0
لعلّ الرئيس الشهيد بشير الجميل من أكثر الشخصيات الجدلية في تاريخ لبنان المعاصر. والانقسام حوله على أشده، ولم يزل رغم مرور 34 عاماً على استشهاده. ففي ذكرى اغتياله امس، تحركان كما العادة: الاول يحيي ذكرى بطل من بلادي أسس المقاومة اللبنانية في وجه احتلالين سوري وفلسطيني، والثاني معترض لأن بشير وغيره تعاونوا مع الاحتلال الاسرائيلي. ويعتبرون ان العمالة صارت وجهة نظر، ويرفضون تبرير الواقع باعتباره تطبيعاً فكرياً.


كلا الفريقين على حق. والعمالة صارت وجهة نظر فعلياً، إذ إن معظم الأفرقاء اللبنانيين تعاملوا ويبررون تعاملهم مع الخارج، أياً يكن هذا الخارج، لا فرق. عندما تتقدم المصالح الخارجية على المصلحة الوطنية، عندها لا شقيق ولا صديق، بل أعداء بالجملة. وأعداء لبنان كثر في هذا المجال. نتفق على أن الاسرائيلي أولهم، لأنه رفض صيغة لبنان التعددي المتنوع، وسعى الى ضربها وتفتيت البلاد وتقسيمها دويلات بعد تقطيع شرايينها. وقد تعاون معه كثيرون، قسم كبير من المسيحيين في طليعتهم، وذلك في ظروف معقدة كانت تهدد وجودهم. ومصدر التهديد كان مواطنيهم "العملاء" للفلسطيني اولاً، وللسوري من بعده. وربما يكونون دفعوا دفعاً الى احضان الدولة العدوة، بعدما ضاقت بهم سبل العيش مع مواطنيهم، إذ حوصروا وقصفوا وخطفوا وقتلوا، وحكم لبنان "ابو عمار" بالتهديد والترغيب، وبدعم ناقمين وطامحين. كل هذا لا يبرئهم من التهمة في ظروف طبيعية، لكن في أوضاع استثنائية يصبح تقويم الامور وجهة نظر قد لا تمت الى الواقع بصلة، لأن هدفهم لم يكن خدمة الاسرائيلي بقدر ما هو محافظة على لبنانهم وعلى وجودهم فيه.
 
وقد ارتسمت في أذهان المسيحيين صورة الفلسطيني عدواً، يحاول أن يسرق البلد، ويحوله وطناً بديلاً من وطنه الذي أضاعه منذ أكثر من نصف قرن، ولا يزال، ربما بإرادة منه، او بتخاذل كل العرب والمسلمين. وتحول الفلسطيني لاحقاً عدواً لفئات واسعة تقاتلت معه وحاربته، وابرزها حركة "امل".
 
أما السوري فحدث ولا حرج، والكل يتذكر كيف حاصر المناطق الشرقية، وكيف خنق زحلة، وكيف استعمل مدافعه ضد اللبنانيين، وطياراته الحربية قصفت قصر بعبدا، واجتاحت قواته وزارة الدفاع، ونفذت مخابراته عشرات الاغتيالات. فهل يعتبر "التعاون" معه أقل من عمالة؟ وقد تحول لاحقاً من عدو للمسيحيين الى عدو للسنة والدروز وبعض الشيعة.
 
ليس المجال هنا للتأريخ الصعب والمعقد في لبنان، ولا لإطلاق تهم العمالة يميناً ويساراً، او لادانة احد، او لتبييض صفحة آخر، بل هو تذكر بسيط للاحداث المتلاحقة من وجهة نظر واحدة ربما، لكنها بالتأكيد تعبر عن واقع يعني كثيرين، واستذكار الشيخ بشير اليوم، كما غيره في باقي الايام، يجب ان يكون دافعاً الى تسويات ارتضيناها جميعاً، ومعها واجب احترام الاخر في الوطن، واحترام ذكرى من يعبر عنه.


غسان حجار - "النهار" - 15 أيلول 2016

إرسال تعليق

 
Top