريق الرافض للاحالة على المجلس العدلي.
وفي ظلّ التصعيد الذي اقدم عليه ثنائي العهد - "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" أمس بدت صورة المأزق السياسي متجهة نحو آفاق قاتمة خصوصاً من حيث استبعاد التوصل الى تسوية وشيكة ما دام باب الحلول أقفل أمام تسوية طرحها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بإحالة حادثي قبرشمون والشويفات على المجلس العدلي بما كشف الاتجاهات الواضحة لمحاصرة جنبلاط والضغط على رئيس الوزراء سعد الحريري و"القوات اللبنانية" لحمل الأفرقاء الثلاثة على التسليم بمطلب أرسلان ومن يدعمه كعنوان سياسي أوسع وأبعد مدى من الحادث بعينه. وقد سافر الرئيس الحريري أمس الى الخارج في زيارة وصفت بأنها خاصة، بينما اتسم المشهد الداخلي بعراضات سياسية زادت توهج المأزق وجاءت متزامنة مع مضي رئاسة الجمهورية في رسم علامات القلق حول مصير الموازنة.
وأصدرت المديرية العامة لرئاسة الجمهورية بياناً جاء فيه ان الدوائر المعنية فيها باشرت درس قانون الموازنة "وتبين أن ثمة لغطاً يحيط في شأن اقرار المادة 80 من الموازنة الأمر الذي يفرض جلاؤه، علماً ان فخامة الرئيس يدرك أهمية إقرار الموازنة ونشرها وانتظام الوضع المالي".
وبدوره أكد وزير الخارجية جبران باسيل خلال حفل افتتاح "اليوم العالمي للتذوق ويوم العرق" اللبناني في زحلة في حضور رئيس الجمهورية ميشال عون ان "ما حصل في المادة 80 من الموازنة ليس بسيطاً لناحية الاخلال بالتوازنات والتفاهمات والاتفاقات". وقال: "ما بتحرز انو نضرب التوازنات والتفاهمات والاتفاقات من أجل 400 موظف لإدخالهم فرضاً الى القطاع العام".
وأضاف: "لا نريد أن نحمّل الرئيس مسؤولية إعادة الموازنة كما اننا لا نريد أن نتحمّل الطعن في الموازنة لا داخلياً ولا خارجياً لأننا حريصون على البلد، لكن ما حصل يستأهل السؤال: ما معنى مقتضيات الوفاق الوطني؟ وما هي الشراكة؟"، مشدداً على وجوب التزام حذف المادة 80 من الموازنة إما بقانون وإما في الموازنة المقبلة و"عدم تكريس هكذا أعراف تضرب صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزير".
وكان باسيل صرح في مؤتمر صحافي سابق "ان لا موقف معطلاً للحكومة ولا نرفض المشاركة في أي جلسة يدعو إليها رئيس الحكومة، ونحن على رغم خطورة ما حدث في قبرشمون، الا اننا لا نريد ان تتعرقل الأمور في البلد". وأكد على "ان لا أحد يريد إلغاء أحد ولا أحد قادر على إلغاء أحد وليخرجوا من تاريخهم قبل ان يعكسوه على مستقبلنا، وهذه الأكاذيب يجب ان تتوقف ومناطق لبنان ستبقى مفتوحة على بعضها وانتهت الايام التي كان يقفل فيها اللبنانيون المناطق بعضهم على البعض".
ويشار الى ان رئيس الجمهورية زار بعد ظهر أمس مدينة زحلة حيث رعى حفل تدشين وترميم القصر البلدي، ثم الاحتفال بافتتاح "اليوم العالمي للتذوق ويوم العرق اللبناني"، الذي تنظمه وزارة الزراعة.
نصرالله
أما السيد نصرالله، فأعلن ان "حزب الله لا يختبئ خلف حليف أو صحيفة، ونحن لسنا ضعفاء أو جبناء ونملك كامل الشجاعة عندما نريد ان نواجه أحداً. عندما قلنا مع حلفائنا نتعاطى باحترام، نحن اذا لدينا مشكل مع أحد نواجه بشكل مباشر باعلامنا ووجوهنا ونحن مع مناقشة قضية قبرشمون في أول جلسة حكومية".
وقال إن "الضغط على حزب الله بهدف ان يضغط على النائب طلال ارسلان لن يحصل، ونحن الى جانب رئيس الحزب الديموقراطي، وسنصوت معه، ولا يجب أن يهرب أحد من استحقاق قبرشمون، ولا يجب تكبير الموضوع لتضييعه".

وأكد أنه "في حال دعا رئيس الحكومة الى جلسة فنحن سنكون أول الحاضرين وسنناقش قضية قبرشمون".
وتحدثت محطة "المستقبل" التلفزيونية مساء عن تجدد الكلام عن مبادرة جديدة لخرق الجدار القضائي الناشئ عن حادث قبرشمون، وان اللواء عباس ابرهيم الذي زار أمس الرئيس نبيه برّي، أعاد تشغيل محركاته في هذا الشأن، بعدما حصل على الضوء الأخضر من رئاسة الجمهورية. وفي المبادرة عودة الى اقتراح المضي باحالة قضية قبرشمون على المحكمة العسكرية، وانتظار القرار الظني ليبنى عليه فيما اذا كان هناك من داعٍ لنقل القضية الى المجلس العدلي أم لا.
ورأى مصدر حكومي مطلع ان المبادرة تتضمن قاعدة اساسية للحل، لكن سعي البعض الى ربط الدعوة الى جلسة مجلس الوزراء بمسار المبادرة، لا يقع في مكانه الصحيح، لا سياسياً ولا دستورياً. وشدد المصدر على ان الدعوة الى مجلس الوزراء أمر يبته حصراً رئيس الحكومة الذي خوله الدستور توجيه الدعوة واعداد جدول الأعمال، وكل كلام خلاف ذلك يرمي الى تعليق الدعوة الى أي اجتماع سياسي يقع خارج حدود الدستور، ولا مكان له في قاموس الرئيس سعد الحريري. ومجلس الوزراء بالنسبة الى رئيسه هو مجلس كامل الصفات والأعضاء والنصاب السياسي، وعندما يقرر الدعوة الى جلسة فإن الجلسة توجه الى جميع الوزراء دون استثناء، لأنه من غير المنطقي ان يتحول الى مجلس وزراء مبتور تحت وطأة هذه الأزمة أو تلك.
جنبلاط
وعلّق رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لـ "النهار" على ما ورد في كلمة نصرالله عن تداعيات حادث قبرشمون قائلا:"اني إستغرب كيف ان السيد نصرالله قفز فوق التحقيق القضائي وأصدر احكامه. وإحتراما لمعلومات السيد نصرالله أنصحه ان ينتظر ما سينتهي اليه التحقيق وما إذا كان الامر يتطلب مجلسا عدليا او محكمة عسكرية كي لا يتعرض للتضليل".
وكان نصرالله قد قال في هذا الصدد: "نحن نؤيد موقف الوزير السابق طلال ارسلان الذي اتخذه بنفسه". وسأل :"بأي منطق تمنعون بحث موضوع وزير زميلكم في الحكومة كاد أن يُقتل؟".
اقفال كسارات فتوش
وسط هذه الأجواء، برز تطور قضائي بارز للغاية تمثل في أصدار القاضية غادة عون اشارة قضائية بإقفال كسارات آل فتوش العاملة في النطاق العقاري لبلدة عين دارة. وأتت هذه الاشارة بعد الإخبار الذي قدمته "هيئة المبادرة المدنية" أمام النيابة العامة الإستئنافية في بعبدا والذي حقق في مضمونه مكتب أمن الدولة في عاليه والمفرزة القضائية في بعبدا. 
وغرد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط فكتب: "انني أهنئ القاضية غادة عون على قرارها باغلاق كسارات عين دارة وذلك حفاظاً على البيئة واملاك عين دارة. انه مطلب طال انتظاره لكن أخشى عليها من ان تتهم من قبل محور الممانعة بأن هذا القرار جزء من المؤامرة الامبريالية والصهيونية لذا أتمنى ان تتخذ كل الاحتياطات في مواجهة صواريخ الفتوش".

النهار - 27 تموز 2019

إرسال تعليق

 
Top