0
في كل مرة يطلق رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط مواقف تتصل بالأداء السياسي لأحد المكونات اللبنانية، يستمر صداها بالتتابع لدى من يعنيهم الأمر، تحليلاً ولوماً، وبحثاً عما «التقطت المجسّات الجنبلاطية من إشارات خطيرة تستوجب عناية استثنائية».
وما قاله وليد جنبلاط، في حديثه مؤخراً لـ «السفير»، كان موضع نقاشات لدى القوى المسيحية على ضفتي الانقسام السياسي، ولكن هذه المرّة من موقع أن «كلامه قارب نصف الكوب، بينما كان المأمول منه أن يفرش الحقيقة كاملة من موقع الانطلاق في بحث جدي عن أسباب جوهرية افضت الى انحسار الدور المسيحي، وخاصة الماروني الذي يظهر عند الاستحقاقات مكبلاً وعاجزاً عن إتمام ما يعنيه، لا سيما لجهة توحيد الموقف، بما يدفع المكونات الأخرى للأخذ في عين الاعتبار التوجهات المسيحية في هذه الاستحقاقات التي تبقى ذات بعد وطني وإن كانت تعني شراكتها في ادارة الشأن العام وصياغة القرار الوطني».
هذا الكلام خلاصة نقاش بين قيادات مسيحية التقت مؤخراً وشارك فيها أحد الذين رافقوا عهود ما يُسمّى «العصر الذهبي» في لبنان والذي قال «انطلاقاً من المواقف التي أدلى بها جنبلاط في حديثه المذكور، والتي أشار فيها الى ان الموارنة يتقنون فعل الانتحار، فأنا كنت أردد في السابق ولازلت على قناعتي أن معظم القيادات المارونية، باستثناء قلّة معروفة وموصوفة بإنجازاتها، لا يفقهون في العمل السياسي أبعد من أنوفهم». ويضيف السياسي في معرض نقده للمارونية السياسية «أن فشلها في القرن الماضي يوم كان دستور 1943 هو القائم، لم يقتصر فقط على عدم قدرتها على قيادة شؤون البلد، بل لم تستطع أن تبني دولة قوية وقادرة تمتلك كل مقومات الدول السيدة والمستقلة نتيجة السياسة الفوقية، والتي كان يصفها في حينه قادة في ما يُسمّى الحركة الوطنية بالعنصرية التي كانت تمارسها معظم القيادات المارونية في أدائها السياسي».
يتوسّع النقاش في الجلسة فيرى أحد المشاركين «أن أسوأ ما في عجز القيادات المارونية عن بناء الدولة المنشودة، أنها سلّمت قيادة السفينة اللبنانية بعد اتفاق الطائف الى مَن هو أقل منها كفاءة على المستويين الميثاقي والسياسي، عنيت بها السنية السياسية، بدليل ما أعقب كلام جنبلاط خلال المناقشات في مجلس النواب حول من يترأس اجتماعات هيئة إدارة الكوارث، حيث رفض نواب تيار المستقبل ومعهم نواب 14 آذار أن يترأس رئيس الجمهورية اجتماعات الهيئة على غرار ترؤسه اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع، علماً أن رئيس الحكومة يرأس نحو 40 هيئة».
يعتب أحدهم على جنبلاط لأنه لم يتطرق الى هذه المسألة لأنه «باعتقادي، واستناداً الى تجربة 25 عاماً من دستور الطائف، فإن السنية السياسية تتصرّف بأسوأ مما تصرّفت به المارونية السياسية في إدارة الحكم، حيث إن المارونية السياسية لم تكن مذهبية الطابع بقدر ما كانت سياسية المنهج وتضمّ في صفوفها قيادات إسلامية وأخرى مسيحية بارزة من غير الموارنة. في حين أن السنية السياسية تجاهر بمنهجها المذهبي الذي يرفض المشاركة الميثاقية مع المكونات الأخرى، وكأن الطائف نصّ مُنزَل لا يمكن الاجتهاد أو التحسين فيه، والقيادات المسيحية والإسلامية التي تسير في ركب السنية السياسية هي حليفة معها في ما يُسمىّ قوى 14 آذار من دون أن يكونوا شركاء في القرار، وهذا الأمر سيؤدي حتماً إلى فوضى سياسية بوادرها ما نحن عليه في يومنا الحاضر، وقد تؤدي إلى فوضى دستورية تفرغ المواقع الدستورية من مضمونها إذا لم تسارع السنية السياسية إلى استدراك هذا الخطأ الذي تمارسه من موقع أحادي يرفض مشاركة الآخرين في السلطة الإجرائية، بمن فيهم رئيس الجمهورية».
وإذ يستذكر سياسي آخر «الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي كان شديد الحرص على معرفة موقف المسيحيين، كما المكونات الاسلامية الاخرى من أي توجه سيسلكه بخصوص استحقاق ما أو ملف اساسي، ويأخذ بالحسبان مواقف الشركاء في الوطن»، حذّر «من أن الاستمرار بالسلوك القائم بات يحتم الذهاب الى عقد اجتماعي وطني جديد، ليس على قاعدة انتزاع صلاحيات إنما تحصيناً لصيغة العيش الواحد، الضمانة الوحيدة لعدم تعرّض الكيان الى اهتزازات بنيوية خطيرة»، داعياً في الوقت عينه «الرئيس تمام سلام ابن الرئيس الراحل صائب سلام، اي ابن الصيغة اللبنانية، الى عدم التردّد في أخذ المبادرة داخل المكون الذي يمثله راهناً في رأس السلطة التنفيذية، وهو قادر على ذلك إذا استوحى الروحية التي حكمت أسلوب الحكم لدى والده والتي كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري شديد التأثر به».
انتهى النقاش إلى خلاصة «أننا بحاجة الى صدمات جنبلاطية متتالية لعلنا نستفيق من سباتنا، ولذلك نحن مضطرون إلى أن نأخذ الكلام الجنبلاطي بنية ايجابية تنبع من حرص لا من تهديم».

داود رمال - السفير 17\3\2015

إرسال تعليق

 
Top