0
تمخّض الجبل فولد فأراً... لعله المثل الأصلح في توصيف مشهدية "الصرامة والتشدد ‏والحزم" التي بدت في قصر بعبدا والسراي الحكومي ليست أكثر من "قنابل صوتية" خلصت ‏في محصلتها إلى مزيد من "الميوعة والتمييع والتمديد" لمهلة تسليم شركة التدقيق الجنائي ‏الأجوبة المطلوبة من المصرف المركزي. وليس بعيداً عن الأمثال الشعبية، أول ما يحضر ‏على لسان مصادر مواكبة مثلٌ مقتبس بتصرّف، تعليقاً على مشهد تناتش الحصص والحقائب ‏بين أفرقاء الحكم: "دنب السلطة أعوج‎".
‎ فأمام فجور هذه السلطة وتفوّقها على نفسها بكل المقاييس والمعايير اللامبالية واللاأخلاقية في ‏مقاربة أزمة البلد وأوجاع الناس، يكاد اللسان يعجز في توصيف انفصام أهل الحكم عن الواقع ‏وتعاليهم على المصلحة الوطنية العليا لتحقيق مصالح حزبية وسياسية وطائفية ومذهبية... وهم ‏لا يتوانون، بوقاحتهم المعهودة، عن الاستمرار بمقامرات ومغامرات هدّامة لآخر فرص ‏الإنقاذ والإصلاح، فحوّلوا المبادرة الفرنسية وحكومة الاختصاصيين إلى "بورصة" يتحكم ‏بمؤشراتها، صعوداً أو نزولاً، سهم التحاصص ونهم الاستيزار. وبحسب مؤشر الساعات ‏الأخيرة، تؤكد المصادر أنّ أسهم التأليف "على نزول"، ربطاً بكون الأمور عالقة "عند أكثر ‏من نقطة والتأزم يتمدد في أكثر من اتجاه‎".
‎ وتوضح المصادر، أنّ النقاش المحتدم راهناً يتمحور حول "الحصة المسيحية" في التشكيلة ‏العتيدة، وسط اتساع الهوة في التوجّهات بين قصر بعبدا وبيت الوسط حيال حجم هذه الحصة ‏وتوزيعها بين الرئاسة الأولى والكتل النيابية المشاركة في عملية التكليف والتأليف، ليبدأ ‏التوتر السائد في المشاورات على الجبهة الرئاسية، ينسحب تباعاً على الأفرقاء الآخرين في ‏ضوء ارتفاع الأصوات المعترضة على حصة من هنا والمطالبة بحصة من هناك، محذرةً ‏حيال ذلك من أنّ "عامل الوقت لا يلعب في صالح تقريب وجهات النظر بل يزيد من التباعد ‏بينها"، وسط تشديدها على أنه "في حال لم تحمل الأيام القليلة المقبلة اختراقاً ما في جدار ‏الأزمة، فإنّ العملية الحكومية برمتها قد تعود إلى نقطة الصفر مع ما يعنيه ذلك من احتمال ‏العودة في التصلب بالمواقف إلى ما قبل مرحلة مصطفى أديب‎".
‎ في الغضون، باغت الرئيس السوري بشار الأسد أمس الساحة اللبنانية بهجوم مركّز على ‏القطاع المصرفي، محملاً المصارف اللبنانية مسؤولية التدهور الاقتصادي والتجاري والمالي ‏في بلاده من خلال تصويبه على مسألة احتجازها ودائع بعشرات مليارات الدولارات تعود ‏لسوريين لديها‎.
‎ وتوقفت دوائر مراقبة عند هذا التصريح معتبرةً أنه يختزن "أبعاداً جديدة وجدية قد تلقي بثقلها ‏على كاهل الأزمة اللبنانية في المرحلة المقبلة". وإذ أعربت عن اعتقادها بأنّ كلام الأسد هذا ‏‏"سيكون له ما بعده"، رأت فيه "موقفاً متقدماً يحمل في طياته إنذاراً سورياً للمسؤولين ‏اللبنانيين بوجوب الدفع باتجاه تسييل دفعات من تلك الودائع لضخها في الأسواق السورية"، ‏من دون أن تستبعد أن تشهد الفترة المقبلة "حملة متصاعدة من حلفاء النظام السوري في لبنان ‏على القطاع المصرفي والقيّمين عليه لحثهم على إيجاد تسويات معينة تتعلق بمسألة الودائع ‏السورية، على أن تمارس ضغوط موازية في الداخل السوري على أصحاب هذه الودائع ‏لضمان إعادة أموالهم المودعة في الخارج إلى الداخل السوري‎".
‎ وعن موجبات هذه الحملة التي افتتحها الأسد بنفسه، تساءلت مصادر متابعة عما إذا كان للأمر ‏صلة بشح "دولار التهريب" إلى سوريا، واضعة كلام الرئيس السوري في خانة "الهجوم ‏الاستباقي تحضيراً للمرحلة التي ستعقب توقّف الدعم من مصرف لبنان الذي تستفيد منه ‏سوريا، تهريباً وتسريباً للمواد الحيوية اللبنانية المدعومة، والاستعداد تالياً لخيارات بديلة تتيح ‏الاستمرار في ضخ الأوكسيجين عبر لبنان في مفاصل الاقتصاد السوري المختنق‎".
 
نداء الوطن - 6 تشرين الثاني 2020

إرسال تعليق

 
Top