0


كشفت دراسة جديدة لمركز كارنيغي للشرق الأوسط، أن الدولة الجزائرية تمكنت من خلال بعض التنازلات الثانوية، من الحفاظ على استقرار النظام والبلاد رغم تخبط المنطقة في لُجج الفوضى خلال السنوات الماضية.

وفقاً للدراسة التي أعدتها الباحثة الجزائرية الدكتورة داليا غانم يزبك، أظهر النظام الجزائري قدراً كبيراً من المرونة والتكيّف منذ اندلاع انتفاضات الربيع العربي. ويعكس السلام النسبي الذي يعمّ البلاد وديمومة النظام قدرةَ النخب على توفير الموارد السياسية والاقتصادية بشكلٍ مدروس. وقد أدّت هذه المقاربة إلى خلق مظهر تغييري وتعدّدي سمح للنظام باحتواء السخط الاجتماعي، وضبط المجتمع، وتوطيد أركان حكمه. لكن النجاح الذي حصده النظام حتى اليوم لايعني أن الآليات التي يعتمدها لإعادة إنتاج ذاته ستستمرّ إلى الأبد. وعلى الرغم من الاضطرابات والإصلاحات والانتخابات الروتينية، لايزال الجيش الوطني الشعبي يحكم البلاد. والمرجّح أن يبقى هذا الوضع على حاله في المستقبل المنظور، حيث لم تُبدِ أحزاب المعارضة حماسة تُذكر لتحقيق التغيير، بل هي تبنّت قواعد اللعبة وأعادت إنتاج الأنماط نفسها من السلوكيات غير الليبرالية التي كانت تندّد بها. أّمّا منظمات المجتمع المدني استُتبعت وهُمِّشَت وتعرّضت إلى ضغوط وفشلت في أن تكون صلة وصل بين الحكّام وبين المواطنين لأن النظام يستغلّ مشاكلها الداخلية وهياكلها غير الديمقراطية. يُعتبر الفساد سمة أساسية في نظام الحوكمة في الجزائر وآلية مهمة لحلّ النزاعات من أجل إرساء الاستقرار في النظام السياسي. فلقد أفادت اللبرلة الاقتصادية الانتقائية على وجه الخصوص الأفراد الذين تربطهم علاقات مع شخصيات سياسية فوسّع القادة الجزائريون شبكات وكلائهم، وبالتالي قاعدة دعمهم، للبقاء في سُدة الحكم.

سيواصل التغيّر الاجتماعي اختبار قدرة النظام الجزائري على الحفاظ على نفسه. وقد تؤدي إمكانية استمرار التحديات المالية الحالية التي يواجهها بسبب اعتماده المفرط على الإيرادات المتأتية من بيع المواد الهيدروكربونية، إلى إجبار النظام على تقديم حوافز سياسية إضافية (مثل مشاركة سياسية أكبر، أو الاعتراف بالأقليات الإثنية والثقافية، أو انضمام أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني إلى المشاورات مع الحكومة). ويتعيّن على الحكومة أن تنظر في ضرورة صياغة سياسة وطنية للشباب وإنشاء منظمة وطنية شبابية يمكن أن تساعد التجدّد الجيلي والمشاركة السياسية وانخراط الشباب الجزائري في الحياة العامة النظام على إدارة السخط الاجتماعي. في ظروف معينة، قد تمتلك الحكومة مبرراً لإفساح مجال أكبر أمام منظمات المجتمع المدني لتوجيه المشاعر الشعبية. في مرحلة ما، قد يُسفر تعطيل هذه المنظمات باستمرار عن نتائج عكسية، ويدفع بعض الأشخاص على الانضمام إلى منظمات سرّية، وكذلك إلى تمكين أولئك الذين يعتقدون أن العنف وحده يمكن أن يُحدث تغييراً حقيقياً.
 
الباحثة الدكتورة غانم يزبك

إرسال تعليق

 
Top