0
كتب علاء الدين سلطاني - للمدرب العالمي أليكس فيرغسون مدرسة خاصة به في التدريب.. ومن خلال متابعتي له خلال أكثر من عشرين عاماً أحاول في هذه المقالة فهم معالم وتفاصيل الفكر التدريبي الذي يعتمده.

فالمدرب الاسكتلندي يبدو متأثرا كثيرا بالطبيعة الاسكتلندية التي تميل إلى الاقتصاد في الإنفاق والادخار، وغالباً ما تكون الشخصية الاسكتلندية محط سخرية للأوربيين الذين يرون في الاستكلندين نموذجاً للشعب البخيل.. لم يكن فيرغسون بخيلاً في شراء اللاعبين لكنه كان حكيماً ومقتصداً ويعرف ماذا يريد.
 
أليكس فيرغسون مدرب قادر دائماً على صناعة (فريق نجم من 11 لاعب عادي)... لديه قدرة على تكوين عقد متلألئ لكن دون أن يستخدم الأحجار الكريمة.. إنه يختلف كثيراً عن جوزيه مورينيو مثلاً، الذي يحب أن يكون لديه في كل مركز لاعباً نجماً، وحين يمتلك 11 نجماً يضع لهم الخطة المناسبة ويستخرج طاقاتهم الكامنة كلها.

أحد الخبراء الاقتصاديين قدر المبالغ التي أنفقها مورينيو على شراء اللاعبين في تشلسي وانتر ميلان وريال مدريد ب 800 مليون يورو، مورينيو يحقق نتائج لكن بكلفة عالية بينما فيرغسون يحقق الألقاب بأقل كلفة ممكنة.. أليكس فيرغسون أكثر إبداعاً لأنه يصنع من 11 لاعباً عادياً فريقاً غير عادي.. 

إنه يزرع فيهم الاتحاد واللعب الجماعي، فكل لاعب من فريقه يفكر كيف يمرر الكرة لزميله في أفضل طريقة وينتقل ليحصل على مركز جديد ويتلقى الكرة ويمهدها بعد ذلك لغيره حتى يصلوا إلى المرمى، أليكس فيرغسون يحب اللاعب الذي يتقن التمرير بدقة ويكره اللعب الفردي، وفيرغسون له فضل كبير على كريستيانو رونالدو حين طور أسلوب لعبه وجعله جماعيا وبعيدا عن الأنانية والفردية وجعله يوجه موهبته في مصلحة الفريق ككل.

فيرغسون أستاذ اللعب الجماعي بامتياز، وهو يركز كثيراً على حركة اللاعب من دون كرة وعلى التمرير المحكم ويكره اللعب الفردي ولا يعتمد عليه أبداً وربما هذا سبب عدم اعتماد فيرغسون على لويس ناني.

ومن معالم مدرسة اليكس فيرغسون التدريبية هي قدرته على اكتشاف اللاعبين الموهوبين وهم في بداية طريقهم سواء كانوا ضمن ناشئي اليوناتيد أو في فرق أخرى وقد أثبت ذلك في حالات كثيرة فقد راهن على رايان غيغز و كانتونا والمكسيكي خافيير هرناندز وبيتر شمايكل وداني ويلبك وتوم كليفرلي وروي كين وجميعهم لم يكلفوا النادي كثيرا، الأمر لا ينتهي هنا بل فيرغسون قادر دائما على تطوير مستواهم ليصلوا إلى القمة، إنه يعرف نقاط الضعف في كل لاعب ويحاول أن يخلصه منها ويقوي فيه نقاط القوة ويزيدها تألقا وبروزا.

في الخيارات الخططية يفضل فيرغسون خطة 4-4-2 وهي خطة منظمة جدا ويعتمد عليها الكثير من المدربين لأن هذه الخطة أكثر الخطط تنظيما وتحديدا لمواقع اللاعبين فهناك مدافعان رئيسيان (مساكان) وظهير أيمن وأيسر ثم في خط الوسط لاعب وسط مدافع (ارتكاز) ولاعب وسط مهاجم (صانع ألعاب) وجناح أيمن وجناح أيسر ثم مهاجمان، وإذا أراد فيرغسون أن يغير الخطة ليجعلها دفاعية فإنه يلعب بـ 4-5-1 أو لنقل 4-4-1-1، ليزيد من الكثافة في خط الوسط ويهاجم بلاعب واحد، خطة 4-4-2 واضحة وسهلة ولا يوجد تبادل في المراكز وفيها يعرف كل لاعب مهمته بالضبط ودون تعقيد.

لكن من الأمور التي تلفت الانتباه في أليكس فيرغسون هو عدم الثبات في التشكيل وأقصد هنا عدم الاعتماد على لاعبين محددين، فهو كثير التبديل والتغيير في اللاعبين ونادرا ما يلعب بنفس اللاعبين في مباراتين متتاليتين، وهذا أمر يحير المتابعين والنقاد لأنه يغير في التشكيل لكل مباراة 4 أو 5 لاعبين دفعة واحدة ولا يعرف أحد أبدا بأي لاعبين سيلعب في المباراة القادمة. 

لكن الغريب أنه برغم ذلك نجد أن الفريق يفوز ويحقق الألقاب وهو أمر يثير الاهتمام.. وهو دليل على أن أليكس فيرغسون يتابع لاعبي فريقه كلهم أي الـ30 لاعبا المسجلين في النادي رسميا ولا يصب اهتمامه على 20 أو 15 لاعبا فقط كما يفعل أغلب المدربين، وكأن فيرغسون أب يحب أن يلعب جميع أبنائه في كل موسم.

لكن من عيوب أليكس فيرغسون – وفق رأيي الشخصي – هو تغييره لمراكز اللاعبين وهو أمر ينتهي غالبا بالإخفاق، ففيرغسون يدفع أحيانا بلاعبين مدافعين في خط الوسط، وأحيانا يجعل مهاجما جناحا أيمن او أيسر ويجعل في بعض الأحيان "لاعب وسط" قلب دفاع، والكرة الحديثة كرة اختصاص فكل لاعب مختص بمركزه يتقن كل مهام ومسؤوليات هذا المركز واللاعب الذي يلعب في أكثر من مركز انقرض من سنين لأن الكرة الحديثة كرة تكتيكية دقيقة والهفوات الصغيرة قد تتسبب بهزائم كبيرة، لذلك وكما قلت فإن هذه المحاولات تنتهي بالإخفاق ومن أمثلة ذلك اعتماده في بعض الأحيان على صانع الألعاب كاكاجوا كجناح واعتماده على المدافع الدولي الإنجليزي فليب جونز كلاعب وسط وكذلك وضعه في بعض المباريات لمايكل كاريك في مركز المدافع وأحيانا يضع غيغز في مركز صانع الألعاب وكل هذه التغييرات بات بالفشل للأسف.

ومن عيوب فيرغسون أنه أفضل مدرب في العالم في قراءة الخصم ووضع الخطة المناسبة قبل المباراة لكنه لايغير الخطة أثناء اللعب ليتكيف مع النتيجة أو الأحداث، فهو لا يغير أسلوب اللعب في الشوط الثاني إلا نادرا ويكره أن يبدل لاعب في وقت مبكر وتبديلاته قليلة جدا وغالبا ما تكون بعد الدقيقة الـ75 أو الـ80 ليكون التبديل متأخرا جدا وغير مجد أبدا. 

هذان العيبان الصغيران غارقان في بحور الإيجابيات والإبداعات في فكر فيرغسون الخططي والتدريبي، وجميعنا يدرك أنه لا وجود للمدرب الكامل فالكمال لله وحده، ورغم ذلك يبقى فيرغسون أسطورة تفوق في تفاصيلها أساطير.

اليونان وبطولاتهم

يمكن في النهاية أن تختصر الإبداع في مدرسة فيرغسون التدريبية في الأمور الآتية

1- عينه الثاقبة والخبيرة في اختيار اللاعبين الشباب وتطوير مستواهم.

2- القدرة على إنشاء فريق قوي يحصد الألعاب من مجموعة من اللاعبين العاديين.

3- القدرة على خلق الانسجام والتركيز على اللعب الجماعي وجعل الفريق كروح واحدة وجسد واحد يتحرك سوية.

4- القدرة على الاعتماد على أكثر من لاعبين أو ثلاثة في كل مركز والاستفادة من كل لاعب في الفريق في الوقت المناسب.

5- عدم الإسراف في الإنفاق والمتابعة الدائمة للناشئين في جميع أنحاء العالم والتعاقد السريع معهم.

6- التوازن في الدفاع والهجوم وتغيير أسلوب اللعب وأسلوب الوصول إلى المرمى والاهتمام بالأجنحة.

في النهاية يجب أن نتكلم عن بعض الصفات النفسية لهذا المدرب الكبير. فيرغسون يبدو هادئا خلال المباراة لكنه في داخله يغلي غليان المرجل.. وهو عصبي جدا داخل غرفة الملابس ورغم ذلك فهو يحترم جميع اللاعبين مهما كان مستواهم ويمتلك القدرة على الصبر على اللاعبين ليحصلوا على فرصتهم الكاملة، وهو حازم جدا لا يتردد في اتخاذ القرارات الصعبة والمصيرية، ويعرف كيف يخوض معاركه داخل الملعب وخارجه وقد فرضه احترامه على الجميع حتى على خصومه. وبرغم دخوله في معارك كلامية مع عدد كبير من المدربين كآرسين فينغر ومورينيو إلا أنه ظل دائما راقيا ومحترما في أسلوب كلامه مبتعدا عن التجريح والإثارة.

أليكس فيرغسون سيبقى ملهما للعديد من المدربين الحاليين والمدربين القادمين وسيكون الأسطورة الحاضرة دائما في الأذهان ولن ينسى أبدا.. 

سبيقى يعلم الأجيال القادمة من المدربين الصبر والاجتهاد والإيمان بالقدرة على النجاح والفوز والوفاء لنادي واحد طيلة 27 عاما.. أليكس فيرغسون أسطورة مانشستر الحية 1986 – 2013

خاص "ليبانون تايم" 10\4\2014



إرسال تعليق

 
Top