0
بعد تفاعل أزمة تشكيل الحكومة مؤخراً بفعل إختراع «حزب الله» لمطلب توزير ممثّل عن النواب السنّة التعجيزي وذلك قبل ساعات من إصدار مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة ورفض رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الانصياع لهذا المطلب اللامنطقي بالرغم من حملة التهديد والوعيد الذي واكبته، لم يتردد الحزب في الترويج الإعلامي انه بصدد البحث عن اسم بديل للحريري ليتولى تشكيل الحكومة العتيدة في حال بقي الرئيس المكلف مُصراً على موقفه الرافض هذا ولأن الوقت الممنوح له للتأليف انتهى وإلى ما هنالك من تعابير مبطنة تحمل في طياتها تحذيرات وتحديات وما شابه، وفي الوقت نفسه يردد بعض المسؤولين الحزبيين مقولة بأن الحزب ما زال متمسكاً بوجود الحريري على رأس الحكومة المرتقبة وذلك بالتزامن مع تحريض مكشوف لاتباع الحزب لاستهداف الرئيس المكلف بأبشع العبارات الممجوجة كما هي عادة الحزب في التعاطي مع خصومه السياسيين حيال نشوب أي خلاف على القضايا والممارسات الداخلية والخارجية.

لا يخفى ان هدف تعاطي الحزب على هذا النحو في أزمة تشكيل الحكومة، يرمي إلى ممارسة حملة ضغوط على رئيس الحكومة كي يغيّر موقفه ويتنازل عن رفض مطلب توزير ممثّل عن النواب السُنّة التابعين للحزب، وهذا بالطبع إذا كان هذا هو الشرط والمطلب الوحيد المتبقي حتى يسهل الحزب المشكلة ويفرج عن أزمة تشكيل الحكومة وإلا فإن عدم التجاذب والانصياع يعني استمرار الأزمة إلى ما شاء الله.

ولكن في ممارسة الحزب وتلميحاته وتهديداته لإبتزاز رئيس الحكومة للانصياع إلى مطلبه التعجيزي وقع في جملة مغالطات لا بدّ من الإشارة إليها وهي التلويح باستبدال رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري برئيس حكومة آخر كي يتولى تشكيل الحكومة الجديدة، وكأن وجود الحريري على رأس الحكومة هو حسنة يمنّ بها الحزب عليه هكذا لوجه الله سبحانه وتعالى ومتى أراد أن ينزعها فبإستطاعته أن يفعل ذلك بسهولة دون حسيب أو رادع لذلك.

صحيح، أنه باستطاعة الحزب التأثير الفاعل في الحياة السياسية وبإمكانه عرقلة، تشكيل الحكومة وهذا أمر لا ينكره عليه أحد وهو ما يفعله حالياً بكفاءة وعن سابق إصرار وتصميم وهي ليست المرّة الأولى التي يمارس مثل هذه العرقلة والتعطيل ولن تكون الأخيرة. ولكن بالمقابل لا بدّ من تذكير الحزب ولا سيما المتشدقين بمثل هذه التعابير الجوفاء بأن تكليف الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة وقبلها لم يأتِ هكذا ككرم أخلاق وعطاء دون مقابل من الحزب أو غيره من القوى السياسية الأخرى، بل فرضته جملة وقائع أهمها موقعه في التركيبة السياسية والشعبية على الساحة الداخلية والثقة الشعبية بوجوده في سدة الرئاسة الحكومية بالإضافة إلى الثقة الإقليمية والدولية والدعم الكبير الذي يحظى به على كل المستويات وهي صفات ليست متوفرة بأي شخصية سياسية أخرى ولا سيما من يلوح الحزب بهم لتولي مثل هذه المهمة، في حين يعرف القاصي والداني وقوف الأركان الأساسيين وفاعليات أهل السنة مجتمعين وراء رئيس الحكومة المكلف داعمين لمواقفه ومؤيدين لأدائه السياسي في مواجهة كل الذين يحاولون النيل منه أو التعدّي على صلاحياته الدستورية.

ولا شك أن فشل تجربة «حزب الله» بالتكافل والتضامن مع نظام بشار الأسد المتهالك بالانقلاب على حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الحريري عام 2010، بالرغم من كل الوعود والتعهدات المقطوعة بعدم سلوك مثل هذا الخيار واستبدالها بحكومة موالية بالكامل يومذاك والفشل الذريع الذي منيت به على كل المستويات وما سببته من فوضى سياسية وتردٍ أمني وتراجع اقتصادي، لا يُشجّع إطلاقاً على تكرار مثل هذه التجربة الفاشلة والتي انعكست سلباً على الشعب اللبناني برمته وتدل بوضوح على هشاشة التهويلات التي يلوح بها قادة الحزب لابتزاز الرئيس الحريري وحمله على الانصياع لتوزير ممثّل عن النواب السنة التابعين للحزب أو حتى ما يفرض عليه مستقبلاً من مسائل وقضايا ليس مقتنعاً بها.

وفي الخلاصة فإن ما بلغه الوضع القائم حالياً يؤشر بوضوح على أن مثل هذه الأساليب الاملائية لم تنفع في حلحلة أزمة تشكيل الحكومة الجديدة، ولا في حمل الرئيس المكلف على تغيير مواقفه وتوجهاته بالرغم من حرصه على الافساح في المجال امام اقتراحات الحلول المطروحة لإيجاد المخارج المعقولة والمقبولة لهذه الأزمة، بل زادت التعقيدات وادخلت البلاد في حالة مفتوحة من الفراغ الحكومي المفتوح، الا إذا اعاد الحزب مراجعة مواقفه من جديد واقتنع بالمخارج المطروحة لحل الأزمة ضمن المنطق والتوازنات القائمة.

معروف الداعوق - "اللواء" - 27 تشرين الثاني 2018

إرسال تعليق

 
Top