0
يعترف المتخصصون بشؤون الانتخابات في لبنان بأن توقعاتهم الكلاسيكية المرتبطة بالمشهد البرلماني المقبل تصطدم بواقع عدم اليقين جراء غموض قانون الانتخابات الجديد، وبسبب التحوّلات الحاصلة لدى جمهور الناخبين.

وتقرّ شركات الاستطلاع التي تعمل بجدّ على متابعة أهواء الكتل الناخبة في لبنان أن خلاصاتها لا تحظى بالدقة الاحترافية المطلوبة حتى الآن، وأن فرقها تحتاج إلى المزيد من التحليل والغرف من عينات متغيرة ومتفرقة، للوصول إلى أعلى درجات الدقة من أجل توفير معطيات ذلت مصداقية للمرشحين وتياراتهم الكبرى.

ويُنقل عن أوساط متابعة للعملية الانتخابية الراهنة أن الفترة الزمنية لم تسمح بإخضاع الناخب اللبناني لحملة توعوية تتعلق بفهم قانون الانتخابات الجديد.

وتقول هذه الأوساط إن "الناخب اللبناني تعوّد على الاقتراع وفق نمطية كلاسيكية بسيطة كان يوفرها قانون عام 1960 المتأسس على قاعدة الأغلبية البسيطة، التي تتيح له تشكيل لوائحه الخاصة بغضّ النظر عن تركيبة اللوائح المطروحة".

يقيّد القانون الجديد، المفترض أنه أكثر عدلا، من خيارات المقترعين ويفرض عليهم لوائح مكتملة بغضّ النظر عن رأي الناخب بالمرشحين وسيرتهم. كما أن هذا القانون، الذي أدخل النظام النسبي بصفته أكثر تمثيلا، قد تم تفخيخه ببدعة "الصوت التفضيلي" التي تعيد المفهوم الأغلبي ليتحكم بخيارات الناس المذهبية من جهة وبإرادات الأحزاب بفرض وجوهها، ما ينسف روحية القانون الجديد. ويقرّ ساسة لبنان في السرّ والعلن بأن القانون الجديد يشبه مخلوقا تمت صناعته بما يتناسب مع مصالح واضعيه لكنه بعد خروجه من القمقم بدا مفاجئا ومخيفا للجميع.

حزب الله قلق

فيما شاع أن حزب الله سيكون المستفيد الأول من هذا القانون، وأن تشكيلة البرلمان المقبل ستحظى بهيمنة للحزب تسقط النظام السياسي في يده، بدأت التقارير الأولية تشير إلى أن الأمر ليس بهذه السهولة وأن الحزب، وإن كان سيحتفظ بحصة وازنة بالشراكة مع حركة أمل بقيادة رئيس مجلس النواب الحالي نبيه بري، فإن أخطار اختراق لوائحه في الجنوب والبقاع باتت حقيقية إلى درجة أن الأمين العام للحزب حسن نصرالله تولى شخصيا قيادة حملة انتخابية غير مسبوقة تستخدم داخلها كافة أساليب الترغيب والترهيب مثل خطب التخوين والعمالة، من أجل ردع الكتلة التقليدية للحزب عن "الانحراف" عمّا هو مرسوم ومخطط له في غرف حارة حريك المغلقة.

وتروج داخل الطائفة الشيعية، التي تتعامل معها الثنائية الشيعية بصفتها "جمهور المقاومة"، حالة تململ وامتعاض تأخذ طابعا مرتبطا بتراجع الخدمات داخل المناطق الشيعية، لكنها تعبر في الوقت عينه عن اعتراض مقنّع على خيارات الحزب المتعلقة بالحرب التي تخوضها قواته في سوريا والمرتبطة بخيارات الحزب الإيرانية التي باتت تصطدم مع مصالح لبنان والشيعة في لبنان كما في العالم العربي.

وتكشف الحملات التي تخوضها شخصيات شيعية مستقلة ضد لوائح الثنائية الشيعية عن خطاب يدغدغ مشاعر الكتلة الشيعية الناخبة. وتتهم هذه الحملات حزب الله بإهمال الجوانب المعيشية للمواطن اللبناني، ولا سيما الشيعي، والتورط في تغطية ظواهر الفساد التي باتت متفشية داخل "بيئة المقاومة" والتي وصلت إلى داخل صفوف الحزب نفسه.

وتكشف أفلام الفيديو التي تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي عن ارتفاع صوت الشارع الشيعي اللبناني ضد نواب الحزب على النحو الذي اضطرّ نصرالله لإطلاق وعود انتخابية عاجلة بالانخراط داخل ورش مكافحة الفساد داخل النظام السياسي اللبناني معلنا أن الحزب سيكون شريكا في قرارات البلد المالية والاقتصادية.

بيد أن العارفين ببواطن الأمور في لبنان يعتبرون أن نصرالله يسعى إلى تبرئة حزب الله من الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعاني منها البلاد، مطلقا خطابا جديدا إلى جمهوره يدّعي انشغال الحزب قبل ذلك بمسائل التحرير حتى عام 2000 ثم لاحقا الحفاظ على المقاومة وسلاحها ثم بعد ذلك تخليص البلد من شرور التكفيريين والجهاديين القادمين من سوريا من خلال إرسال قواته لـ"الدفاع عن المراقد" في ذلك البلد.

ويضيف هؤلاء أن حزب الله كان جزءا من الوصاية التي مارستها دمشق على البلد والتي مأسست النهب المنهجي لموارده، وهو حاليا جزء من الوصاية التي تسعى إيران لفرضها على لبنان منذ الانسحاب السوري من البلد، بما تحتاجه هذه الوصاية من هيمنة على قطاعات البلاد الاقتصادية.

وتلفت هذه الأوساط، لـ"العرب"، إلى أن سياسة "فائض السلاح" التي يعتمدها الحزب قانونا وحيدا في شراكته المزعومة داخل لبنان، تستند أيضا على شبكة اقتصادية تشرف على حالات الفساد والهدر وتطوير اقتصاد لبناني مواز لا يخضع لمراقبة الدولة اللبنانية.

جهود استثنائية

يحتاج حزب الله إلى تحقيق نتائج كبرى في الانتخابات لأسباب تتعلق بمستقبله في لبنان كما موقعه داخل البيئة السياسية الحاكمة التي تمثل شرعية يستظل بها الحزب ضد الضغوط الدولية الراهنة والمقبلة. ولم يعد الحزب يستطيع مجابهة ظواهر الإجرام والتهريب والفوضى المتفشية في المناطق التي تخضع له، وهو لهذا يلجأ إلى أجهزة الدولة الأمنية للتخلص من هذا العبء.

وتستند شبكات الإجرام على بيئة الدويلة المتمردة على الدولة التي روّج لها الحزب حماية لوضعه الميليشيوي وسلاحه المنافس لسلاح الجيش والأجهزة الأمنية اللبنانية. كما أن هذه الشبكات كانت جزءا من شبكات تمويل الحزب التي تساهم بقسطها في "دعم المقاومة" والتي تمتد بعض أذرعها إلى بلدان بعيدة في أفريقيا وأميركا اللاتينية وأوروبا.

وتؤكد شركات الاستطلاع اللبنانية أن حزب الله مازال يتمتع بشعبية وازنة داخل الطائفة الشيعية، وأن الحزب قد يكون مضطرا هذه المرة إلى بذل جهود استثنائية لم يبذلها في الاستحقاقات الانتخابية السابقة من أجل الحفاظ على حصته البرلمانية.

ويواجه الحزب مقاومة شرسة وعنيدة من أحزاب وتيارات وقيادات الطوائف الأخرى قد تجعل من إمكانيات تحقيقه لاختراقات داخل المناطق السنية والمسيحية أمرا صعبا، أو على الأقل ليس بالصورة التي توقعتها أوساط الحزب قبل أشهر.

ورأت هذه المصادر أن الحزب الذي كان مرتاحا إلى استقرار وضعه الانتخابي بسبب عدم وجود بدائل لهيمنة الثنائية الشيعية داخل الطائفة، فوجئ بهجوم مضاد داخل الطائفة كما من قبل لوائح الطوائف الأخرى على نحو جعله يتخذ مواقع الدفاع بضراوة، بعد أن كانت كافة التوقعات السابقة تضعه في مواقع الهجوم المريح. 

"العرب اللندنية" - 12 نيسان 2018

إرسال تعليق

 
Top