0
لعل آخر ما كان ينقص لبنان الذي يعاني من ظروف وأوضاع بات يصعب توصيف خطورتها التصاعدية ان تحضر أخطار الاختراقات الإسرائيلية لساحته سواء كانت في الداخل اللبناني او على الحدود اللبنانية - السورية او على الحدود الجنوبية بما يفاقم الغموض والمجهول الذي يحكم الواقع اللبناني وسط تراكم الازمات والتطورات المفاجئة المتصلة بالأوضاع الإقليمية. 
هذا الخطر الإضافي برز فجأة امس مع حادث زاد غموضه في ظل التعتيم الإعلامي الذي فرضه عليه "حزب الله" وتمثل بغارة تولتها طائرة "درون" إسرائيلية على سيارة جيب رباعية الدفع تابعة للحزب عند الحدود السورية اللبنانية في نقطة جديدة يابوس كانت متجهة من لبنان الى سوريا ودمرتها. وبدا من الوقائع القليلة المتوافرة عن الغارة ان الطائرة المسيرة الإسرائيلية استهدفت السيارة بصاروخ اول لم يصبها الامر الذي أتاح لركاب السيارة ان يفروا منها بسرعة قبل ان يدمرها صاروخ ثان ويحرقها. ولكن الحزب لم يصدر أي بيان حول الحادث والتزم وأوساطه ودوائره الإعلامية الصمت عليه. وبدا لافتا على هامش الحادث ان ينكشف ان الحدود اللبنانية السورية المقفلة مبدئيا وفق قرارات الحكومة الخاصة بحال التعبئة العامة كانت مفتوحة امام السيارة التابعة لـ"حزب الله" في طريقها الى سوريا. كما استوقفت المراقبين حركة الاختراقات الإسرائيلية الكثيفة للأجواء اللبنانية في الأيام الأخيرة والتي سبقت الغارة التي حصلت امس من دون اتضاح هوية الأشخاص التي استهدفتهم والذين يبدو ثابتا انهم نجوا من الهجوم.
اما في الداخل اللبناني وان كانت متابعة عدادات كورونا ومؤشراته تبقى في صدارة الحدث الداخلي كما العالمي، فان الحكومة بدت في الساعات الأخيرة تمارس لعبة المناورات بين الشأن المالي والشأن القضائي. اذ بدت كأنها امام استدارة اضطرارية لتصويب الكثير من الاهتزازات والإخفاقات التي منيت بها تباعا في الفترة الأخيرة وان كانت لا تزال تحاول حجب التداعيات السلبية لهذه الإخفاقات بإبراز المؤشرات المعقولة للسيطرة على انتشار فيروس كورونا في لبنان والاتكاء عليها كإنجاز للحكومة. 
ويبدو واضحا ان بعد السقوط الاضطراري لمشروع اعتماد عمليات الـ"هيركات" ضمن الخطة المالية للحكومة التي لا تزال مطروحة على جلسات مقبلة لمجلس الوزراء (ليست مدرجة على جدول اعمال الجلسة التي ستعقد اليوم في قصر بعبدا) ان الحكومة لجأت الى توسيع اطار المشاورات والحوارات في محاولة منها لتمرير الاثار المؤذية التي لحقت بصورة ابرز مشروع كان تعده وتنوي من خلاله تصويب المسار المالي والاقتصادي. ولكن التسرع والارتجال اللذين طبعا المرحلة الأولى من تحضير الخطة أديا الى تفجير ثغرات كبيرة في طريق هذه المحاولة، كما تسببا تاليا بإعادة النظر في الأسلوب التي كان متبعا في محاولة إقرارها خصوصا بعدما اتسعت دائرة الرفض لاتجاهات الخطة من المعارضة "الخارجية" الطبيعية للحكومة الى مكونات من داخلها وكادت تهز مصيرها في شكل جدي. وفي ظل هذا الواقع برزت في الساعات الأخيرة رحابة صدر مفاجئة طبعت المواقف والتحركات الحكومية لاطلاق حوارات تتصل بالخطة المالية والاقتصادية، وكانت اولى هذه الخطوات لقاء موسع نظمته السرايا بعد ظهر امس بين عدد من الوزراء والهيئات الاقتصادية شارك في جانب منه رئيس الحكومة حسان دياب موضحا ان الحكومة تحاول توسيع المشاورات في كل القطاعات "حتى نأخذ رأي الجميع لان الورقة الاقتصادية تخص كل لبنان وليس أشخاصا معينين والحكومة اللبنانية فقط". وفي معرض شرحه لاهداف الحكومة على صعيد إعادة هيكلة الدين لوحظ ان دياب تحدث بوضوح عن "حاجتنا الى فريق عمل يستطيع ان يطمئن المجتمع الدولي الى اننا سنخرج من النفق الصعب حتى نستطيع إيفاء أي قروض إضافية نضطر الى تأمينها". وقال "طبعا لا نتكلم بـ"هيركات" وهذا الموضوع سيتم باستبدال السندات مثلما يحصل في كل دول العالم" وشدد على "انه لا يوجد شيء منزل ونتطلع الى الإفادة من خبراتكم وآرائكم". ومن المقرر ان يلقي الرئيس دياب في الثامنة والنصف مساء اليوم كلمة متلفزة يتناول فيها الملفات المالية والاجتماعية والسياسية.
صندوق النقد
وتزامن ذلك مع موقف جديد لصندوق النقد الدولي من الوضع في لبنان اذ اعتبر في بيان ان لبنان يواجه تحديات تأثير فيروس كورونا والازمة المالية والاقتصادية الحالية. وكشف ان السلطات اللبنانية استفسرت عن امكان التمويل الطارئ من الصندوق لكنها لم تطلب رسميا أي تمويل. واكد انه يدعم السلطات اللبنانية من خلال المساعدة الفنية. وأعلن الصندوق توقعات متشائمة ولكنها غير مفاجئة حيال لبنان اذ توقع انكماش الناتج المحلي 12 في المئة في السنة الحالية مع ارتفاع التضخم الى 17 في المئة وألعجز الى 15.3 في المئة.
مرسومان؟
وسط هذه الأجواء برزت مجددا معالم عرقلة مشروع التشكيلات القضائية الذي وضعه مجلس القضاء الأعلى وأحاله قبل اكثر من شهرين على وزيرة العدل ماري كلود نجم التي عرقلت إقراره وتوقيعه لإصداره على رغم تصاعد الضجة التي اثارتها هذه العرقلة لابرز محاولة إصلاحية قضائية متقدمة. ولم تكن الخطوة الجديدة التي أقدمت عليها الوزيرة امس سوى استمرار في عرقلة الافراج عن التشكيلات اذ عمدت الى تجزئة التشكيلات من خلال مرسومين فوقعت المرسوم المتصل بالقضاء العدلي ليحال على وزير المال فيما وقعت المرسوم الثاني المنفصل والمتصل بالقضاء العسكري بالاشتراك مع وزيرة الدفاع الوطني زينة عكر ليعاد الى مجلس القضاء الأعلى. وأفادت مصادر قانونية معنية ان هذه الخطوة قد تثير مزيدا من الإشكالات والبلبلة نظرا الى انها الأولى من نوعها لناحية تجزئة التشكيلات بما قد يعتبر مخالفة جديدة من جانب السلطة المتمثّلة بوزارة العدل.
كورونا والمستشفيات
على صعيد الوضع المتصل بانتشار فيروس كورونا في لبنان لم تبدل صورة الاعداد الجديدة امس مجمل الواقع الذي لا يزال تحت السيطرة. وسجلت وزارة الصحة ارتفاع عدد الإصابات المثبتة الى 658 إصابة بزيادة 17 إصابة امس بينها 12 إصابة من المقيمين و5 من الوافدين في الرحلات الجوية التي توقفت امس. وفيما لم تسجل أي حالة وفاة جديدة ارتفع عدد حالات الشفاءات الى 84 حالة كما ان ملامح احتواء الانتشار في بشري برزت من خلال تسجيل 70 حالة سلبية من مجموع 72 فحصا أجريت اول من امس كما سجلت حالة شفاء. وأعتبر وزير الصحة حمد حسن "اننا تفوقنا بالنقاط على كورونا لكن ليس بالضربة القاضية".. واكد "اننا نسير في الطريق الصحيح لتسجيل النصر". وفي هذا السياق وصلت منتصف الليل الفائت الى مطار رفيق الحريري الدولي طائرة محملة بالمساعدات الطبية هي عبارة عن هبة مقدمة من الحكومة الصينية الى الطاقم الطبي اللبناني. وسيتسلمها وزير الصحة صباح اليوم في المطار في حضور وزير الخارجية ناصيف حتي ووزير الاشغال ميشال نجار. 

النهار - 16-4-2020

إرسال تعليق

 
Top