0
أبى وزير خارجية إيران إلا الاحتفال بالذكرى الأربعين للثورة الإسلامية في لبنان ومن قاعات الفندق المشرف على النصب - الشعلة الذي أقيم في مكان الانفجار الذي استهدف الرئيس رفيق الحريري؛ النصب الذي يرمز لعملية لاغتيال المتهم بها حزب الله المدعوم من إيران.
يحق للوزير الإيراني التباهي أكثر وأكثر بنفوذه في لبنان، خصوصا بعد أن جاهر النائب في كتلة "حزب الله" نواف الموسوي تحت قبة البرلمان بأن انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية حصل بقوة السلاح الإيراني، وهو ما ينزع عن عون الشرعية.
من هنا يتضح الدور التخريبي للدولة التي يمثلها الوزير الآتي تحت شعار "مساعدة لبنان على النهوض!".
غريبة هذه القدرة على ممارسة الازدواجية وإظهار عكس ما يضمره، أو حتى عكس ما تبينه الوقائع نفسها. فعدا عن أن اقتراحاته بتأمين الصواريخ والأدوية والكهرباء، التي ستؤذي لبنان وجهازه المصرفي في حال حدوثها، بسبب العقوبات الأميركية؛ تجده يقترح على لبنان التعامل بالعملات الوطنية. أي يقبض بالليرة اللبنانية المدولرة، مقابل تومان لا يساوي قيمة طباعته. فهل في هذا مساعدة للبنان أم لإيران؟ أليست هذه وصفة لحلّ بعض مشاكل بلاده المارقة عن الشرعية الدولية وزيادة هيمنته على لبنان؟ أليس هذا الطرح إهانة موصوفة لذكاء المواطن اللبناني؟
يروّج ظريف للصواريخ الإيرانية وأنظمتها للدفاع الجوي، فيما اللبناني يسمع بأذنيه أصوات الطائرات الإسرائيلية التي تحلق فوق رأسه كي تقصف المواقع الإيرانية في سوريا وتعود سالمة. في المقابل تعجز إيران عن الرد وحتى عن الاعتراف بخسائرها أو حتى مجرد الصراخ من الألم.
لذا لم يكن مفاجئا أن تمطر وسائل التواصل الاجتماعي عروض إيران بوابل من التعليقات الساخرة!
وأكثر ما أثار السخرية، تعلق بالعرض الإيراني بتزويد لبنان بالأدوية الإيرانية الرخيصة. فجاءت التعليقات من جمهور "حزب الله" نفسه، الذي عيّن وزير الصحة من حصته وكممثل له في الحكومة، ويقال إنه الطبيب الشخصي للأمين العام للحزب حسن نصر الله؛ كاشفة أن الوزير المعني يحمل الجنسية الأميركية، حيث درس وتخرج. 
والاستنتاج أن بروباغندا نجاعة الأدوية والطبابة الإيرانيين في واد، والفعالية والثقة في واد آخر. فجميعنا يعلم مأزق الإيرانيين في تطوير صناعاتهم، بما فيها الطبية، بسبب العقوبات. ناهيك عن أن صناعة الأدوية في لبنان أفضل مما هي عليه في إيران.
إنها مجرد محاولات تمويه وتجميل برسم الداخل الإيراني ودغدغة مشاعر التفوق والعظمة لتغطية البؤس الذي يغرق فيه الإيرانيون.
ولا تترك استطلاعات الرأي والتقارير مجالا للشك حول الأوضاع القلقة التي تعيشها إيران. وأعمدة النظام على اطلاع على التناقضات التي تنخر الجسد الإيراني. ولقد سبق للخامنئي نفسه، أن تخوّف من التحولات في ثقافة الشباب الإيراني محذرا من التغيرات التي تحصل داخل المجتمع. كما انتقد استهلاك البضائع الخارجية لأنها تفسد قيم الشباب. ناهيك عن تحذيرات على لسان المسؤولين أنفسهم من مصير مشابه لمصير الاتحاد السوفياتي، وخوفهم من أن إيران مهددة كفنزويلا التي يدعمونها.
غيّر الملالي، الذين استلموا الحكم منذ 40 عاما، وجه إيران. ويريدون تغيير وجه المنطقة واستعمارها. في الوقت الذي يعلمون تماما أنهم فشلوا في تحقيق أي من وعودهم الداخلية.
وفي عكس ما تظهره آلة الدعاية، فإن الأجيال الشابة، أي أكثر من 60 في المئة من السكان، رجالا ونساء، يفقدون الأمل ببلادهم وغير راضين عن المستوى الاقتصادي ولا عن الحريات أو نمط العيش في إيران. ويحمّلون المسؤولية للحكام ولرجال الدين الذين يخنقون البلاد والعباد وليس أدل على ذلك من الثورة المقموعة في العام 2009 والتظاهرات التي خرجت العام الماضي.
فالاقتصاد متهاو بسبب سوء الإدارة والفساد والانخراط في النزاعات العسكرية التي أشعلها هذا النظام. ما الذي يمكن أن يجعل المواطن الإيراني يقف مع نظام يصرف ثروة بلادهم على النزاعات العسكرية وميليشياته المذهبية؟
فاليوم، وبعد 40 عاما على حكم نظام الملالي، فإن النتيجة هي اقتصاد جعل حوالي 40 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر ـ بحسب النائب الإيراني رسول خضري. في حين كان حجم الاقتصاد الإيراني ضعف حجم اقتصاد كوريا الجنوبية زمن الشاه؛ فيما صار حجم اقتصاد كوريا الآن أضعاف حجم الاقتصاد الإيراني، رغم أن إيران تحتل المركز الرابع عالميا في احتياطي النفط الخام وثاني دولة في العالم في احتياطات الغاز.
وإلى جانب الانهيار الاقتصادي، تشهد إيران صراع أجيال؛ والمقصود هنا صراع يختلف عن ذلك الذي يتواجد بشكل طبيعي داخل المجتمعات، إذ أنه صراع بين المجتمع المدني الإيراني والمنظمات العسكرية وشبه العسكرية وفي داخل هذه المنظمات العسكرية والميليشياوية، كما ورد في تحقيق في الفورين أفيرز، لخصته صحيفة القدس، ويفيد بوجود صراع داخل هذه المؤسسات مع بروز طبقة طفيلية يصفها الجيل القديم بالفاسدة استفادت من النظام ولم تعرف المعاناة. الأمر الذي أفرز طبقة تعرف بالأغازاده بالعربية، أي "أبناء الأغنياء". ومعظمهم أولاد مسؤولين في الحكومة الإيرانية وأبناء رجال أعمال يتمتعون بحياة باذخة مستفزة تزيد حدة الصراع. يتكرر الأمر نفسه داخل "حزب الله".
أليس مستغربا كيف يمكنهم الاستمرار على نفس النهج واستخدام نفس اللغة الخشبية والخطاب الديني والأيديولوجي؛ فيما الملايين من الشباب والنساء يرغبون بالعيش كأقرانهم في العالم الغربي وعلى الطريقة الغربية.
تتكاثر التقارير عن ازدياد أعداد الملحدين، أو غير المتدينين في مصر وإيران؛ ويمنع غياب الإحصائيات العلمية من تبيان الأرقام الحقيقية، لكن ما يمكن تأكيده أن هناك تيار غير مرئي من الشباب اللامتدين الذي شبع من التعصب الإسلامي ومن تجارب الإسلام السياسي الذي برهن فشله في مختلف الدول، وإيران في مقدمتها.
أين يذهب المتمسكون بالخطاب المتشدد الديني (بمختلف مذاهبه) والاجتماعي والسياسي، في عالم يمكن لتقنياته المستقبلية أن تغير الإنسان نفسه وليس فقط مركباته وأسلحته؟ أين يذهبون، وإمكانية أن نرى كائنا بشريا غير عضوي لم تعد خيالا علميا؛ كائن يظل شابا إلى الأبد ولا يتوالد ولا حياة جنسية له ويمكنه أن يتشارك أفكاره مباشرة مع الكائنات الأخرى، وقدراته على التركيز والتذكر أكبر ألف مرة مما لدينا وهو لا يغضب ولا يحزن، ولديه انفعالات ورغبات قد لا نتمكن أن نتخيلها؟
العالم في واد وحكام إيران وحلفائها، في واد آخر. عن ماذا سيتمخض كل ذلك؟

منى فياض - الحرة - الاحد 17 شباط 2019

إرسال تعليق

 
Top