0
على أهمية الأسئلة الكثيرة التي تركتها أحداث الجاهلية في توقيتها وأبعادها، إلا أنه لا يمكن فصلها عن التداعيات المباشرة لعملية تعطيل تأليف الحكومة منذ ما يقارب السبعة أشهر، حيث لا يزال المعطلون يحاصرون الرئيس المكلف سعد الحريري بشروطهم، لمنعه من تأليف الحكومة إذا لم تكن وفق هذه الشروط ولو بقي الفراغ الحكومي سنوات، على غرار الفراغ الرئاسي الذي دام سنتين ونصف السنة. ومن الطبيعي أن يعمد المعطلون أنفسهم إلى زيادة الضغوطات على رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس الحريري معاً، بتحريك الشارع وإرسال الرسائل إلى من يعنيهم الأمر بأن لا حكومة إذا لم يتم توزير سنة الثامن من آذار، في الوقت الذي لا تشير المؤشرات إلى أن هناك أملاً بنجاح مهمة الوزير جبران باسيل الذي يحاول الحصول على موافقة النواب السنة خارج تيار المستقبل، بتوزير شخصية قريبة منهم، باعتبار أن هؤلاء النواب يصرون على أن يتمثلوا بأحدهم، وهو ما يرفضه الرئيس الحريري، في حين أن الرئيس عون يبدو مسانداً للرئيس المكلف في موقفه من هذا الموضوع، ويرفض ما يتعرض إليه من ضغوطات هدفها دفعه إلى تقديم المزيد من التنازلات لصالح خصومه.

وإذا كانت أحداث الجاهلية قد رسمت ظلالاً من الشك حول مدى قدرة الأطراف على السير في عملية تأليف الحكومة، فإنها في الوقت نفسه أثارت المخاوف على الاستقرار الداخلي، انطلاقاً من الجبل الذي يبدو أن هناك من يخطط لاستهداف أمنه، وإلا ما هو تفسير إقدام موكب سيار مؤيد للوزير السابق وئام وهاب ومدجج بالسلاح وفي خطوة استفزازية على التوجه إلى المختارة، بما تحمله من رسالة مباشرة إلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي تمكن بحكمته من تجاوز المكمن الذي كان معداً له، بدعوة مناصريه إلى التعقل والهدوء، والتأكيد على دعم الجيش في مواجهة الفوضى والذين يروّجون لها.

ولا تخفي أوساط قيادية في تيار «المستقبل»، خشيتها من محاولات للعب بالورقة الأمنية من جانب الذين يأسرون الحكومة، كأداة ضغط جديدة على القيمين على عملية تأليف الحكومة، بعدما شعروا باستحالة الاستجابة لمطلبهم بتوزير سنة الثامن من آذار، وبالتالي فإن ماجرى في الجاهلية لا يبدو معزولاً عن محاولات هذا الفريق توتير الأجواء ولو على حساب الأمن للحصول على مبتغاه.

وتشدد معلومات «اللواء»، نقلاً عن مصادر سياسية على أن الجيش مدعوماً بغطاء سياسي من أعلى الهرم لن يسمح لأي كان بتهديد السلم الأهلي، وهو قد أبلغ ذلك إلى المعنيين الأسبوع الماضي، مشيرة إلى أن رئيس الجمهورية قد أعطى تعليماته للجيش والقوى الأمنية بضرورة التشدد في حفظ النظام والأمن، باعتبارهما خطاً أحمر ليس مسموحاً لأحد تجاوزه، بدليل لجوء الوزير السابق وهاب بعد مقتل مرافقه إلى التهدئة وعدم التصعيد، لأن أحداً غير قادر على إطفاء الحريق في حال اشتعاله، ما يستوجب من القوى السياسية العودة إلى لغة الحوار لتسهيل ولادة الحكومة وتجاوز المطبات التي تم وضعها في طريقها.

وتوقعت المصادر أن يصار في الأيام المقبلة إلى سلوك التهدئة، بعدما يكون القضاء استمع إلى إفادة وهاب، على أن تأخذ القضية منحاها القضائي، بما يساعد على التخفيف من أجواء التوتر والاحتقان السائدة.

عمر البردان - "اللواء" - 4 كانون الأول 2018

إرسال تعليق

 
Top