0
فيما بلغ التصعيد المتبادل ذروته بين الأفرقاء المعنيين بحادثة ‏قبرشمون، دخلت الولايات المتحدة الاميركية على خط الأزمة عبر بيان ‏لسفارتها في بيروت، مؤكّدة دعمها "المراجعة القضائية العادلة ‏والشفافة من دون اي تدخّل سياسي" لتلك الحادثة، داعية الى رفض ‏‏"اي محاولة لاستغلال الحدث المأسوي بهدف تعزيز اهداف ‏سياسية". ولاقى هذا الموقف الاميركي تفسيرات وتأويلات متعددة، ‏راوحت بين قائلة بأنّ واشنطن تتهيّب من أن تؤدي مضاعفات الحادثة ‏الى فتنة تهدّد الاستقرار اللبناني الحريصة عليه، واخرى قائلة بأنّ ‏هذا الموقف الاميركي يدعم فريقاً ضد آخر في المعركة الدائرة حول ‏نوع المعالجة المطوبة سياسياً وقضائياً‎.‎
خطف الاضواء أمس في غمرة المواقف التصعيدية المتلاحقة على جبهة قضية ‏قبرشمون، بيان مفاجئ اصدرته السفارة الاميركية في لبنان أمس حول هذه ‏القضية تضمن الآتي‎:‎ "تدعم الولايات المتحدة المراجعة القضائية العادلة والشفافة دون أي تدخّل ‏سياسي. إنّ أي محاولة لاستغلال الحدث المأسوي الذي وقع في قبرشمون في ‏‏30 حزيران الماضي بهدف تعزيز أهداف سياسية، يجب أن يتمّ رفضه. لقد عبَّرت ‏الولايات المتحدة بعبارات واضحة إلى السلطات اللبنانية عن توقّعها أن تتعامل مع ‏هذا الأمر بطريقة تحقّق العدالة دون تأجيج نعرات طائفية ومناطقية بخلفيات ‏سياسية".
وقالت مصادر مطلعة لـ"الجمهورية"، انّ هذا البيان صدر بعد مراجعات اميركية عدة ‏مع مسؤولين وديبلوماسيين وعسكريين، بدأت منذ حادثة قبرشمون وحتى اليوم. ‏فلاحظت السفارة، انّ الاتصالات لم تؤدِ الى تهدئة الوضع ولا الى ايجاد حل قضائي ‏وسياسي للحادث منعاً للتداعيات. وقد التقت السفيرة الاميركية رئيس الجمهورية ‏ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري ومسؤولين آخرين بعيداً من الاضواء، ‏وطلبت منهم احتواء الموضوع وعدم تسييسه، لأنّ لدى الأميركيين معلومات عن ‏وجود نية لوضع هذا الحادث في اطار تعطيل العمل الحكومي اللبناني والمس ‏بالقوى السيادية، في هذه المرحلة التي تشهد نزاعاً اميركياً ـ ايرانياً في المنطقة، ‏وقد بلغت ارتداداته الساحة اللبنانية".‎
وأضافت المصادر نفسها، "انّ السفارة الاميركية عندما وجدت انّ كل مراجعاتها لم ‏تؤدِ الى نتائج إيجابية اضطرت إلى اصدار هذا البيان الذي يحمل في طياته رسائل ‏تحذيرية أمنية واقتصادية قبل الرسائل السياسية". ولفتت في هذا الاطار، الى انّ ‏قدرة واشنطن على التأثير على الدول المانحة المشاركة في مؤتمر "سيدر" كبيرة ‏جداً، كما انها تتجّه الى توسيع رقعة العقوبات".
وقالت المصادر: "ليست قيمة البيان بسطوره القليلة، وإنما بالإجراءات التي في ‏إمكان اميركا ان تتخذها في حال لم يتجاوب المسؤولون مع هذا البيان، خصوصاً انّ ‏البيان شدّد على الناحية القضائية من دون الدخول في التفاصيل. وأبرز ما قد تقوم ‏به اميركا في حال عدم تجاوب لبنان:
ـ اولاً، توسيع رقعة العقوبات لتطاول مسؤولين في الدولة اللبنانية. وسبق ‏لمسؤولين اميركيين ان لمّحوا سابقاً اكثر من مرة إلى ذلك‎.
ـ ثانياً، التأثير على مؤسسات التصنيف الدولية‎.
ـ ثالثاً، التأثير على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهما مرجعيتان معنيتان ‏بتوفير القروض الاستثمارية للبنان‎.
ـ رابعاً، فرض بعض القيود على تأشيرات اللبنانيين، علماً انّ السفيرة الاميركية ‏اعلنت باكورة هذا الموقف منذ 48 ساعة، عندما اصدرت بيان السفارة، مطالبة ‏بخفض قيمة تأشيرات الدخول للرعايا الاميركيين استناداً الى مبدأ التعامل بالمثل‎.
ـ خامساً، إعادة النظر في نوعية التعامل مع عدد من المؤسسات اللبنانية بما فيها ‏المؤسسات الامنية‎".‎
وعلمت "الجمهورية"، أنّ هناك إتصالات تجري بين سفراء دول الإتحاد الاوروبي ‏لإصدار بيان مماثل لبيان السفارة الاميركية، وسيشهد يوم غد سلسلة لقاءات بين ‏هؤلاء السفراء لتقييم مدى ضرورة إصدار هذا البيان، لأنّ بعض سفراء الدول ‏الاوروبية يعتبر انّ صدور بيان مماثل قد يُفسّر على أنه التحاق بالموقف الاميركي‎".
وأضافت المصادر: "اللافت، انّ حادثة قبرشمون حصلت منذ 5 اسابيع، في حين انّ ‏البيان الاميركي لم يصدر إلاّ أمس، أي بعد ان توافرت لدى واشنطن معلومات عن ‏رغبة اطراف معينة وفي طليعتها "حزب الله" في تسييس الموضوع. وهذا الامر من ‏شأنه ان يعطي جرعة دعم لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ‏ومختلف القوى السيادية. كما انّ البيان صدر في بيروت ولكنه وُضع في واشنطن ‏وتحديداً وزارة الخارجية الأميركية، وقد أُعلن عنه ليس مبادرة من السفارة فقط، ‏وأنما هو موقف اميركي مركزي، وتكمن اهميته في انه ليس بياناً عن قبرشمون ‏والحادث انما ببعده السياسي. ويُنتظر ان يردّ عليه الامين العام لـ"حزب الله" السيد ‏حسن نصرالله يوم الجمعة المقبل".‎
لامبالاة اوروبية‎
وفي السياق نفسه، دعت مصادر ديبلوماسية غربية عبر "الجمهورية" الى قراءة ‏هذا البيان الأميركي "بكثير من الجدّية والتأني وما بين سطوره". وقالت: "إنّ ‏واشنطن التي تراقب التطورات اللبنانية بأدق تفاصيلها احتفظت حتى الآن بطاقمها ‏الديبلوماسي كاملاً في بيروت التي غادرها معظم الطاقم الديبلوماسي الأوروبي ‏والغربي، في اجواء توحي باللامبالاة تجاه ما يجري في لبنان، على رغم من حجم ‏الملفات الأمنية والسياسية والاقتصادية المفتوحة على شتى الإحتمالات ‏السلبية".
صولات وجولات الحقائق‎
ولم يطرأ اي جديد بارز على صعيد المعالجات المطلوبة لحادثة قبرشمون سياسياً ‏وقضائياً، حيث ظل التصعيد المتبادل على غاربه‎.
وعلمت "الجمهورية"، انّ هذه المعالجات لا تزال بعيدة المنال، وان رئيس الجمهورية ‏دعا القضاء العسكري الى ان يأخذ مداه ومجراه في معالجة الحادثة، في اعتبار انه ‏صاحب الصلاحية الاول في هذا الموضوع، ما يعني انه ستكون هناك صولات ‏وجولات ميدانياً وفي المحكمة العسكرية بحثاً عن الحقائق ومعاقبة المرتكبين‎.‎
ودعت اوساط قصر بعبدا عبر "الجمهورية" الى "انتظار القرارات في شأن الملفات ‏التي دخلت الى المؤسسات القضائية" واعتبرت "انّ الحديث عن تدخّلات من هنا ‏أو هنالك هدفه بث الأجواء السلبية التي لا تتحمّلها البلاد في هذه الظروف ‏الدقيقة التي تمرّ بها‎".
مجلس الوزراء‎
ومع عودة رئيس الحكومة سعد الحريري الى بيروت، بدأ الاهتمام ينّصب على ‏الخطوات التي يمكن اتخاذها لإنقاذ حكومته من الشلل الذي أصابها منذ ما يقارب ‏الشهر والعشرة أيام. وقالت مصادر تعمل على خط معالجة الأزمة لـ"الجمهورية"، ‏إنّ "السيناريو الأقرب الى الواقع حالياً هو دعوة مجلس الوزراء الى الإنعقاد بعد عيد ‏الأضحى مباشرة، بحيث يجتمع في القصر الجمهوري بجدول اعمال يُتفق مسبقاً ‏على ان يلي الانتهاء منه البحث في الملف السياسي المتعلق بحادثة قبرشمون، ‏فإذا احتدم النقاش تُرفع الجلسة، وفي هذه الحال يكون قد تمّ انهاء تعطيل مجلس ‏الوزراء، وهو الهدف الاساس لغالبية القوى السياسية. اما قضية قبرشمون، وبعد ‏ما استنفدت كل المساعي ووصلت الى اقصى حدود المواقف والرسائل، فتعود ‏الى حجمها الطبيعي كأي ملف سياسي خلافي كبير ينتهي على الطريقة ‏اللبنانية‎".
الحريري الى واشنطن‎
في غضون ذلك، كشفت مصادر ديبلوماسية واسعة الإطلاع لـ"الجمهورية"، انّ ‏الحريري سيتوجّه نهاية الأسبوع الجاري الى واشنطن في زيارة وُصفت بأنّها ‏مهمة، يلتقي خلالها عدداً من المسؤولين الأميركيين. واكّدت مصادر "بيت الوسط" ‏لـ"الجمهورية" انّ "هناك ترتيبات خاصة تُتخذ لهذه الزيارة". ولكنها لم تكشف ‏مستوى اللقاءات وهوية المسؤولين الذين سيلتقيهم الحريري في انتظار انتهاء ‏الترتيبات اللوجستية وتحديد المواعيد الدقيقة، ما يوحي أنّ الزيارة استثنائية وتمّ ‏ترتيبها على عجل. ولفتت هذه المصادر الى انّ الحريري مستاء جداً مما آلت اليه ‏الأمور، وهو بقي طوال الأيام القليلة الماضية على اتصال بالمسؤولين ولاسيما ‏منهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي كان يراهن على مبادرته الأخيرة قبل ‏اطفاء المحركات‎.‎
وأضافت "انّ الحريري سعى وما زال يسعى لجمع مجلس الوزراء في أجواء هادئة. ‏فما يجب مقاربته من الملفات الكبرى التي عليه التصدّي لها بعد إقرار الموازنة، ‏يحتاج الى اجواء هادئة ووقف الحروب الداخلية وحماية الحد الأدنى من التضامن ‏المتوافر في حكومة الوفاق الوطني". ولفتت الى "انّ الإحتكام الى الصلاحيات ‏المعطاة لكل مؤسسة شرط مهم ووجيه، وانّ السعي الى تجاوز حدود الصلاحيات ‏لا يفيد أحداً، بل يضرّ بالبلد وبشكل خاص التعاون بين المؤسسات ومضمونه‎".
التصنيف في موعده‎
من جهة ثانية، علمت "الجمهورية" أنّ وكالة "ستاندر اند بورز"، استعاضت عن ‏ارسال وفد الى لبنان لمعاينة الاوضاع تمهيداً لإصدار تقريرها حول التصنيف ‏الائتماني للبنان، باتصال هاتفي اجراه مندوبوها مع وزارة المال وحاكمية مصرف ‏لبنان المركزي.
وفي المعلومات، انّ الوكالة طرحت خلال هذا الاتصال اكثر من 50 سؤالاً على ‏المسؤولين في الوزارة و"المركزي"، وأن الأجوبة عن هذه الأسئلة سيتم اعتمادها ‏في التقرير الذي سيصدر مبدئياً في 23 آب الجاري‎.
وافادت المعلومات، أنّ الجزء الأكبر من الاسئلة التي طُرحت على وزارة المال، ‏يتعلق بالوضع السياسي. وقد تراوحت المواضيع التي طرحتها الوكالة بين: الوضع ‏الحكومي، الاستقرار، طريقة اصدار المراسيم التطبيقية، الوضع السوري وتأثيره ‏على لبنان، النزوح، العقوبات، وكيف سيتم التعاطي مع المتغيرات في المنطقة‎...‎
وعليه، وبناءً على هذا الاتصال الهاتفي، استنتجت مصادر مراقبة انّ ذلك يعني انّ ‏جهود الحكومة اللبنانية لإقناع وكالة التصنيف بتأجيل إصدار تقريرها لمدة 6 أشهر ‏قد باءت بالفشل، وأنّ التصنيف الجديد سيصدر في موعده المقرر في 23 آب ‏الجاري‎.‎
لكن مصادر وزارة المال خففت من حال القلق السائدة، مؤكّدة انّه "حتى لو تمّ ‏خفض تصنيف لبنان، فإنّ ذلك ليس دراماتيكياً، خصوصا أنّ التركيز في التصنيف هو ‏على الوضع السياسي، وبالتالي، أي حلحلة في الوضع السياسي ستدفع ‏الوكالة الى إعادة النظر في تقريرها‎.

الجمهورية - 8 اب 2019

إرسال تعليق

 
Top