0
لم يستطع الهم الاقتصادي المتفاقم يوماً بعد آخر، وفي ظل تطورات معيشية دراماتيكية تثقل كاهل اللبنانيين، حجب ‏الازمة السياسية المتفاقمة أيضاً، والتي ترخي بظلالها على الوضع المالي، اذ تنعدم الثقة الدولية بالقدرة اللبنانية ‏على تجاوز الخلافات والاتفاق على مكافحة الفساد والتزام خطط اصلاحية كفيلة بانقاذ الوضع، خصوصاً ان لبنان ‏يرفض الى اليوم الاستعانة بصندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية، الا من باب المساعدة التقنية، أي الاستشارية ‏التي سيقدمها وفد الصندوق الدولي الذي يصل الى بيروت في اليومين المقبلين. علما ان الاستشارة وحدها تؤخر ‏الحلول في انتظار مراقبة قدرة لبنان على القيام بخطوات جدية وفاعلة‎.‎
‎ سياسياً، لا شك في ان خطاب الرئيس سعد الحريري الجمعة الماضي في ذكرى اغتيال والده الشهيد رفيق ‏الحريري سيترك تداعياته السياسية على المرحلة المقبلة، وربما على المدة المتبقية من عمر الولاية الرئاسية ‏للرئيس ميشال عون التي تجاوزت نصفها، بحسم الحريري موت التسوية الرئاسية، مع ما سيرافق المرحلة المقبلة ‏من "مناوشات" سياسية ظهرت أولى معالمها في يوم الذكرى، بالاشكالات المفتعلة في ساحة الشهداء، من "ابناء ‏الصف الواحد"، في تحرك مشبوه استمر يومين ليعكر أجواء مهرجان "بيت الوسط". والى ذلك، تتوقع أوساط ‏‏"مستقبلية" ان تتعامل السلطة مع الحريري والفريق المعارض بنوع من التضييق بدأت نذره تظهر في غير موقع ‏وادارة، ومن المرجح ان تتضاعف كلما ازداد منسوب المعارضة والتنسيق في هذا المجال‎.‎
‎ من جهة أخرى، بدا واضحاً ان رغبة رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل في التوجه الى المعارضة ‏لم تكن محض مصادفة عبّر عنها للرئيس نبيه بري خلال مفاوضات تأليف الحكومة، عندما اقنعه الاخير بالعودة ‏عن الفكرة لكونه وتياره محسوبين على العهد، وتالياً لا يمكنهما المشاركة والمعارضة في آن واحد. لكن يبدو ان ‏المزايدة على "المعارضات" التي تعمل حتى الآن من دون تنسيق من خارج حكومة اللون الواحد، والانتفاضة ‏الشعبية في الشارع، تدفع باسيل الى الشارع، بعدما بدأ تقويم المرحلة السابقة التي كان فيها وزيراً والتي ارتدت ‏عليه سلبا. لذا كان اعلان مفاجئ امس من التيار بالتحرك في "اتجاه تصحيح السياسات المالية والنقدية المتبعة". ‏
فبعدما أرسل تكتل لبنان القوي كتاباً الى حاكم مصرف لبنان للمطالبة بإجراء تحقيق لكشف الحقائق في ملف ‏الاموال المهرّبة الى الخارج واستعادتها، وبعد مطالبة باسيل مصرف لبنان في نهاية 2019 بوجوب كشف ‏الاموال المهربة وبتشكيل لجنة تحقيق برلمانية في جلسة الثقة الاخيرة، ومع استمرار تهريب الاموال الكبيرة من ‏قبل المحظيين والنافذين مع حرمان اللبنانيين حقهم في سحب رواتبهم وودائعهم المتواضعة، تدعو لجنة مكافحة ‏الفساد في التيار الوطني الحر القطاعات المعنية والمتضررة الى تحرك أمام مصرف لبنان في الخامسة عصر ‏الخميس 20 شباط من أجل المطالبة باستعادة هذه الاموال المهربة الى الخارج ووجوب معرفة كامل الحقائق في ‏هذا الملف‎.
‎ ويذكر ان "مجموعة المصرف" التي تتحرك في اتجاه مصرف لبنان، تضم مجموعات يسارية غالبها منشق عن ‏الحزب الشيوعي، وجماعات اخرى مقربة من "حزب الله"..‎ ‎
لاريجاني في بيروت
‎ في غضون ذلك، ما كاد الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله يدعو الى عدم تسمية "حكومة مواجهة ‏التحديات" بـ"حكومة حزب الله"، لان من شأن ذلك ان يلحق بها الضرر دولياً واقليمياً، كانت بيروت تستقبل ‏رئيس مجلس الشورى الإسلامي في إيران علي لاريجاني الذي وصل ليلاً على رأس وفد يضم عدداً من ‏الشخصيات البرلمانية والسياسية، في زيارة رسمية تستغرق يومين، يلتقي خلالها كبار المسؤولين‎.‎
‎ وتأتي زيارة بيروت بعد دمشق التي التقى فيها الرئيس بشار الاسد، وسيهنئ لاريجاني المسؤولين اللبنانيين ‏بتشكيل الحكومة الجديدة ويؤكد دعم لبنان حكومة وشعباً ومقاومة، وسيكرر استعداد ايران للدعم الامني ‏والاقتصادي وكذلك في مجال النفط والكهرباء. وهي عروض سبق لطهران ان اعلنت عنها سابقاً ولم يتمكن لبنان ‏الرسمي من التعامل معها بايجابية في ظل الحظر المفروض على ايران‎.‎
‎ وزيارة لاريجاني هي الاولى لمسؤول ايراني لبيروت منذ بدء الانتفاضة في 17 تشرين الاول الماضي، كما منذ ‏بعد اغتيال قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني، وبعد تأليف الحكومة الجديدة. ‏وسيكون اول مسؤول اجنبي يقدم التهنئة للحكومة ورئيسها، في ظل غياب شبه مطلق لاي مسؤول عربي أو ‏غربي أبدى رغبة في زيارة بيروت في وقت قريب. وسيكون لزيارة لاريجاني وقع أقرب الى السلبية أمام ‏المجتمعين العربي والدولي، كما انه سيعرض حكومة لبنان لاحراج في ظل ازمة خانقة مالية واقتصادية يقابلها ‏عدم القدرة على التعاون مع طهران في كل المجالات‎.‎
‎ السندات
‎ اقتصادياً، لا يزال الجدل مستمراً في أوساط خبراء الاقتصاد بين مؤيد ومعارض لسداد لبنان سندات ‏‏"الاوروبوندز" المستحقة في اذار المقبل، وقبل حسم الحكومة قرارها، لجأت المصارف، الحاملة في الأساس ‏لنحو 60 في المئة من قيمة الإصدار، الى بيع سنداتها لصناديق خارجية بأسعار أدنى بما بين 20 و30 في المئة، ‏بعدما بلغتها معلومات عن توجه الحكومة الى دفع المستحق لحاملي السندات الأجانب مقابل عملية مبادلة لحاملي ‏السندات المحليين، فارتفعت نسبة الأجانب الى 80 في المئة، ما جعل الدولة في وضع محرج حيال القرار الذي ‏ستتخذه. وفي رأي مصادر وزارية بارزة ان هذا الامر يشكل عاملاً مسيئاً يضع لبنان في موقع تفاوضي صعب ‏جداً، اذا اتخذت الحكومة قراراً بإعادة هيكلة الدين. ورأت ان هذا الامر يرتب مسؤولية كبيرة على السلطات النقدية ‏من أجل وضع حد لهذه المسألة..

النهار - 17-2-2020

إرسال تعليق

 
Top