0
لم يسبق للحياة السياسية في لبنان أن شهدت تقديرًا صادقًا وثابتاً من قبل النسيج اللبناني، كالتقدير الذي يحظى به سيادة متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأورثوذكس الياس عودة. ‪
فهو المطران المخضرم في رفض الطرق السهلة التي لا تعلّق على الأكتاف سوى نياشين التبعية مختارا التحديات الأصعب ومضيفًا على السياسة في لبنان لونًا مقاومًا قوامه الموقف الثابت والحر الذي لا تبدّله الأزمات مهما اسودّت أيامها أو ضاقت آفاقها. ‪ ‬ ‎
معرفتي بهذه القامة اللبنانية القديرة، تعود الى سنوات دراستي المتوسطة والثانوية في مدرسة مار الياس بطينا ببيروت حيث كانت صورة المطران عودة مرتفعة ومعلقة في القاعات والمكاتب الأساسية كاسرة نمطية االبروتوكول اللبناني الممل بضرورة ملازمة صور رؤساء الجمهورية لعيوننا ليل نهار هذا الى جانب كلمته السنوية المكتوبة في مجلة "الحصاد" الصادرة عن المدرسة وموقفه السنوي في حفل تخريج طلاب المدارس الأورثوذكسية في بيروت الذي عادة ما كان يأتي محمّلاً بإشارات لاذعة الى الطبقة السياسية اللبنانية برمّتها رغم وجود ممثلين عنها في الصفوف الأمامية ضمن الحضور.
نسهب بارتياح كبير عن محبّة اللبنانيين للمطران عودة تأسيسًا على السنوات الأربعين التي تحتفل الطائفة الأوثوذكسية بمرورها على توليه مهامه الرعوية، والسنوات الكثيرة هنا هي المفارقة التي تميز الرجل كوجه محبّب وقريب الى جراحات الناس مقارنة بوجوه أخرى أفنت سنوات مسؤولياتها دون تسجيل ولو مبادرة كلامية واحدة علاوة على ما حفل به تراكم العقود هذا من أحداث لبنانية مفصلية وهزّات اجتماعية وإنسانية كانت فيها مواقف المطران عودة الواحة الأنقى والأصدق لجمع اللبنانيين وتوحيد صرخاتهم ولاءاتهم ضد التوحّش الزعاماتي منبع كل إفقار وفساد وتسيّب في بلدنا لبنان. ‎
مثلُ مواقف المطران عودة لا تُقدّر فعاليتها الا في لحظات الحقيقة، وتاريخ السابع عشر من تشرين الأول شكّل صورة واضحة ودليلا دامغا على معادلة الصدق تلك، حيث لاقى المطران عودة الانتفاضة اللبنانية بأريحية مميزة انطلاقا من مخزون مواقفه السياسية والاجتماعية والانسانية التي استشرفت ما وصلت اليه البلاد من مزيج أزمات معقّد ما رسم فوارق عديدة وكبيرة ما بينه وبين المتسلّقين الذين راحوا بنفضون الدفاتر القديمة بحثا عن ثغرة تبقيهم على قيد الحياة في سجل الأيام والذاكرة السياسية اللبنانية. 
‎حتى سهام التطاول التي تجرأت عليه لمواقفه التقدمية في عزّ الظلام اللبناني لم تنفع، فمشكلة هؤلاء مع المطران عودة، أن مواقفه الفجّة في صراحتها والصادرة من منطلقات وطنية صافية ترفع مستوى النقاش الى حدود لا مكان فيها لمدرسة السفالة والبذاءة السياسية! ‎
بالجلباب السياسي أو بثياب الكهنوت، المتروبوليت الياس هو هو.. قامة وطنية لم تنطق يوما إلا بلسان الألم اللبناني..‬ ‎إنه بحق.. مطران الشعب اللبناني وسائر أحراره.

عمر الفاروق النخّال - كاتب وصحافي لبناني - ليب تايم - 5-2-2020

إرسال تعليق

 
Top