0
اذا كانت المؤشرات والمعطيات المتصلة بانطلاق عملية تشكيل الحكومة الجديدة تكليفاً وتأليفاً لا تزال مشوبة بالغموض في انتظار بلورة "مسارات" المشاورات الجارية بعيداً من الأضواء في كل من القصر الجمهوري في بعبدا وعين التينة و"بيت الوسط"، فإن الصوت الأعلى من الاستحقاق الحكومي الذي طغى أمس على اهتمامات اللبنانيين وأولوياتهم تمثل في الواقع المصرفي مع فتح المصارف أبوابها أمام الزبائن بعد اقفال نادر لهذا القطاع الحيوي دام أسبوعين. واذ غلبت الانطباعات الايجابية على حصيلة عودة المصارف الى عملها بما يدفع قدماً عملية "تطبيع" الأوضاع الداخلية واعادة تحريك الدورة الانتاجية في ظل الانفراج الواسع الذي استشعره المواطنون بفعل تسهيل شؤونهم المالية والمصرفية، فإن هذه الخطوة لم تحجب حال الحذر والترقب المستمرين حيال الواقع المالي الحسّاس والدقيق الذي تثار حوله الاحتمالات المثيرة للقلق في ظل المعطيات المالية والاقتصادية الخطيرة من جهة والسياسية من جهة أخرى، في ظل المرحلة الانتقالية لتشكيل حكومة جديدة.
فالتسهيلات التي وفّرتها المصارف مع عودتها الى نشاطها أمس بدت مرضية الى حدود كبيرة في معاملات عدّة أمنت حصول المواطنين على الكثير من حاجاتهم ومواردهم الملحة بعد اقفال أسبوعين. لكن ثمة معاملات أخرى أدرجت تحت سقف الاجراءات الاحترازية ولم يفتح الباب بعد أمام تحويلات بالدولار الى الخارج في انتظار مرور الأيام الأولى من عودة فتح المصارف. وبينما بدت الاجراءات الاحترازية متوقعة وغير مفاجئة، فإنها أضاءت على الجانب الحذر من تداعيات الواقع الداخلي الراهن بشقيه السياسي والمالي، علماً أن الأوساط المصرفية والمالية والاقتصادية كما معظم اللبنانيين ينتظرون بفارغ الصبر تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لتكليف شخصية تأليف الحكومة الجديدة، باعتبار أن هذه الخطوة ستكون بمثابة حزام أمان للواقع المالي ايذاناً بانطلاق المسار الدستوري مجدداً في شكل طبيعي بما ينعكس ايجاباً مالياً ومصرفياً بتقليص القلق من احتمالات التدهور المالي.
وتقول الأوساط المصرفية المعنية أن اليوم الأول من عودة المصارف الى العمل شكل اختباراً مهماً جداً لمتانة الاستعدادات والاجراءات التي اتخذتها جمعية مصارف لبنان بالاتفاق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لتلبية طلبات المواطنين وطمأنة الناس والأسواق المالية وسائر المهتمين الى قوة القطاع المصرفي وجهوزيته أمام كل ما يواجهه من متطلبات استثنائية وتحديات مثل التهافت الكبير والكثيف للمواطنين الذي حصل أمس. وتضيف أن الأيام المقبلة ستكون استكمالاً لهذا الاختبار الذي يؤمل اذا سار على نحو طبيعي أن يبدّد القلق الذي ساور الناس حيال الواقع المالي والمصرفي، كما من شأن ذلك أن يسهل تدريجاً تخفيف الاجراءات الاحترازية المتخذة للحفاظ على الاستقرار المالي. لكنها شددت على أن أي تلكؤ أو تباطؤ أو عرقلة في مسار الاستحقاق الحكومي سيترك تداعيات سلبية لا يمكن تجاهلها، الأمر الذي يضع كرة الحماية المصرفية والمالية في ملعب المسؤولين الرسميين والسياسيين خصوصاً في الايام القريبة.
ويشار في هذا السياق الى أن عودة المصارف الى عملها بسلاسة على رغم الزحمة الكبيرة التي شهدتها، اخترقها حادث اقتحام عدد محدود من المتظاهرين مبنى جمعية المصارف في الصيفي حيث سعوا الى ايصال رسالة الى الجمعية بمطالبهم وقد اخرجتهم قوى الامن الداخلي لاحقاً.
الاستشارات… والمشاورات
أما بالنسبة الى موعد الاستشارات، فافادت المعلومات المتوافرة من قصر بعبدا أمس انها اذا لم تحدد الاثنين المقبل فالثلثاء على أبعد تقدير، لكن معلومات توافرت لاحقا رجحت صدور الدعوة الى الاستشارات اليوم على ان تجرى الاثنين ليوم واحد.
وأشارت المصادر المواكبة إلى أن الاتصالات التي يجريها الرئيس عون مستمرة والواضح أن التأليف والتكليف يسيران بشكل متوازٍ ولو جرى الاتفاق على نوع الحكومة أي أن تكون سياسية أو تكنوقراط أو تكنوسياسية لكان حدد موعد الاستشارات النيابية.
واعتبرت أن تأخير موعد الاستشارات لا يشكل ثغرة، وأن من الافضل التأخر في الدعوة إلى استشارات التكليف أياما على أن يجري التكليف ويتأخر التأليف أشهراً نظراً إلى التجارب السابقة في تشكيل الحكومات. ولاحظت أنه لو تم اتفاق على حكومة تكنوقراط لكان أصبح واضحا من سيكون رئيسها.
وتوقعت المصادر أن تكون الحكومة المقبلة مصغرة مع الإشارة الى ان العدد النهائي للوزراء لم يتفق عليه.
ومع ان اسم الرئيس سعد الحريري يبقى الاكثر ترجيحاً بل بلا منازع لاعادة تكليفه تأليف الحكومة، فان المعطيات القائمة حول تكليفه لا تزال تشير الى تعقيدات لا يستهان بها لجهة شكل الحكومة وطبيعة الاولويات التي ستتولاها بعد "زلزال " الانتفاضة الشعبية المستمرة والبرنامج الذي ستلتزمه وهو أمر يعكس حقيقة هي ان المشاورات السرية جارية استباقا للتكليف على خلفية التشققات السياسية التي احدثتها استقالة الحريري وحكومته.
نصرالله
ولامس الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله هذا الموضوع في كلمته أمس اذ قال: "استقالت الحكومة ولم نكن نؤيد الاستقالة ورئيس الحكومة له أسبابه ومن تداعيات الاستقالة أن ورقة الاصلاحات جمدت. واصبحت المعالجة الاقتصادية في دائرة الانتظار بعد استقالة الحكومة وكل الذي نزل الناس من أجله سيضيع ولن يتحقق".
واذ رأى ان "على اللبنانيين ألا يدفعوا في اتجاه الفراغ في السلطة"، وضع بدوره مواصفاته للحكومة فدعا الى "تشكيل حكومة جديدة في اقرب وقت ممكن"، وقال: "هذه الحكومة الجديدة نطالبها بان تسمع مطالب الناس الذين نزلوا إلى الشارع. يجب سماع صوت الشعب ووضع برامج للاستجابة للناس، وأن يكون عنوان الحكومة استعادة الثقة. يجب أن تقدم الحكومة كل العناصر التي توحي بالثقة والجدية بالعمل. المطلوب الجدية واعطاء اولوية، وان يكون عمل الحكومة في الليل والنهار". وحضّ تشكيل حكومة "سيادية حقيقية بعيدة من الاملاءات".
وفي التحركات السياسية المتصلة بالاستحقاق الحكومي، عقد "تكتل لبنان القوي" اجتماعا أمس برئاسة الوزير جبران باسيل عرض خلاله "المستجدات على خلفية خطاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مؤكدا التزام مضمونه". كما بحث الأمور السياسية و"موضوع تشكيل الحكومة ورئيسها والخيارات المطروحة".
وفي سياق متصل بالوزير باسيل، نفت مصادر مقربة من رئيس "تيار المردة" الوزير السابق سليمان فرنجية مساء امس عبر "النهار" ما اشيع اعلاميا عن لقاء مزعوم لفرنجية وباسيل في منطقة الشمال. وقالت أوساط "المردة" إن لا صحة اطلاقاً لهذا الخبر وان لا سبب حاليا يدعو الى اي لقاء مماثل.
وفي المقابل، رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع عقب ترؤسه اجتماع "تكتل الجمهورية القوية" بأنه "لا يمكن أن نخرج من الوضع الذي نحن فيه اليوم سوى بخطوة إنقاذيّة كبرى هي كناية عن حكومة مختلفة عن كل سابقاتها حكومة إنقاذ تتألف من شخصيات مستقلّة من ذوي الإختصاص وأهم ما في الأمر أن تكون هذه الشخصيات نظيفة الكف، مستقيمة، ولديها حياة وسيرة وتجارب ناجحة" وقال "إن هذه الشخصيات يجب ألا تكون تابعة لأي حزب أو مرتبطة بأي شخصيّة سياسيّة معيّنة فنحن عندما ننادي بتأليف حكومة تكنوقراط لا نعني مستشارين تقنيين صغارا لأن هؤلاء لا يمكنهم انجاز أي أمر لأنهم في نهاية المطاف يتصرّفون تبعاً لإملاءات الأفرقاء السياسيين".

النهار - 2 تشرين الثاني 2019

إرسال تعليق

 
Top