0
لم تكن مسارعة مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية الى اصدار بيانين متعاقبين السبت والأحد ‏يكذب فيهما التسريبات المنسوبة الى مصادر بعبدا او مقربين منها حيال عملية تأليف الحكومة ‏والكثير من التفاصيل المزعومة في صددها، الا مؤشر واضح حيال مستوى الجدية الكبيرة التي تدور ‏في ظلها المباحثات "السرية" منذ 72 ساعة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة ‏المكلف سعد الحريري. ومع ان الحكم على مجريات اللقاءات التي اطلقتها دينامية سريعة وحيوية ‏اطلقها الرئيس الحريري فور انتهائه من اجراء الاستشارات النيابية في مجلس النواب مساء الجمعة ‏الماضي، قد يشكل وحده عامل تسرع في تقدير النتائج، فلا يمكن في المقابل تجاهل المعطيات ‏التي تظهر تبدلا واضحا في مسار الأمور والاستعجال الى تجاوز العقبات التي بدأت تبرز وسيتوالى ‏ظهورها تباعا في طريق تأليف الحكومة، ولكن هذه المرة وسط مناخ مختلف من التكتم والصمت ‏الشديدين اللذين يبدو واضحا ان الرئيسين عون والحريري قررا فرضهما على مسار المباحثات ‏المتصلة بالتأليف. 
وبعدما كان الرئيس الحريري اكتفى عصر السبت بوصف لقائه والرئيس عون بانه ‏إيجابي ولم يستفض بكلمة أخرى، فعل القصر الجمهوري الامر نفسه امس ببيان مقتضب تحدث عن ‏تقدم الامر الذي وضع عملية التأليف في مكانة وسطية، وفق ما اكدت معلومات جهات واسعة ‏الاطلاع على المجريات الحاصلة بين التأليف السريع المحتمل والعقبات التي تحول دون تأليف سريع ‏بمعنى ان النسبة تتوزع مناصفة بين هذين الاحتمالين. وابرز الحريري في أي حال اتجاها واضحا الى ‏ضرب حديد التأليف وهو حام عقب انتهاء الاستشارات، فعقد السبت والأحد اجتماعين طويلين مع ‏رئيس الجمهورية وأفاد بيان رئاسة الجمهورية امس انهما تداولا ملف تشكيل الحكومة الجديدة "وقد ‏سجل تقدم في هذا المجال". ولم تشأ أوساط الرئيس المكلف زيادة أي معطيات على هذا البيان ‏وقالت ان ليس هناك زيادة على ما صدر في البيان الرسمي الصادر عن بعبدا‎ .
اما المعطيات القليلة التي رشحت عن الاجتماع الذي عقد امس في بعبدا بين الرئيسين عون ‏والحريري فأشارت الى ان هذا الاجتماع الثاني بينهما خلال 24 ساعة عكس الرغبة المشتركة في ‏الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة كما عكس الإيجابية السائدة في بحثهما المشترك في ‏تفاصيل الملف الحكومي . 
وعلم ان التقدم الذي اشارت اليه المعلومات الرسمية عن الاجتماع يمثل ‏إشارة واضحة الى سعي مشترك من الرئيسين عون والحريري لحل العقد القائمة امام التشكيلة ‏الحكومية المتصلة بعدد أعضاء الحكومة وتوزيع حقائبها ومعايير التوزير والمداورة في الحقائب ‏السيادية والخدماتية الأساسية. ووفق المعلومات فان عون والحريري لا يريدان أي تشويش على ‏سعيهما الحثيث الى تذليل العقبات امام عملية تأليف الحكومة وعلى شراكتهما في عملية ‏التشكيل‎.
أسبوع مفصلي؟‎
وترصد الأوساط السياسية حركة الحريري في الساعات والأيام القليلة المقبلة مع مختلف القوى ‏السياسية باعتبار ان الأسبوع الحالي سيشكل نقطة الانطلاق المحورية والأساسية لتكوين معالم ‏الحكومة وتوفير الارضيّة السياسية لولادتها وسط معطيات لا تستبعد ولادة هذه المرة اسرع مما ‏يظن كثيرون، والا فان المسار سيصطدم بمعوقات خطيرة في حال التأخر والمماطلة مجددا او افتعال ‏العراقيل. 
وتحدثت معلومات مستقاة من جهات سياسية متابعة للمجريات الحكومية عن وضع عملية ‏التأليف على نار حامية وسط معطيات لا تمنع ابدا توقع ولادة الحكومة قبل موعد الانتخابات الرئاسية ‏الأميركية بمعنى ان انطلاق مسار التوافق اذا توافرت معالمه بالكامل لن يوقفه أي تطور خارجي بعد ‏الان. ولكنها لفتت الى امكان ان يكون الرئيس الحريري قد بدأ يواجه من الرئيس عون باشتراطات ‏ومطالب مغايرة لتصوراته الامر الذي يتعين مراقبته بدقة في الأيام المقبلة. وتقول هذه الجهات ان ‏ثمة عناوين مهمة بات هناك اتجاها واضحا لدى القوى التي ايدت تكليف الحريري الى التسليم ‏بحكومة اختصاصيين التي تعهد الحريري تأليفها بل وإضافة عبارة من ذوي الخبرات الى صفة الوزراء ‏الاختصاصيين الذين لا ينتمون الى أحزاب. ولكن هذا الاتجاه يقابله اتجاه آخر الى التوافق بين القوى ‏المعنية والحريري على مساهمة هذه القوى في تسمية واختيار الوزراء المتخصصين بما يحقق ‏التوافق المتوازن بين هدف الحريري وتعهداته وحقوق القوى السياسية في المشاركة لتوفير الدعم ‏السياسي للحكومة. وتشير هذه الجهات الى ان هناك اتجاها غالبا لاقناع الحريري بتأليف حكومة لا ‏تقل عن عشرين وزيرا‎ .
السفيرة الفرنسية‎
وسط هذه المناخات برز اول كلام للسفيرة الفرنسية الجديدة في لبنان آن غريو في اطلالة أولى لها ‏منذ وصولها الى بيروت وبعد تعافيها من إصابة بكورونا وذلك في لقاء صحافي مصغر شاركت فيه ‏‏"النهار" . واكدت السفيرة غريو ان "فرنسا ترحب بتكليف رئيس لتشكيل حكومة في لبنان وبمعزل ‏عن الشخص الذي تم اختياره وتعتبر ان هذا التكليف يشكل بداية الدينامية ومؤشرا إيجابيا وعنصرا ‏اول في مسار يجب استكماله". 
وأوضحت السفيرة الفرنسية ان "مطلبنا هو الإسراع في تأليف ‏الحكومة لتبدأ على الفور بوضع خارطة الطريق الفرنسية موضع التنفيذ ". ولفتت الى انه " لا يهمنا ‏شكل الحكومة بل ان يكون أعضاؤها أصحاب كفاءة ونزاهة واختصاص وقادرين على تنفيذ برنامج ‏إصلاحات ". وقالت ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون "تواصل وتحدث مع الجميع وقال كل ما يجب ‏قوله والرسالة وصلت الى الجميع وكل بات يعرف مسؤولياته‎ ".
اما الموقف الداخلي الأبرز امس فتمثل في "وصايا" البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس ‏الراعي للرئيس المكلف سعد الحريري. وإذ رحب الراعي بتكليف الحريري دعاه الى " تخطي شروط ‏الفئات السياسية وشروطهم المضادة وتجنب مستنقع المصالح والمحاصصة وشهية السياسيين ‏والطائفيين". وخاطبه قائلا: "التزم فقط بنود الدستور والميثاق ومستلزمات الإنقاذ وقاعدة المداورة ‏الشاملة في اختيار أصحاب الكفاءة والأهلية والولاء للوطن. وأحذر الاتفاقيات الثنائية السرية والوعود". ‏كما لفت في موقفه قوله للحريري "لا تضع وراء ظهرك المسيحيين وتذكر ما كان يردد المغفور له ‏والدك "البلد لا يمشي من دون المسيحيين‎".
 
النهار - 26 تشرين الأول 2020

إرسال تعليق

 
Top