0
«الجمهورية القوية»... منذ الأمس باتت تعني رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، المرشّح لرئاسة الجمهورية. سابقة إعلان برنامج الرئاسة، تشكل إطلاقاً لحراك ديموقراطي رئاسي لم يعتد عليه اللبنانيون.

بالأمس، من معراب طرح جعجع برنامجه على شكل «خطاب قسم»، تناول فيه كل قطاعات الشأن العام والقطاع الخاص والقضايا الاجتماعية والمعيشية والصحية والتربوية والسياسية والسيادية وغيرها، مقدماً المصلحة العامة على المصالح الشخصية الضيقة، مبرهناً بأنه الرقم الصعب على الساحة السياسية.

كسر رئيس «القوات» تقليد قاعدة التوافق على رئيس، واضعاً بين يدي نواب الشعب اللبناني برنامجاً يحاكي من خلاله الشعب، ولج بابه من المواقف اليومية التي يعلنها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان. في الساعة الحادية عشرة والنصف، أي قبل ساعة من الموعد، كانت معراب تغصّ بالمدعوّين، وبدا كثيفاً انتشار عناصر قوى الأمن الداخلي على طول الطريق من مفترق سيدة لبنان حريصا.

داخل القاعة، لم يعلُ علم على العلم اللبناني، فلفّ الأخير الجدران الأربعة. خلف المنبر علم لبناني يرفرف كُتِب الى جانبه «الجمهورية القوية». قبل الموعد، فاجأت عقيلة جعجع النائب ستريدا جعجع الحاضرين، فدخلت وعانقت النائب السابق سولانج الجميل والتقطت معها الصور. رحّبت على عادتها بالحضور ووقفت الى جانب أعضاء الهيئة العامة لاستقبال المدعوين، على وقع الأغنيات الوطنية حيث تردّد مرات عدّة قسم الجيش اللبناني.

صفّق كل الحضور بحرارة عند الإعلان عن دخول جعجع لطرح برنامجه الرئاسي. حيا جعجع الحضور، ودخل في صلب الموضوع مباشرة، ففنّد مفاصل الدولة جميعها بما يعني المواطن اللبناني متنقلاً بين محاور عدة وقضايا مؤثرة بوضع لبنان إن في داخل الوطن أو خارجه، مبدياً ملاحظاته وطارحاً الحلول في إطار الثوابت الوطنية لحزب «القوات اللبنانية».

وقال جعجع: «أيّتها اللبنانيات، أيها اللبنانيون... يشرفني أن أتوجه إليكم اليوم كمرشح لرئاسة الجمهورية في ظروفٍ دقيقة يمر فيها لبنان والمنطقة، وفي وقتٍ بدأت رئاسة الجمهورية تستعيد بريقها ومكانتها بفضل المواقف المشرفة لرئيس الجمهورية الحالي العماد ميشال سليمان، بعدما أمعن فيها عهد الوصاية تغييباً وتهميشاً وتقزيماً على مدى أكثر من ربع قرن... أتوجه إليكم وكلي ثقة بأن موقع الرئاسة لا يزال، بعد اتفاق الطائف، يتمتع بصلاحياتٍ مهمة، وقادراً على لعب دور محوري في توجيه بوصلة الحياة السياسية اللبنانية في الاتجاه الوطني الصحيح، إذا شغله رئيس يختاره اللبنانيون، من خلال ممثليهم». وأضاف: «إن التهميش الذي اعترى موقع الرئاسة بفعل الوصاية، لا يُعبر عن حقيقة الوضعية الدستورية والقانونية والسياسية له. فالرئيس السيادي القوي متى وُجد، استطاع تطبيق النصوص الدستورية كما يجب وخدمة الأهداف الوطنية وتحقيق المصلحة اللبنانية العليا».

البرنامج

وعدد جعجع 32 محوراً، وغاص في كل منها بما يكفي لعرض مشكلة وطرح حلّ يصبّ في الصالح العام تعبّر، من دون شكّ، عن مواقف سياسية ومقاربة سياسية للأمور. في الدولة والكيان، ورأى أن «المرحلة التي يمر بها لبنان هي من أخطر المراحل في تاريخه المعاصر»، وسأل: «هل أنتم راضون عن الحالة المزرية التي وصل إليها لبنان؟ هل تشعرون بالطمأنينة تجاه دولتكم وحاضركم ومستقبلكم؟». وتابع: «إن المسؤولية الوطنية تحتم علينا اليوم التكاتف جميعاً حتى نحطم قيود الخوف والقلق والفوضى، فنهرع إلى إنقاذ الجمهورية وننتصر لمفهوم الدولة على حساب الدويلة».

وفي استعادة قرار الدولة، أشار جعجع الى أن «التحدي الأهم الذي أريد خوض غماره من خلال ترشحي للانتخابات الرئاسية، يكمن في تطبيق الدستور والسهر على تنفيذ القوانين بما يكفل إعادة قرار الدولة الى الدولة، وبما يكفل عودة الدولة دولة! إنّ الدولة هيبة، وهيبة الدولة من هيبة الرئاسة».

في الثوابت الوطنية، اعتبر بأن «المرحلة التي نمر بها لا تحتمل أنصاف الحلول ولا أنصاف المواقف ولا أنصاف الرؤساء، واستقامة الحياة السياسية الوطنية لا يمكن أن تتحقق إلا بناءً على الاعتراف الواضح بجملة ثوابت غير خاضعة للنقاش وشكّلت جوهر إعلان بعبدا ومذكرة بكركي الوطنية، ومنها: استقلال لبنان الناجز في ظل دولة حرة وقادرة، احترام الدستور والالتزام به نصاً وروحاً، حياد لبنان».

في اتفاق الطائف، دعا جعجع الى «سدّ الثغرات، إن لجهة عمل رئاسة الجمهورية أو لجهة الإعداد لقانونٍ جديدٍ وعصري للانتخابات النيابية فور الانتهاء من الانتخابات الرئاسية. في الدولة وحصرية السلاح، طالب بدولة «تحترم شعبها ووتحافظ على شبابها، متوازنة متكاملة في مؤسساتها وأدائها». في القضاء، اعتبر أن «نظامنا القضائي ليس بخير أبداً، إن رؤيتنا لكيفية إصلاح النظام القضائي في لبنان تنطلق من جملة أمور أبرزها: زيادة كبيرة في عدد القضاة، إعادة النظر بمهل الإجراءات القضائية في لبنان، إعادة النظر بوسائل التبليغات». وتابع «لن أتساهل إطلاقاً في مواجهة فساد بعض القضاة وزبائنيّتهم».

أما في عقوبة الإعدام، فرأى «ضرورة أن يلتزم لبنان التزاماً تاماً بإلغاء عقوبة الإعدام عملاً بمواثيق الأمم المتحدة، والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان». في ملف السجون، عرض «المسارعة إلى وضع الخطط والتصوّرات اللازمة لمعالجة هذه القضية المُزمنة». في المؤسسات الأمنية والعسكرية، رأى أن المطلوب «تنقية عمل بعض الأجهزة الأمنية والعسكرية من الشوائب». في الاقتصاد والإصلاح السياسي، رأى أن «عودة هيبة الدولة هي عودة الثقة، والثقة هي حجر الأساس في أي بنيان اقتصادي وإصلاح اجتماعي».

في تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص ودور الهيئات الناظمة، أشار إلى «الاستثمار في البنى التحتية من خلال آليات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتفعيل عمل الهيئات الناظمة للقطاعات». في الكهرباء والاتصالات أشار الى «ضبط الإنفاق وتحسين مستوى الخدمات للمواطنين وخفض التعريفات». في الأسواق المالية دعا الى «إصلاح هيكلي ضروري لتوزيع المخاطر وتطوير الشركات وتنميتها وتمويل مشاريع البنى التحتية ورفع إنتاجياتها».

ولم يهمل رئيس حزب القوات اللبنانية القوانين التجارية، فطرح «تحديث قانون التجارة والقوانين ذات العلاقة بإنشاء الشركات وتشغيلها وتعاطيها مع القطاع العام وتصفيتها، مثل القوانين الضريبية وقانون الضمان الاجتماعي وأنظمته». وفي النفط والغاز، أعلن «عزمه فعلاً على حماية هذه الثروة بكل ما أوتيت من قوة عبر اعتماد أقصى معايير الشفافية وقواعد الحوكمة الرشيدة». في السياحة، طرح «إنشاء هيئة وطنية لتنظيم المؤتمرات العربية والدولية. في إنشاء المناطق الحرة وتفعيل المطارات والمرافئ شدّد على «ضرورة إعادة فتح وتشغيل وتطوير مطارات القليعات وحامات ورياق». في اللامركزية الإدارية، اقترح «تحفيز التنمية المحليّة كما أثبتته التجربة في أكثر من بلد في العالم».

في الصحة، اقترح جعجع «تعميم البطاقة الصحية على أن تأخذ الدولة على عاتقها تمويل البطاقات لغير الميسورين». في التربية اقترح كذلك «البطاقة التربوية التي تمنحها الدولة لكل شاب وشابة وتمكنهم من طرق أبواب أي مدرسة أو جامعة يختارون». في واقع الإدارة ومكافحة الفساد، شدد على «تفعيل عمل أجهزة الرقابة والتفتيش في مؤسسات الدولة كافةً». في ضبط الموارد، وعد بأن «لا يُبقي على رزق سائب في الجمهورية، والذين تعلّموا الحرام، إمّا يتعلّمون الحلال من جديد، وإمّا يرحلون».

في المكننة الإدارية، رأى جعجع ضرورة «اعتماد الشباك الإلكتروني كحجر أساس لمشروع الحكومة الإكترونية». في البيئة، رأى أن «البرامج والأفكار الإصلاحية في هذا المجال لا تعد ولا تحصى». في الزراعة والتنمية الريفية، اقترح «إنشاء مناطق حرة وتأهيل المطارات وتخفيض كلفة الكهرباء وتطوير الأسواق المالية وتطوير شبكة البنى التحتية والتسهيلات الإدارية». في الانتشار اللبناني، أعلن تصميمه على «إعادة طرح فكرة إنشاء وزارة مستقلة للانتشار». في حقوق المرأة، اعلن «التزامه بمراجعة كل القوانين التي تمسّ بحقوق المرأة أو تحد من طموحاتها».

وعن الربيع العربي، دان جعجع «بشدة الأصوليات على أنواعها، والتكفير والتطرف، واعتبرها الوجه الآخر للظلم والاستبداد، وسأعمل على محاربتها من دون هوادة نظراً لخطرها وفتكها وإرهابها. في الوضع السوري، لحظ «العودة الكاملة للنازحين السوريين إلى بلادهم». في القضية الفلسطينية، جدّد «التمسّك بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، وبرفض أي توطين لهم في لبنان تحت أي حجة من الحجج». في الشرعيتين العربية والدولية ومزارع شبعا، أعلن تمسّكه «بقرارات الشرعية الدولية الخاصة بلبنان ولا سيما القرارات 1559 و1680 و1701، ولا يمكن في هذا الإطار إلا تطبيق القانون الدولي في ما خص ترسيم الحدود مع سوريا وحل قضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. ولذلك سأطلب من الحكومة السورية التوقيع على محضر مشترك تعترف فيه بلبنانية مزارع شبعا لإرساله إلى الأمم المتحدة بهدف تثبيته دولياً وفرض الانسحاب الإسرائيلي من هذه المنطقة».

في الدفاع عن لبنان، رفض جعجع «مصادرة قرار الدولة في هذا المجال لا حرباً ولا سلماً».

وختم جعجع «أيتها اللبنانيات، أيّها اللبنانيون... لأنني أطمح الى وطن ودولة، وأحمل مشروعاً وحلماً.. لأنّنا جميعاً بحاجة الى الدولة التي تحمي وترعى... وحتى يبقى لكم الوطن والدولة... وحتى يكون لكم ولأولادكم مستقبل أفضل... ورئاسة لا تهاون فيها ولا ضعف أو تخاذل... فإنيّ أتطلّع من خلال انتخابات رئاسية ديموقراطية فعلية بعد طول انتظار، إلى استعادة الثقة بلبنان وثقة اللبنانيين بأنفسهم وقدرتهم متضامنين جميعاً ومن دون استثناء أحد، على خوض رهان إنقاذ لبنان».

وتابع: «لقد عانينا جميعاً ويلات الحرب ومآسي نظام الوصاية وسطوة السلاح غير الشرعي، وأعرف وأشعر بما تشعرون وأكثر. أنا من الذين أخذتهم الحرب اليها، وأنا بعد طالب، حين عزّ الواجب دفاعاً عن الأرض والناس، فواجهنا الاحتلال والوصاية بكل صلابة وإرادة، حتى الموت والاعتقال... لنلاقي الحرية، ودافع أخوة لنا عن الجنوب حيث ولدوا وعاشوا حتى الموت والاعتقال في سجون اسرائيل... واستعادوا الحرية». وأضاف: «قد لا يلاحظ العالم كثيراً ما نفعله اليوم هنا، لكنّه لن يستطيع أبداً أن ينسى ما فعله من سبقونا، من بشير الجميّل، وكمال جنبلاط، والإمام موسى الصدر، ورينيه معوض، ورفيق الحريري وصولاً الى محمد شطح الذي لن أنسى صداقته وشهادته ما حييت. نقف اليوم هنا لنقول معاً إنّ لبنان يستحق، وإنّ رئاسةً من قوة ثورة الأرز وحلم الشهداء لا يمكن إلاّ أن تنتصر... وستنتصر! ليحيا لبنان!»

الحضور

برنامج جعجع الرئاسي، أعلنه وسط مشاركة سياسية واسعة وبحضور: ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب ميشال موسى، ممثل رئيس حزب الكتائب الرئيس أمين الجميّل شاكر عون، ممثل الرئيس سعد الحريري النائب احمد فتفت، ممثل الرئيس فؤاد السنيورة النائب جان اوغاسابيان، السيدة صولانج بشير الجميل، والنواب: عاطف مجدلاني، أمين وهبه، سيرج طورسركيسيان، باسم الشاب، عاصم عراجي، هادي حبيش، رياض رحال، جمال الجراح، نضال طعمة، جورج عدوان، ستريدا جعجع، ايلي كيروز، انطوان زهرا، طوني بو خاطر، جوزف المعلوف، شانت جنجنيان، فادي كرم، ممثل الوزير بطرس حرب نعمة حرب، الوزراء السابقين: طوني كرم، جو سركيس، ابراهيم نجار، منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد، ممثل حزب الكتلة الوطنية مروان صقر، ممثل رئيس حزب الوطنيين الأحرار النائب دوري شمعون الياس بو عاصي، رئيس حركة التجدد الديمقراطي كميل زيادة نائب رئيس تيار المستقبل النائب السابق انطوان اندراوس، ممثل أمين عام تيار المستقبل راشد فايد، امين سر حركة التجدد الديمقراطي انطوان حداد، نائب رئيس اللجنة التنفيذية لحزب الهانشاك اليك كوشكريان، رئيس حركة التغيير ايلي محفوض، ممثل رئيس حركة الاستقلال ميشال معوض هنري معوض، ممثل رئيس حزب الرامغافار سيفاك اغوبيان، رئيس حركة الناصريين الأحرار زياد عجوز، رئيس حزب الاتحاد السرياني العالمي ابراهيم مراد، رئيس حزب المستقلين رازي الحاج، وحشد من الفعاليات السياسية والدينية والاقتصادية والنقابية والاجتماعية والاعلامية ورؤساء بلديات ومخاتير.

17/4/2014 كارلا خطار- المستقبل

إرسال تعليق

 
Top