0
الحكومة تدافع عن نفسها بتوزيع التهم يميناً ويساراً، ما حدا وزيرة شؤون المهجرين غادة ‏شريم بعد التهويل الذي سمعته من رئيس الوزراء حسان دياب لتبرير الفشل الذريع ‏للحكومة، الى التصريح بأن "ما سمعناه في مجلس الوزراء يظهر فداحة التآمر وكثرة ‏المتآمرين على بلادنا". لكن الرئيس دياب لم يسمّ المتآمرين عليه وعلى البلاد، ولم يرد على ‏المضبطة الاتهامية التي قدمها المدير العام لوزارة المال المستقيل ألان بيفاني في ‏الجلسة، اذ أفاد أن من أسباب استقالته، التي تريّث المجلس في قبولها، عدم مضي ‏الحكومة في دعم خطة النهوض والاصلاح المالي، بل خضوعها للضغوط التي ستؤدي الى ‏تحميل المواطنين الخسائر الجسيمة. واذا كان بيفاني فضح الوضع المالي بكشفه أنه منذ ‏بدء الأزمة تمت طباعة 14 تريليون ليرة وانهار سعر الصرف، فيما كان من المفترض لو ‏نفّذت الخطة أن يستقر سعر الصرف على 3500 ليرة للدولار، فإن الاجراءات المتخذة ‏حكومياً تنذر بمزيد من التدهور المالي، اذ أن إقرار عدم وجود رواتب في القطاع العام تعلو ‏على مخصصات رئيس الجمهورية لم تطبق، بل أن وزير الصناعة عماد حب الله صرّح بأنه ‏‏"خلال جلسة مجلس الوزراء، طرحنا إعادة النظر بالرواتب والأجور. وستتم دراسة الموضوع ‏والعودة لمجلس الوزراء لمناقشته"، ما يعني عدم الاتفاق وعدم المضي بالمشروع، في ظل ‏أخبار بدأت تتسرب عن طرح وزاري لإعادة النظر في الرواتب صعوداً، اذا استمر سعر ‏الصرف على ما هو عليه من ارتفاع، اذ لا يمكن فرض الأمن براتب لا يتعدى العشرة أو ‏العشرين دولاراً للعسكري‎.‎
وبعد سماع "مضبطة" بيفاني، تريّث مجلس الوزراء في قبول استقالته التي يصرّ عليها. ‏وقد اعتبر المدير العام المستقيل أن الفرصة كانت كبيرة مع بدء الخطة الاصلاحية للحكومة ‏بتغيير المسار الخطير الذي أخذه لبنان منذ زمن طويل، وللانطلاق بنظام عادل يساهم في ‏تغطية خسائره من تعدى على المال العام، ومن تقاضى فوائد فاحشة، ومن جنى أرباحاً ‏كبيرة بصفته مساهماً في المصارف المحظية‎.‎ ‎
وشدّد بيفاني على أن الانقضاض على الخطة الحكومية جاء لأن الخيار الآخر هو عدم تحميل ‏أي خسارة لمن استفاد من النظام، بل رمي الخسارة على الشعب عبر تدهور العملة ‏وممارسة "الهيركات" عند كل عملية مصرفية وضرب أي امكان للنمو وايجاد فرص العمل ‏على سنوات عديدة، وأي امكان للمودعين للوصول الى كامل ودائعهم اياً كان حجم الودائع‎.‎
وحذّر بيفاني من أن هذا الأمر جريمة لا يمكن السكوت عنها، وأن وتيرة طباعة العملة تؤشر ‏لانهيار الليرة، وأن "الهيركات" وصل الى 70 فِي المئة وأكثر، وفرص العمل تنهار، فيما نحن ‏نشهد على الاستمرار في المماطلة حتى التوصل الى إخفاء الخسائر على حساب المواطن، ‏والوقت الذي يضيع يزيد العوز وانهيار مستوى المعيشة وتغيير وجه لبنان‎.‎
وتحدث عن مواجهته أشرس معاملة وأطناناً من الكذب والنفاق ممن لا مصلحة لهم في ‏الاصلاح. إلا أن ما لم يكن سهلاً عليه فهمه أن تقف الدولة مكتوفة في هذا الوقت من دون ‏الدفاع عن المشروع الاصلاحي‎.‎
وقال بيفاني للحكومة في وجهها إنها لم تأتِ بأي دعم للخطة ولم تفسّر هذه الخطة ‏للجمهور على الاطلاق. ولما جاء صندوق النقد الدولي ليؤكد مراراً وتكراراً صحة مقاربتنا ‏وأرقامنا لم تقف الحكومة لتقول كفى لمن يتلاعب بمصير البلد‎.‎
وانتقد بشدّة تقصًي الحقائق في أرقام الخسائر فيما هي من أوضح الأرقام وصادق عليها ‏المجتمع الدولي بأكمله وحتى بعض المصرفيين اللبنانيين المحترفين. وتحدّث عن محاولة ‏يائسة لتزوير الحقائق وقد أضعنا بذلك وقتاً ثميناً جداً وخسرنا صدقية الدولة. وخلص الى أن ‏لا قدرة للخطة البديلة من خطة الحكومة على استقطاب أي دولار سوى بيع الذهب وهذا ‏لن يكفي وهذه جريمة‎.‎
وأدت مداخلة بيفاني المكتوبة الى حالة من الضياع دفعت وزراء الى المطالبة بتحقيقات ‏في قطاعات مختلفة ومنها الكهرباء، التي أعلن وزيرها ريمون غجر أن التغذية ستتحسّن ‏من الأسبوع المقبل، وأن "نحو 90 الف طن مازوت ستصل خلال أسبوع"، متسائلاً: "المازوت ‏عم يتبخر وبدنا نعرف وين عم يروّحوا تخزين وتهريب"..
سياسياً، يزور اليوم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي قصر بعبدا للقاء رئيس ‏الجمهورية ميشال عون، وتقديم اقتراحه الداعي الى التزام حياد لبنان، وهو الموقف الذي ‏كرّره تباعاً في عظاته وفي مواقفه، ورأى فيه البعض معارضة للرئاسة الأولى، وإحراجاً لها.
وتابع البطريرك الماروني أمس مواقفه العالية السقف، فأكد أمام الصحافيين في الديمان، ‏أن "لبنان هو الحياد والدولة المدنية وبلد اللقاء والتعددية والعيش معا وأتى ميثاق 1943 ‏ليكرّس هذا الواقع". وقال: "لبنان كان منفتحاً على كل الدول شرقاً وغرباً ما عدا اسرائيل ‏التي احتلت أرضنا، ولذلك كان سويسرا الشرق… اليوم بات لبنان منعزلاً عن كل العالم لكن ‏هذه ليست هويتنا، بل هويتنا الحياد الايجابي والبنّاء لا المحارب". وأضاف: "الحياد هو ‏مطلب دولي وأوروبي وعربي، نحن نطالب بالحياد أي التزام السلامة والعدالة وحقوق ‏الإنسان وهذا الجسر بين الشرق والغرب، هذه الأرض لم تعرف سوى مدّ الجسور مع ‏الآخرين ولا يمكننا معاداة جميع الشعوب فلنعد الى طبيعتنا". وختم: "أننا نريد العودة الى ‏أنفسنا لا أن نكون مرتبطين بأحد".. ‎
في المقابل، شكّلت دار الفتوى محجاً لشخصيات سياسية تأييداً لنداء البطريرك الماروني ‏بـ"فكّ اليد عن الشرعية" ودعوته الى حوار وطني عنوانه "إعلان حياد لبنان". فاستقبل مفتي ‏الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، الرئيس فؤاد السنيورة على رأس وفد من لجنة ‏متابعة مؤتمر الأزهر للمواطنة والعيش معاً ووثيقة الإخوة الإنسانية. وبعد اللقاء، صرح ‏السنيورة: "جئنا نحن في لجنة متابعة إعلان الأزهر ووثيقة الأخوة الإنسانية إلى دار الفتوى، ‏هذه الدار الوطنية الكبرى، للتشاور مع المفتي في الشأن الوطني وفي مبادرة البطريرك، ‏التي عبّر عنها في عظتي الأحد في 5 و12 تموز، وفي شؤون تهم اللبنانيين في ظروف هذه ‏الأزمات الكبيرة". وأضاف "نرى في كلام البطريرك الراعي مناسبة لإطلاق حوار وطني ‏جامع يهدف إلى الحفاظ على لبنان وطناً ودولة ورسالة. وتشاورنا مع المفتي دريان في ‏النقاط الثلاث الرئيسية في مبادرة البطريرك: أ‌- تحرير الشرعية اللبنانية من الحصار، ب‌- ‏تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية، ج‌- تنفيذ قرارات الشرعية ‏الدولية 1701- 1757- 1680- 1559‏‎…‎ ‎
كذلك، زار النائب نهاد المشنوق المفتي دريان. ودعا اثر اللقاء، إلى حوار وطني حول ‏القواعد الوطنية الثلاث التي دعا إليها البطريرك الراعي خلال الأسابيع الأخيرة‎.‎ ‎
تحركات ‎
وأمس شهدت المناطق تحركات مختلفة رفضاً للغلاء الفاحش واعتراضاً على تكدس ‏النفايات واعتصمت مجموعة أمام وزارة السياحة منددة بتعدي مرافقين للوزير رمزي ‏مشرفية على الناشط المحامي صلاح الحركة واشباعه ضربا‎.

النهار - 15 تموز 2020

إرسال تعليق

 
Top