0
ثلاث سنوات على ولادة «لقاء الجمهورية» بمبادرة من الرئيس العماد ميشال سليمان، لم يتوقف خلالها هذا التجمّع السياسي العريض عن الإحاطة بأوضاع لبنان من جوانبها كافة، بدءاً من القوانين والأنظمة، والدستور وأهمية التمسك بمندرجاته كاملةً، وصولاً إلى كلّ ما يعانيه الشعب اللبناني على مرّ السنوات وما زال، من أزمات تطال مختلف جوانب حياته اليومية، وفي مقدمها الاقتصاد المتعثّر الذي يئن الجميع تحت وطأة عجلته الثقيلة.
لم يتوانَ «لقاء الجمهورية» يوماً عن التأكيد على الدستور وتحصينه في كلّ مفصل سياسي ومنعطف دقيق تمر بهما السياسة في لبنان، حيث لم يطبق الساسة شيئاً من المبادىء الدستورية، ودائماً ما يحاول السياسيون الإلتفاف عليها في خطوة تحاكي تحقيق مصالحهم ومطالبهم ومتطلباتهم. ومن هنا، لا بدّ من القول إنّ المشكلة تكمن في الممارسة وليست في النصوص، التي حافظت على المصلحة العامة بموازاة مراعاة صلاحيات كلّ فريق سياسي في البلاد.
الأكيد أنّه عند التزام الدستور والقوانين، لا حاجة للتوافق والإتفاقات والتسويات، هذه التسويات التي تذوب فيها مفاعيل الدستور، وهو الطائف، الذي يحمي الجميع، ويتساوى بحكمه الجميع...
إنّه لأمر مؤسف أن تكون السياسة اللبنانية محكومة دائماً بالتوافق السياسي الذي تخطى كلّ حدود وصولاً إلى صغائر الأمور، حتى بتنا كمن يرتكب الكبائر يومياً من خلال انتهاك المبادىء التي يفترض بنا أن نصونها، لا بل أن يصونها الساسة الذين أقسموا على تطبيق الدستور لحفظ البلد.
من هنا، كانت الحاجة لبقعة ضوء في «عتمة الأداء الدستوري السيِّىء»، وكان «لقاء الجمهورية» الذي تخطى حدود السياسية الضيقة، فقفز فوق المصالح الشخصية الضيقة والآنية، التي لا تبني بلداً ولا تقيم دولة مؤسسات، نحتاج جميعنا إليها في ظل التشرذم السياسي من جهة، والتخبط الإقتصادي من جهة أخرى، كما التعرض للطائف، واستمرار انتهاكه بين الحين والحين من كلّ جهة وزاوية، انتهاك يتكرر أو يرجوه البعض عند كلّ أزمة ومأزق لغايات وغايات.
ومع أهمية التمسّك بوثيقة الوفاق الوطني أو ما يعرف بالطائف، فإننا كذلك لا يمكن أن نتغاضى عن بعض الثغرات فيه، وهي التي تحدّث عنها الرئيس ميشال سليمان عندما شرح في مؤتمر صحافي عقب انتهاء ولايته الرئاسية، العقبات التي اعترضته إبّان فترة حكمه. وكذلك تجرأ «لقاء الجمهورية» الذي قضى في مسار لتحصين وثيقة الوفاق الوطني، على القول إنّه لا بد من معالجة بعض هذه الثغرات. لكن إجراء ورشة تعديلات دستورية لا تمسّ روحية الدستور، وإنما تزيل الثغرات التي ظهرت فيه من خلال الممارسة، لتجنيب البلاد ما تسبّبه هذه الثغرات من تعطيل للمؤسسات الدستورية في بعض الاحيان.
لقد حرص «لقاء الجمهورية» على دعم الرئاسة الأولى، كائناً من كان على رأسها، لكنّه أيضاً لم يصمت إزاء الخرق والخطأ سعياً لتصويب البوصلة الصواب… وعلى خطى ومسار وثيقة «إعلان بعبدا» سعى في التصويب ملتزماً مبدأ الحياد الذي لا يمكن أن نحافظ على لبنان إلا من خلاله، وكذلك متمسكاً بنهج الوسطية والإعتدال، ورافضاً بالتالي مبدأ الأحادية والتفرّد.
إننّا في هذه المناسبة، وفي هذا الظرف الدقيق الذي نمرّ به في لبنان، نؤكّد أهمية التمسّك بكل ما سبق، التمسك بالطائف نصّاً وروحاً وتطبيقه، في ظل التشديد على أنّ الدولة وحدها، بمؤسساتها، هي من يفترض أن تظللنا كي نكون سواء، لا غبن فيها لأحد. فهل لدولة أن تستوي مفاصلها في ظلّ وجود دويلة ضمنها؟ في ظل وجود سلاح بموازة آخر شرعي؟ إنّ العدالة لا شك تستوجب الإستواء على خط النظام الشرعي للدولة، التي يُفترض أن تُمسك بقرارها، وقرار حربها وسلمها.
أخيراً، إنّ البلد تعب، والمواطن كلّ وملّ، إذ لم يعد باستطاعته تحمّل عبء أزمات وملفات الخارج.. لم يعد بإمكانه أن يتحمّل حرب الآخرين على أرضه، هذه الحروب التي دمّرت ليس فقط بنيته وأهلكتها، إنّما أهلكت بنيته البشرية. فإلى أين نذهب ببلد الشرائع فيما نرى بلداناً أخرى تزدهر وتتقدّم؟ إنّ اللبناني خلّاق في طبيعته، مبدع بفطرته، وهو دائماً ما يحلّق في الخارج محققاً نجاحات باهرة.. فقد آن الأوان لأن يعيَ المسؤولون مسؤولياتهم ويعملوا لتأمين الأرضية الخصبة لإبداعات اللبناني، بدلاً من التمترس خلف مطالب لا طائل منها سوى إهلاك البلاد والعباد.. أن نؤمّن بعنصر الشباب ونسعى جاهدين لتحقيق طموحاته في بلاده لهو خير سبيل للإرتقاء بالوطن، فنرتقي به.

المحامي صالح المقدم - اللواء 21 كانون الثاني 2019

إرسال تعليق

 
Top