0
القى الحدث الأمني العراقي المستجد والمتمثل بتمدد تنظيم "داعش" ليسيطر على ما يعادل (وفق بعض المعلومات) نحو ثلث مساحة الاراضي العراقية بظلاله الثقيلة على الواقع اللبناني سياسياً وأمنياً، نظراً لعناصر التشابه والمعطيات "التبادلية" بين الوضع في البلدين. وعليه فإن السؤال المطروح بات منذ الآن فصاعداً: هل بالامكان درء مخاطر هذا العنصر المنفجر في مشهد الاقليم وتفاعلاته على الساحة اللبنانية على نحو يحفظ "التفاهم" الأمني والسياسي الذي أنتج قبل بضعة أشهر حكومة المصلحة الوطنية بتركيبتها وتوازناتها الدقيقة، وانتج ايضاً "خطة أمنية" سحبت الى حد بعيد عناصر التوتر وبؤر التفجر التي بسطت نفسها على الشمال ومناطق أخرى بقاعية طوال أكثر من عامين، وتماهت الى حد كبير مع الوضع المتفجر في الساحة السورية المجاورة؟

واستطراداً ولد ذاك التفاهم واقعاً أمنياً وسياسياً عنوانه العريض سحب فتيل التوتر الأمني والسياسي من ارجاء الساحة اللبنانية باتجاه "هدنة" غير معلنة تبقي هذه الساحة في طور التبريد الهش بانتظار التفاهمات الكبرى التي يقال انها ستعيد رسم خريطة النفوذ في الإقليم كله.
وقد اختار تيار "المستقبل" أن يسم هذا التفاهم الخفي بسمة "حكومة ربط النزاع" ليوحي لمن يعنيهم الامر بأنه سيبقى على حالة العداوة والقطيعة مع "حزب الله"، لكن الصورة انقلبت الى حد ما عندما جلس مسؤول الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا الى جانب القادة الأمنيين الرسميين مع وزير الداخلية نهاد المشنوق في مبنى الوزارة في صورة كان ظاهرها نقل مؤن الى بلدة الطفيل اللبنانية في العمق السوري وباطنها صفقة أمنية استغلها الحزب الى اقصى الدرجات ليصفي حساباته مع رموز معينة، واستفاد منها "المستقبل" خدمة لدولة اقليمية.
ومع هذا النموذج انضبطت الساحة اللبنانية، إذ أتت ساعة تسريح "قادة المحاور" في عاصمة الشمال ونجح الجيش في توجيه ضربات موجعة للخلايا والرموز التي "تخصصت" في تنفيذ مهمة السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية لاسيما بعد سقوط منطقة القلمون السورية بيد الجيش السوري وضبط المعابر بين البلدين خصوصا لجهة عرسال. وعلى المستوى السياسي تكرس خلال الاشهر القليلة المنصرمة أمر واقع عنوانه العريض التأقلم مع حالة الفراغ الرئاسي الذي يبدو مديدا، وقد لقي واقع الحال هذا، لاحقاً، مباركة اميركية تمثلت بكلام وزير الخارجية جون كيري ابان زيارته القصيرة والمفاجئة الى بيروت اخيراً.
ورغم ذلك، فإن المعنيين بادارة اللعبة الحالية تركوا لجميع الافرقاء الداخليين فرصة "تزجية" الوقت، حيث المجال مفتوح الى أجل بعيد للحوار بين العماد ميشال عون وتيار "المستقبل"، وحيث الضغط اليومي الذي تمارسه المرجعية الروحية المسيحية مطالبة بانتخابات رئاسية فبدا الأمر وكأنه نوع من تبرئة الذمة أو من قبيل "اللهم اشهد اني بلغت".
ومن البديهي القول ان هذا الوضع المضبوط داخلياً على ايقاع حراك الخارج وحساباته وتفاوضاته المفتوحة، اتى الحدث العراقي ليثير فيه المكامن ويوقظ المخاوف لاعتبارات عدة ابرزها:
- الخشية من ان تكون "داعش" قد نجحت خلال الفترة السابقة في تجنيد خلايا نائمة ومجموعات غب الطلب، خصوصاً أنها كانت بعثت في السابق بأكثر من رسالة تعرب فيها عن رغبتها في أخذ "مكانها" في الساحة اللبنانية.
- الخشية من تأثير خفي لـ"داعش" على اغواء مجموعات اصولية صارت الآن في حكم المتقاعدة بعد انفراط "عقد" قادة المحاور، خصوصاً ان منطق "البيعة" يبيح لها تبديل الولاءات ونقل البندقية الى كتف اخرى، فضلاً عن وجود اغراءات التسويق المذهبي الذي ازداد حدة في العراق والمنطقة بعد غزوة "داعش" للموصل ولمحافظة نينوى ومناطق عراقية اخرى.
- الخشية الاكبر هي بعد "التشريع" الاقليمي للحدث العراقي تحت عنوان انه "نتيجة للواقع الاقصائي وللنهج الالغائي الذي مارسته حكومة نوري المالكي منذ اعتلائها سدة السلطة في بغداد قبل نحو ثمانية اعوام.
- الخشية من ان يكون الحدث العراقي الجديد قد اتى ضمن خطة واسعة النطاق عنوانها الانقلاب على واقع فرضته تطورات الميدان السوري والتأسيس لواقع آخر او محاولة جديدة.
التوجس والخشية قائمان، وقد بادرت قيادة الجيش، كما هو معلوم، الى اجراءات وخطوات وقائية لاسيما في محيط بلدة عرسال حيث تمارس جماعة "النصرة" نفوذاً قوياً بعدما صارت جرودها المدى الحيوي والملاذ الاخير بعد فقدانها "امارة" القلمون.
وترافق ذلك مع عودة "الحزم الامني" في مناطق مرشحة لأن تكون هدفاً لعمليات تخريب بعدما شهدت الحواجز على مداخلها نوعا من تخفيف القبضة بعدما كاد الناس والمعنيون ينسون هذه العمليات لابتعادها زمنياً.
الاحتياط واجب ولكن الذي يجس نبض المعنيين بالموضوع كله يخرج باستنتاج فحواه ان مظاهر الخطر ومكامن الخوف قد صارت بعيدة نسبياً واكثر من اي وقت مضى، لاعتبارات عدة ابرزها انتفاء الدور الوظيفي الذي كان مطلوباً في السابق للساحة اللبنانية في اطار الصراع في الساحة السورية، و"انعقاد" تفاهم بين الافرقاء الاساسيين عنوانه العريض تحييد الساحة اللبنانية على نحو لا يتقدم ليصير مصالحة وعلى نحو لا يتراجع لتعود مظاهر التوتر، والى أجل غير مسمى.
وقد تكون "الداعشية" امتداداً لتنظيم "القاعدة" او تمرداً عليها او انتقاماً منها، لكن الثابت انها عنوان المرحلة المقبلة او ورقة هاتيك المرحلة التي لم تحترق بعد، والمهم انها بعيدة الآن من الساحة اللبنانية.

ابراهيم بيرم - النهار 18\6\2014

إرسال تعليق

 
Top