0
مع كل شروق شمس، تتشابك الاخبار فيما بينها لتعلن عن إذلال عدد من الناس هنا او هنالك، وتشاهد المآسي والاوجاع عند الاطفال والنساء والشيوخ والشباب، ويصبح المراقب كمن يشاهد برنامجا تلفزيونيا ذو حلقات عديدة متشابهة بأبطالها والمجرمين، لكن القدرة على إحداث تغيير لا يملكها سوى من وضع السيناريو، او من موّل المشروع او من يخرجه بحرفيّة كبيرة تجعل المشاهد والمواطن والمراقب يشعر بأن الاحداث تجري كما يجب لأن لكل فرد او جماعة خصائص مرتبطة بأخلاقيات يتشاركون بها لتحقيق اهداف معينة مما يسمح لكل فئة بأن يكون لها بطلها ومن خلال وجهة النظر يصبح البطل لفئة هو المجرم والسفاح والقاهر لفئة أخرى.
إنهم البشر، عندما يفقدون الحس الادراكي لما يجري من الاحداث بحق الانسان والانسانية، لكن الجنوح الذي يحصل لبنانيا يدعو الى التساؤل عن جدواه في خدمة الانسان، في زمن أصبح من السهل فيه إستغباء العقول والقلوب، حيث طغى الجهل والانفعال على الوعي والادراك والتحليل، وبدل ان نعمل على تأمين اسس الحياة الكريمة للشعوب، نجيّش المشاعر لتأصيل الكراهية والحقد والرغبة بالانتقام فيما بين البشر والاخوة وابناء الوطن الواحد.
إنه غياب المسؤولية عن القيام بدورها، أو عن القيام بما يجب أن تقوم به، وعندما يتم التقاعس عن تطبيق أبسط المفاهيم القانونية والاعراف البشرية وتصبح العلاقات البديهية بحاجة لتبرير او اسباب لقيامها على حساب الصالح العام، حينئذ يجب ان ندق ناقوس الخطر، هذا الخطر الذي يأتي من الارضية الداخلية التي تسمح للانفجار بالحصول، لا قدّر الله، وهنا يبرز دور المؤسسات مجتمعة بهدف حماية الكيان، والكيان هو الانسان والعلاقة بين البشر ضمن هذه المساحة الجغرافية التي يعيش عليها من تآلفوا وتضامنوا وتعاضدوا لحماية أنفسهم اولا وارضهم وكيانهم، أي المؤسسات التي عليها ان ترعى شؤون الناس بالعدل والقانون، هذا الاخير الذي أصبح إنتقائيا حسب الاهواء والحاجات لمن بيدهم السلطة وليس للمؤسسات، مما جعل الوضع العام وضعا شاذا، إعتاد المواطن عليه لا بل أصبح يفتش عن الطرق لتأمين ما يريده بطريقة شاذة أيضا، وعليه نشهد إنحدار المستوى في الاداء الاداري والمؤسساتي في كل قطاعات الدولة التي تقف عاجزة عن تأمين المستلزمات الاساسية والضرورية لتمكينها من القيام بدورها بإمتياز.
وفي غياب المسؤولية غاب المسؤول، وإن وجد، وجد لتبرير موقف ما، او حالة ما، على حساب النتائج التي هو ملزم بتأمينها للمواطنين وللمؤسسة، خصوصا لأن العديد من هؤلاء إما يفتقدون للقدرة على الانتاج، إما لأنهم دخلوا البازارات التي تغني الجيوب وتفقّر الشعوب، وفي الحالتين الوضع غير طبيعي، ويريدون منّا نحن ابناء الكيان ان نقبل غير الطبيعي كأنه هو الصحيح، فهل يمكن للشمس أن تشرق من الغرب؟
إنه الوعي وتحديد المسؤليات ومحاسبة الاداء، هذه الخصائص الغائبة عن التطبيق، إن وجدت، وجدت الاوطان وتحصّنت الكيانات ويتم إحترام الانسان وكرامة الانسان.. من الوعي يبدأ التغيير وتصبح الأهداف واضحة وخارطة الطريق الى الإنقاذ سالكة.

ليب تايم - الاربعاء 21 تموز 2021
عصام ي. عطالله - أستاذ جامعي، باحث وكاتب
info@issamatala.com

إرسال تعليق

 
Top