0
في عزّ "حشرة" الثنائي الشيعي حكومياً ووطنياً وإقليمياً ودولياً، وغداة سحب رئيس ‏الجمهورية ميشال عون البساط الدستوري والمسيحي من تحت أقدام مطلب استئثار الثنائي ‏بحقيبة المال، خلع الرئيس سعد الحريري عباءة تشدّد رؤساء الحكومات السابقين وتفرّد بتقديم ‏‏"فتوى تسووية" مشروطة بعدم تكريسها أي عرف أو واقع دستوري يُؤسَّس عليه في تشكيل ‏الحكومات مستقبلاً، ليقدّم من "كيس" رصيده الشخصي والسياسي فدية "المالية" للثنائي ‏بمفعول مزدوج يفتدي من خلاله مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون و"حكومة المهمة" ‏الإنقاذية للبنان. المخرج الذي طرحه الحريري لتحرير تشكيلة أديب من قيود التعطيل، قضى ‏أن تكون حقيبة المال من حصة الطائفة الشيعية لكن على أن يتولى الرئيس المكلف نفسه ‏تسمية وزير مستقل لها "على قاعدة الكفاءة والنزاهة وعدم الانتماء الحزبي (...) وبهذه ‏الخطوة، تصبح المسؤولية على عاتق الممانعين لتشكيل الحكومة، فإذا تابعوا عرقلتهم ‏يتحملون مسؤولية ضياع فرصة لبنان لوقف الانهيار وإنقاذ اللبنانيين من مآسيهم الحالية ‏والمرشحة للتزايد‎".
‎ مرة جديدة اختار الحريري "تجرّع السم" مع علمه المسبق بأنه قرار "قد يصفه البعض ‏بالانتحار السياسي"، لكنه لم ير عنه بديلاً لمحاولة إنقاذ المبادرة الفرنسية بوصفها "آخر فرصة ‏لمنع سقوط لبنان في المجهول". 
وأكدت مصادر مواكبة لموقفه أن الحريري يدرك سلفاً أنّ ‏‏"كلفة تقديمه تنازلاً كهذا ستكون كبيرة عليه أمام جمهوره وأمام الفرقاء السياسيين الذين كان ‏لهم موقف رافض لتخصيص وزارة المال لوزير شيعي، لكنه في الوقت نفسه آثر دفع الثمن ‏سياسياً وشعبياً مقابل عدم تضييع آخر فرصة إنقاذية للبنانيين، خصوصاً وأنّ كل من يعارض ‏موقفه لم يطرح أي حلول بديلة أخرى لأزمة البلد الكارثية التي باتت معالجتها مستحيلة من ‏دون المبادرة الفرنسية وتشكيل حكومة مصطفى أديب"..
وكشفت المصادر لـ"نداء الوطن" أنّ بيان الحريري جاء "نتيجة اتصالات مكثفة خلال ‏الساعات الـ48 الماضية بينه وبين الرئيس الفرنسي من دون تنسيق مع أي طرف آخر، ‏وخلصت المشاورات إلى فكرة طرح هذه المبادرة، فتواصل الحريري مع الرئيس المكلف ‏ولمس منه قبولاً وترحيباً بالفكرة مع التأكيد على ضرورة ألا يتحول إسناد حقيبة المال لوزير ‏شيعي إلى عرف دستوري فكان تشديد على وجوب اعتماد هذه المبادرة الإنقاذية "لمرة واحدة" ‏بما يفضي إلى تسمية أديب وزيراً شيعياً لحقيبة المال أسوةً بتسميته سائر الوزراء الآخرين في ‏تشكيلته الوزارية‎".
‎ وعن موقف رؤساء الحكومات السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام الرافض لهذه ‏المبادرة، أوضحت المصادر أنّ "الحريري استمزج رأيهم لكنهم عارضوا اقتراحه كل على ‏طريقته واعتبروه تنازلاً غير مفيد، فقرر المضي قدماً في الطرح وأخذه على عاتقه الشخصي ‏لعله يشكل مخرجاً إنقاذياً للبلد"، نافيةً في المقابل أن يكون الحريري قد أعلن مبادرته بالتنسيق ‏مع أي من فريقي الثنائي الشيعي، بل هو تعمّد طرحها ببيان رسمي لكي يتحمل الجميع ‏مسؤولياته في هذه المرحلة البالغة الدقة والحساسية التي يمر بها البلد‎.
‎ وفي حين ساد انطباع مبدئي لدى بعض الأفرقاء مساءً يراهن على تعامل "حزب الله" وحركة ‏‏"أمل" مع مبادرة الحريري "بعقلانية" فيسارعا إلى تلقفها باعتبارها "مخرجاً معقولاً" للأزمة ‏الحكومية شرط عدم إفساح أي مجال لفتح أي "بازار جديد" يتعلق بالحصص والحقائب بشكل ‏يستنزف مزيداً من الوقت في عملية ولادة الحكومة، نقلت في المقابل أوساط مقربة من الثنائي ‏الشيعي لـ"نداء الوطن" أجواء مناهضة لهذه المبادرة من جانب قيادتي الثنائي مؤكدةً أنهما "لا ‏تزالان متمسكتين بوجوب تسمية وزرائهما الشيعة بنفسيهما، ويعتبران أنّ الحريري بمبادرته ‏هذه إنما تقدم شكلياً خطوة إلى الأمام لكنه في الجوهر لم يقدم جديداً يمكن البناء عليه في سبيل ‏حل إشكالية حقيبة المالية‎".
‎ ميدانياً، اتجهت الأنظار أمس إلى الجنوب على وقع الانفجار المدوّي الذي هزّ منطقة إقليم ‏التفاح وخلّف أضراراً جسيمة في بلدة عين قانا. فالمشهد الذي ارتسمت وسط سحبه الدخانية ‏السوداء التي غطت سماء المنطقة علامات استفهام كبيرة حول طبيعة المبنى الذي دمّره ‏الانفجار ونوعية الأسلحة والذخائر التي كانت مخزنة داخله، بقيت المعطيات المتصلة به ‏ضبابية تلفها جملة من الأسئلة والسيناريوات والفرضيات لا سيما الإسرائيلية منها في ظل ‏التحليق الكثيف للطيران المعادي في أجواء المنطقة قبيل الانفجار‎.
‎ وإذ سارع "حزب الله" إلى تطويق المكان وعمّم معلومات إعلامية تفيد بأنّ الانفجار ناجم عن ‏ذخائر وعبوات مخزنة من مخلفات حرب تموز 2006، أكدت مصادر مواكبة للتحقيقات ‏الأولية بالحادث أنّ "الأجهزة الرسمية ليست على بيّنة بعد من طبيعة الانفجار وأسبابه وتنتظر ‏استكمال تحقيقاتها في هذا المجال"، واختصرت الإجابة عن سلسلة الاتصالات التي جرت ‏أمس لاستيضاح حقيقة ما جرى بالقول: "عنبر رقم 12 جديد والعِلمُ عند حزب الله الذي وحده ‏يملك الجواب اليقين"..
 
نداء الوطن - 23 أيلول 2020

إرسال تعليق

 
Top