0
رحلة طرح الرئيس سعد الحريري نفسه مرشح الفرصة الأخيرة التي تجسدها المبادرة ‏الفرنسية والتي تبدأ عمليا اليوم بعدما انجز الحريري تحضيراتها في الساعات الأخيرة، تبدو ‏محفوفة بحقول ألغام من خلال ما ينتظر الحريري من حسابات لدى الاًفرقاء السياسيين ‏سواء ساروا في النهاية في خيار تكليفه او رفضوه، باعتبار ان لغة الاشتراطات وربما تصفية ‏الحسابات ستنطلق لدى معظمهم بدءا من اليوم.
طبعا ما بدأ يطفو على سطح المشهد ‏السياسي الحكومي منذ البارحة خصوصا لجهة تضخيم العقبات التي قد تحول دون انتهاء ‏جولة اللقاءات والاتصالات التي ستنطلق اليوم الى تكليف الحريري بتشكيل الحكومة ‏الجديدة الخميس المقبل يندرج في خانة رفع الشروط السياسية والحزبية الى ذروتها لوضع ‏الحريري امام معادلة القبول بعودته الى رئاسة الحكومة في مقابل الشراكة السياسية معه ‏في تشكيل الحكومة من خلال استحضار الشروط إياها التي أدت الى اطاحة تجربة تكليف ‏مصطفى اديب، والا دخول استحقاق التكليف في تعقيدات جديدة وإضافية من غير ‏المستبعد ان تؤدي حينذاك الى ترحيل موعد الاستشارات النيابية الملزمة في قصر بعبدا ‏الخميس المقبل.
ويمكن القول عشية انطلاق الجولة الحاسمة من الاتصالات واللقاءات ‏التي سيجريها الحريري أولا من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه ‏بري ومن ثم ستتواصل مشاوراته مع القوى السياسية والحزبية سواء عبر موفدين او من ‏خلال اتصالات مباشرة، ان المعادلة التي تحكم مصير هذا التطور تتوزع مناصفة بين ‏احتمالات عودة الحريري الى رئاسة الحكومة او فتح باب الاستحقاق الحكومي مجددا على ‏المجهول اذا أقفلت الطريق امام الحريري. فمن جهة الاحتمالات الإيجابية لمصلحة ترجيح ‏تكليف الحريري لم تبلور الأيام القليلة السابقة بعد المقابلة التلفزيونية للحريري مساء ‏الخميس أي بدائل حقيقية وجدية من طروحاته في شأن الحكومة ولو ان معظم القوى ‏السياسية تنوي التعامل معه بلغة الشروط والمطالب ورفع السقوف.
ولكن ذلك لن يحجب ‏حقيقة ان الوضع في البلاد بلغ مستويات كارثية من التأزم والانهيارات لا تتيح لاي طرف ‏استعمال لغة الرفض للرفض مع الحريري الذي يذهب الى القوى السياسية ببرنامج واضح ‏من شانه فتح ثغرة تنفس للبلاد من خلال المبادرة الفرنسية والدعم الدولي المأمول في ‏حال تشكيل حكومة ذات صدقية إصلاحية كما يطرحها برنامج الحريري. في المقابل تتمثل ‏الناحية السلبية في ان المناخ السياسي السائد بين الحريري وعدد من القوى ومنها العهد ‏و"التيار الوطني الحر" وكذلك قوى حليفة له سابقا مثل "القوات اللبنانية" والحزب التقدمي ‏الاشتراكي لا يوحي بإمكان تجاوز الحساسيات بسرعة ولا سيما اذا صح ما نقل عن التيار ‏الوطني الحر من رفض تلقائي لعودة الحريري. وفي هذه الحال فان الأنظار ستتركز على ‏موقف الثنائي الشيعي الذي وان بدا اكثر مرونة تجاه عودة الحريري فان الشروط التي ‏سيطرحها ستتسم أيضا بتعقيدات تطرح التحدي القوي في وجه الحريري. 
بعبدا وعين التينة
في أي حال واستمكالا لمبادرته في طرح ترشيحه لتشكيل الحكومة على أساس المبادرة ‏الفرنسية والتزام تنفيذ البرنامج الإصلاحي، اتصل الحريري امس بكل من الرئيس عون ‏والرئيس بري وتقرر ان يزور الحريري قصر بعبدا في الحادية عشرة قبل ظهر اليوم على ان ‏يزور عين التينة في السادسة مساء. وانطلق الحريري في مشاوراته من حلقته السياسية ‏الأقرب اذ ألتقى مساء امس في بيت الوسط رؤساء الحكومات السابقين فؤاد السنيورة ‏ونجيب ميقاتي وتمام سلام، وتناول اللقاء موقف الحريري وتحركه والاحتمالات التي تحوط ‏هذا التحرك فيما تردد ان الحريري قد يوفد رئيسة كتلة المستقبل النائبة بهية الحريري على ‏رأس وفد في جولة على رؤساء الكتل والأحزاب. 
في موازاة هذه الاستعدادات لاسبوع يفترض ان يكون حاسما لاستحقاق التكليف لم تظهر ‏واقعيا مؤشرات إيجابية وواضحة حيال المواقف التي ستتخذها القوى المعنية بما يبقي كفة ‏الحذر الشديد مرجحة اقله لليومين المقبلين قبل بلورة الاتجاهات الجدية. وإذ بدا لافتا ان ‏تسريبات ذهبت الى اطلاق أسماء سياسيين قيل ان رئيس "التيار الوطني الحر" النائب ‏جبران باسيل وراءها في مواجهة ترشيح الحريري، لم تعكس أجواء قصر بعبدا أجواء مرنة ‏حيال الحريري الذي سيزور الرئيس عون اليوم اذ ان مقربين منه يقولون ان عون ينتظر ما ‏سيقوله الحريري ولكن رئيس الحكومة المكلف سيكون الشخص الذي ينتج عن الاستشارات ‏النيابية الملزمة التي يجريها الرئيس عون الخميس المقبل في قصر بعبدا غامزة من قناة ‏المشاورات التي اطلقها الحريري بنفسه. 
ويعتبر هؤلاء المقربون ان المبادرة الفرنسية ‏تتناول الإتيان بحكومة اختصاصيين من رئيس الحكومة الى جميع الوزراء ولا يستطيع ‏الحريري تاليا ان يخرج ويقول انه خارج هذا التصنيف وان يكون أعضاء حكومته من ‏الاختصاصيين فقط باستثناء نفسه فهو بذلك يخالف المبادرة .ولكنهم يستدركون انه في ‏حال كانت الصيغة تكنوسياسية فستكون عندها موضع نقاش ولها هنا شروطها. ولكن ما ‏استرعى انتباه المراقبين ان نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي اعلن مساء امس انه ‏نصح النائب جبران باسيل منذ سنة بتأييد الحريري لان الربط مع المكون السني هو أساسي. ‏وإذ توقع الفرزلي تكليف الحريري الخميس المقبل، استبعد اصطدام التكليف بعقبة ‏ميثاقية مسيحية اذ ان هناك 22 نائبا مسيحيا خارج الأحزاب ومعيار الميثاقية في تسمية ‏رئيس الحكومة غير محصور بالأحزاب‎ .‎ ‎
وإذ يبدو موقف "القوات اللبنانية " شبه محسوم من عدم تسمية الحريري تكرارا فان موقف ‏الحزب التقدمي الاشتراكي قد يعلنه رئيسه وليد جنبلاط في مقابلة تلفزيونية مقررة مبدئيا ‏مساء اليوم‎ .‎ ‎
وبالنسبة الى الثنائي الشيعي سيكون لقاء بري والحريري مساء اليوم محوريا لجهة بلورة ‏الموقف المبدئي للثنائي من عودة الحريري والشروط التي سيطرحها. ولا تبدو هذه ‏الشروط سهلة ابدا اذ فهم ان الثنائي لن يتخلى عن شرط تسمية وزرائه بدءا بوزير المال ‏والإتيان باختصاصيين من غير الحزبيين يطرحهم على الرئيس المكلف ليختار منهم‎ .‎ ‎
وفي هذا السياق اعرب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي امس عن ‏قلقه من احتمال "تعثر تكليف شخصية لرئاسة الحكومة الجديدة وبخاصة اذا تعذر تأليف ‏حكومة انقاذية غير سياسية وتكنوقراطية". 
واعتبر ان ضمان التأليف هو "عزم الجميع على ‏تجنب التسويف ووضع الشروط غير الدستورية وغير الميثاقية من اجل قضم الدولة وإبقاء ‏مصير لبنان مرهونا لصراعات المنطقة التي لا تنتهي". وفي ما يتعلق بالمفاوضات اللبنانية ‏الإسرائيلية برعاية الأمم المتحدة والولايات المتحدة لترسيم الحدود البحرية والبرية قال ‏الراعي "نحتاج الى دولة قوية وحكومة قادرة على اجراء مفاوضات ترسيم الحدود بين ‏دولتي لبنان وإسرائيل. أهمية هذه المفاوضات ان تؤدي الى اتفاق يعزز سلطة الدولة ‏اللبنانية المركزية التي تسيطر على حدودها الدولية المثبتة في خط الهدنة لسنة 1949 ‏أساساً".. ‎ ‎
في غضون ذلك اثار الانتشار الوبائي المتسع لفيروس كورونا في لبنان مزيدا من التداعيات ‏السلبية لا سيما على صعيد عودة فتح المدارس ولو بشكل محدد ومجتزأ. ذلك ان وزارة ‏الداخلية أعلنت امس قرارا جديدا اتسعت بموجبه لائحة البلدات والقرى المشمولة بقرار ‏والأقفال والحجز المنزلي ورفعت عدد البلدات الى 169 بلدة وقرية في مختلف المناطق ‏اللبنانية . كما نص القرار على اقفال كل الحانات والملاهي والمراقص الليلية على الأراضي ‏اللبنانية حتى أشعار آخر‎ .‎ ‎
وأحدث قرار وزارة التربية بعودة جزء من التلامذة ابتداء من اليوم ضجة وموجة استنكارات ‏ومخاوف واسعة لجهة ما يمكن ان يعرض هذا القرار تلامذة ومعلمين وأساتذة لخطر ‏الإصابة بكورونا في ظل صعوبة التزام تنفيذ الإجراءات الحمائية بالكامل داخل المدارس ‏فضلا عن التمييز الذي سيصيب التلامذة باعتبار ان أعدادا كبيرة من التلامذة في المناطق ‏المقفلة لن يتمكنوا من استلحاق بداية الموسم المدرسي. وأطلقت مناشدات ومواقف ‏تنادي بإرجاء فتح المدارس‎ .‎
يشار في هذا السياق الى ان عداد الإصابات بكورونا لدى وزارة الصحة سجل امس 1010 ‏إصابات و4 حالات وفاة.
وفي المقابل بدأت موجة الحرائق التي اجتاحت المناطق اللبنانية في الأيام الأخيرة بالانحسار ‏والتراجع ليتكشف كما في كل مرة مشهد الكوارث الطبيعية والبيئية التي خلفتها.
 
النهار - 12 تشرين الأول 2020

إرسال تعليق

 
Top