0
منذ انطلاقة الثورة في 17 تشرين الأول 2019 شكّل حراك بعلبك ظاهرة مميزة كسرت روتين المدينة و”راحتها”، ويوما بعد يوم اكتسب موقعا له في صدر أخبار الثورة. وما بدا في أول الأمر وكأنه “همروجة” لجذب الاعلام الى منطقة لفّها الاهمال والنسيان، صار اليوم عنوانا ثابتا بمطالب واضحة تلاقي مطالب المنتفضين في كل الساحات وتعلن بصوت عال ان بعلبك والهرمل ليستا “خارج” هموم الوطن الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
قصدنا بعلبك “حصن الثورة” كما يحلو للمنتفضين تسميتها. مقابل خيمة الحراك لاحظنا مركزا للجيش تمّ تعزيز عديد عناصره بعد محاولة حرقها مؤخرا. وداخل الخيمة في ساحة خليل مطران التقينا عددا من الثوار والثائرات من المدينة والجوار..
لمسنا اجماعا على الخطوط العريضة وأهمها: بسط سلطة الدولة والسلاح الشرعي على مجمل الأراضي اللبنانية وعلى رأسها محافظة بعلبك الهرمل، فضلا عن استقلالية وتفعيل دور القضاء، واقرار قانون عفو عادل، وانتخابات على اساس لبنان دائرة واحدة، فضلا عن تغليب هموم المنطقة المعيشية.
بعض الثوار لم يمانعوا اعطاء أسمائهم رغم الضغوط التي يتعرضون لها وهم من كل الطوائف والأعمار: ومنهم سلوى الشمالي… راتب العفي، ازدهار الخرفان، ومن بريتال تحدثنا مع ابو جعفر مظلوم .. وجواد المصري.. وفضل مظلوم…
الضغوط المتكررة
ليس الأمر مجرّد نزهة الى الخيمة. فبحسب ما روى الثوار: “الخوف يسيطر على اهالي بعلبك. عندما ننظم لقاء او حدثا، يصل عدد المشاركين الى 2000. ولكننا نتعرض لضغوط كثيرة.. تطاردنا سيارات.. نتلقى تهديدات شخصية على هواتفنا… فضلا عن تعرضنا أحيانا لعنف جسدي.. وآخره منذ اسبوع عندما رمى شباب مسلحون يحملون بطاقات حزبية، البنزين على الخيمة، وكان داخلها عدد من النساء والرجال وأرادوا حرقنا، ثم ما لبث ان تطور المشهد الى تعارك وانهال الحزبيون علينا بالضرب فأصابوا بعضنا برضوض…… الجيش اعتقل اربعة منهم، وما لبث ان اطلقهم. ويقال انه تم استبدال المحتجزين الاربعة بشخصين لم يتواجدا في مكان الحادث….ولا نعرف حتى اليوم ماذا كُتب في محضر التحقيق.. ولكن الجيش ابلغنا شفويا ان الفريق الآخر تعهد بعدم التعرض لنا مجددا.. علما انها ليست المرة الاولى التي يتم فيه مثل هذا التعهد.. حتى ان الاعلام تعرض بدوره لمضايقات، وبعض المصورين اضطر للتوقف عن تغطية نشاطاتنا أو تغطية بعضها بشكل مجتزأ ومبتور وغير موضوعي.
يضيف الثوار: “غني عن القول ان هناك تمييزا كبيرا في تعاطي القوى الامنية.. .. حاولنا مرة اغلاق مسرب واحد على الطريق وبطريقة سلمية فاعتقل الجيش شخصا وحتى الآن لم يفرج عنه.
نريد سلاح الدولة حصرا
وعن ماذا يطلبون على صعيد بعلبك-الهرمل أجابوا: نريد دعم الزراعة والسدود والمياه والصحة والأهم من كل ذلك الأمن.. فالأحزاب التي تغطي الشغب تتحمل مسؤولية ما يحصل ضد الثوار، وتغطي الفاسدين الذين يمرون أمام الحواجز الأمنية في الشراونة وخارجها بسلاحهم عندما يبرزون البطاقات الحزبية وبسياراتهم ذات الزجاج الداكن وبلا ارقام..أما السلاح فبمعظمه من دون رخص وحتى الرخص فهي سهلة المنال…
أضافوا: نريد ضبط السلاح كليا. ووضع حد لمن يحمل سلاحا ويتلطى بالمقاومة.. كلنا مقاومة لاسرائيل والمقاومة سابقة عمّن يتغنى بها اليوم.. ولكن نحن لا نحمل السلاح في شوارع بعلبك. لا نتهجم على المقاومة ولا نريد ذلك، انما سلاحها يجب ان يكون حماية للبنان وصواريخا ضد العدو وليس كلاشينكوف في شوارع بعلبك. وهنا نشدد على ان الحزبيين المنتسبين في المدينة لا يبلغون أكثر من 20 في المئة، وربما أقل يتسلطون على غالبية السكان. لذلك نطالب ان لا يكون هناك سلاح الا في يد الجيش وقوى الأمن.. ومطالبنا معيشية ولن تتحقق إلا عبر تعميم منطق الدولة التي تحمي شعبها وتعزز الإنماء في كل المناطق وعلى رأسها الأطراف. فهل يلطّخون سمعتنا ويخوّنوننا لاننا نطالب بذلك؟؟.
وردّ الثوار على من يروّج ان الخارجين عن القانون هم مجرد عناصر غير منضبطة بالقول: “اذا كانت غير منضبطة لمَ يحمونها اذا؟؟ نريد دولة مواطنة مدنية لا نشعر معها اننا بحاجة للانتظارعلى أبواب اي جهة او حزب لنحصل على أبسط حقوقنا في الصحة والتعليم والعيش الكريم..وللتوضيح، لو خدمت الأحزاب الناس حقا، لما كان هناك ثورة.. معظم الوعود كانت كاذبة اطلقت قبل الانتخابات لأسباب معروفة واليوم نوابنا غائبون”
العفو العام والصحة والزراعة
من أهم المطالب الشعبية لبعلبك الهرمل إقرار قانون العفو خصوصا مع وجود اكثر من 46 الف مطلوب من المنطقة. وردا على سؤال عن موقف الثوار من القانون، أوضحوا ان هناك علامات استفهام كثيرة عليه كما طرح مؤخرا، ولكن من ابسط حقوق الموقوفين تسريع المحاكمات.. فمن يزرع حشيشة ليس كمن يقتل… ولا يمكن ان نشبّه من يسجن بسبب مخالفة بناء مثلا لمجرمي العصابات.. فنحن في حاجة لقانون عفو عادل وليس عاما.. وهنا نطالب باهمية استقلالية القضاء الذي يجب ان يحاكم الكبير والصغير… معطوفا على تفعيل دوره وكف يد السياسيين عنه واعطائه سلطة تتخطى الحصانات…
مسألة اخرى يطالب الثوار بمعالجتها على صعيد بعلبك، تتمثل بالضم والفرز… فالى الآن لا قانون يرعى هذه الأزمة المتفاقمة..
في ما يتعلق بالزراعة والصناعة يقول الشباب: لدينا ثروات ضائعة.. اسعار الأراضي زهيدة واليد العاملة رخيصة وشبكة المواصلات موجودة ومدينتنا مرحّبة بالجميع. تبقى معالجة مشكلة المياه والأهم من كل ذلك الأمن … كيف سيأتي من يستثمر في الزراعة والصناعة اذا علم انه سيتلقى تهديدات ويخضع لابتزازات متواصلة..
وعلى الصعيد الصحي وماذا يطلبون من وزير الصحة حمد حسن ابن بعلبك، يقول أحدهم: ليس لدينا أمل فيه. وبكل الأحوال ..هو يعلم وضع المنطقة.. نحن في حاجة لدعم المستشفى الحكومي في راس العين وتفعيلها. فهي تعاني نقصا في المعدات.. احيانا لا نستطيع معالجة جروح غير خطيرة بسبب النقص في الشاش وادوات التطهير…انها أشبه بالمستوصف منها بالمستشفى.. من غير ان نتحدث عن افضلية الحصول على سرير، وفيها 16 سريرا فقط مقابل 250 موظفا!!
وتابع: هناك خمس مستشفيات خاصة في بعلبك ولكن لسنا مقتدرين لدخولها..كما أن سقف التغطية الذي توفره وزارة الصحة محدود وعدد المرضى كبير.. وهناك مستشفيات لا تلتزم دائما بالفرق في الفواتير الذي تعترف به الوزارة.. من جهة ثانية، ثمن الأدوية باهظ، وكثير منها غير متوفر في المنطقة.. علينا ان نقصد مدنا اخرى او ننتظر الى حين استطاعة الصيدليات تأمين الدواء عبر شركات الادوية.
على الصعيد العام، يسأل الثوار: ماذا نتأمل من حكومة اللون الواحد؟! انها ليست حكومة تكنوقراط ولا مستقلين بل فيها اسماء مستفزة كوزير الصحة مثلا الذي تبوأ سابقا مسؤوليات هنا في المنطقة ولم نر منه انجازات باهرة. لا نرفض حكومة دياب لمجرد الرفض.. لقد اعطيناها الفرصة الأولى، ولكن النتيجة كانت مهزلة وخير دليل على ذلك تبنيها موازنة حكومة النهب السابقة.
وطنيا ايضا، معظم الثوار مع انتخابات على اساس لبنان دائرة واحدة خارج القيد الطائفي مع تعزيز دور الرقابة منعا للتزوير.. فضلا عن محاربة الفساد واستعادة الاموال المنهوبة وباقي المطالب..
بريتال.. لسنا سارقين وثورتنا منذ 1997 لاستعادة سلطة الدولة
نزل شباب بريتال الى الشارع في ايلول 2019 اي قبل ثورة 17 تشرين..ويقول الثائران ابو جعفر مظلوم وجواد المصري: كنا في بريتال اول من انفجر في ثورة الجياع عام 1997 …وما زلنا ندفع الثمن الى اليوم وكان الإطباق علينا محكما ووقع شهداء كثر منعا للنهضة الحقيقية ولللحؤول دون إحياء حركة المحرومين وما يستتبعها من اصلاحات. وما زلنا نتعرض لاعتقالات عشوائية من دون مذكرات توقيف.. فنحن في منطقة شبه عسكرية.. لذلك بتنا نفضل اليوم المشاركة في نشاطات ساحة الشهداء في وسط بيروت، اكثر من ساحة خليل مطران في بعلبك… فليس من السهل على مستوى الطائفة ان نعبّر ببساطة عن رأينا في الفساد مثلا بوجود الثنائي الشيعي.. لقد صادروا رأي الناس في الانتخابات وخارجها. وحاسبوهم على لقمة عيشهم، واشتروا العسس برخصة Fume ،، لذلك نفهم الأسباب الرئيسية وراء تراجع الظاهرة الثورية.. فبمجرد رفع صوتنا، كلنا مهددون بخسارة وظائفنا او تلطيخ سمعتنا…او وقف الطبابة والخدمات عن عائلاتنا..
ماذا غيّرت الثورة في شباب بريتال!
يقول المصري وجعفر: نحن ابناء بريتال غيّرنا مفاهيم كثيرة لا يريد الاعلام الالتفات إليها. واستطاعت حكمة الثورة ان تهزم السمعة السيئة للمنطقة. نريد الدولة وحدها في بريتال.. ولكنهم لا يريدون ان يتقبلوا أننا اليوم كالكثير من ابناء وشباب البلدة، نؤمن بالوحدة الوطنية وبسط سلطة الدولة.. ونطالب باثبات هويتنا كمواطنين فوق اي اعتبار.
وعن ارتباط اسم المنطقة بالعشائرية وتغليبها على المواطنية، أجابا: مفهوم العشائر لا يتناقض مع هويتي كمواطن بالدرجة الأولى وعلى العشائر ان لا تقدم مصلحتها على المصلحة الوطنية، ومن مهام زعيم العشيرة من الآن فصاعدا ان يوعّي الناس على مفهوم المواطنية. أما على صعيد السلاح المتفلت، ففي بريتال وبعلبك نرى أنه صبح آفة المجتمع.
وعن تواجد الدولة اليوم في بريتال أكدّا أنه ومنذ ان اصبحت المنطقة عسكرية في 97 ، لم تسجل حادثة تعدي على القوى الأمنية المنتشرة بقوة في مراكزها في بريتال عكس ما يشاع.. وأوضحا أن الأهالي استقبلوا العناصر الأمنية بالورود عام 97 لان من اهم مطالب الثورة آنذاك كانت “سيطرة الدولة”. لكننا حوربنا بالاغتيال الاجتماعي وبالترويج اننا سارقو سيارات ومهربون.
قرار الحرب والسلم يجب ان يؤخذ بالتوافق
يجمع الشابان على ان المقاومة حق مقدس، والسلاح حاجة لأن لدينا عدوا اسرائيليا يهددنا باستمرار..وبما انه بعد ال 2000 التزمت المقاومة بقضية “تحرير الارض” التي لاقت تجاوبا من جميع اللبنانيين، يجب ايضا الاصغاء الى جميع الافرقاء الذين يطالبون بان يكون قرار الحرب والسلم لبنانيا عبر مشاركة الجميع به…
سنتابع مهما كلّف الثمن
لا يكتفي حراك بعلبك بوقفات الاحتجاج والمطالب بل هم اليوم في طور التحضير لإطلاق وثيقة مبادئ عامة للثورة سيعرضونها على كل ثوار لبنان لتشكّل قاسما مشتركا بين المجموعات. كما يعملون على تشكيل لجان للتكافل وبينها لجان للأطباء على شكل clinic اسبوعي داخل الخيمة، فضلا عن لجان تربوية للتعليم المجاني… ويؤكدون من جهة ثانية أنهم ينفقون من اموالهم الخاصة واموال خيّرين من بعلبك.
وأكد الثوار عموما أنهم مستمرون ولن يهربوا، وهم متواجدون يوميا في الخيمة وينظمون دوريا وقفات امام مصرف لبنان والإدارات الرسمية وسبق ايضا ان اطلقوا برنامجا على منصات التواصل بعنوان “صوتك ثورة” من داخل خيمة الحراك.. ويؤكدون ان مرحلة الانفجار الكبير قادمة ولن يستطيع الخوف ردعها، وأن معظم ثوار المستقبل سيكونون من أبناء البقاع المحروم تاريخيا. ويسألون: هل تتخيلون المشهد في ساحتي الشهداء ورياض الصلح حين تملؤهما اعداد البعلبكيين!

فكتوريا موسى - Bekaa.com - 1-2-2020

إرسال تعليق

 
Top