0
تكاد السلطة تتباهى بإعدامها قانون الانتخاب، من دون ان يرفّ لها جفن، وامام القاصي والداني أكدت بجشعها وفجعها كم هي مستميتة لإلقاء القبض على القانون والسطو على الانتخابات والانصياع لمحرّماته ومصادرة إرادة الناخبين بالترغيب والترهيب ودجل الوعود.

ولم يعد خافياً انّ السلطة تراكم يوماً بعد يوم، وبلا خجل او رادع، ارتكاباتها أكثر فأكثر حتى صارت اعلى من جبال نفايات اهلها، وبات سيل شعاراتهم الفارغة وطوفان وعودهم الكاذبة أعجز من ان يحجب هذه النفايات التي يفرزها أداؤهم، وروائحها الكريهة التي لوّثت أجواء البلد بالمزاد المفضوحة للرشاوى وشراء الاصوات، والتي يقدم من خلالها المتسلّطون على الدولة والناس شهادة لا لبس فيها على عزمهم وسعيهم الدؤوب للتأسيس لمستقبل مشوّه للبنان، مستقبل على مقاسهم، يتأتّى عنه واقع سياسي مريض وعاجز ومهترىء، ونيابي هَشّ او أخف من وزن الريشة السياسية والتمثيلية، وحكومي مصادر من فئات نافذة ومتحكمة يأكلها فجعها على السلطة وامتيازاتها وعلى الصفقات وبَلع اموال الخزينة وإفقار الناس.

الشكوى... لمن؟

في هذا الجو، صارت الناس معتادة على الشكوى، والمشكلة الكبرى انها لا تجد من تشكو له، خصوصاً انّ ما يفترض ان تشكو له هو من تشكو منه، ولا من يحاسبه على ارتكابات يحاول ان يجعلها القاعدة. وامّا النزاهة والحيادية والشفافية التي يفترض ان يتحلى بها، فيجعلها الاستثناء. وهذا ما يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول استحقاق انتخابي يديره من فقد الناس الثقة به ويسخّر بعض أجهزته الادارية والامنية في خدمة هذا المرشّح وذاك لقاء إكراميّات وحفنة من الدولارات.

باتَ من الضروري ان تعرف الناس كل الحقائق، تعرف انها تتعرض للالغاء والتهميش على يد فئة من السياسيين تستميت لاختزال التمثيل بمحاسيبها وأزلامها، وشطب كل من وما يمتّ الى تاريخ نظيف في لبنان، صار على الناس ان تعرف من يحاول ان يجعل لكل مواطن سعره الرخيص وشراء صوته، لا بل شراء مستقبله ببضع دولارات، وبتعليقه على حبل طويل من الشعارات التي فقدت صلاحيتها وصارت مقيتة ومُخجلة، ومن الوعود الكاذبة بالتوظيف او التوزير وبإغداق المكرمات عليه بعد الانتخابات.

أزلام وأتباع

صار من حق الناس ان تعرف انّ السكوت على ارتكابات هؤلاء لم يعد ممكناً ولا جائزاً. صار من الضروري ان يعرفوا ما يقوم به بعض الاتباع، الذين يقدّمون يوميّاً شواهد فاضحة على استزلامهم واسترضائهم لبعض المرجعيات والمستويات السياسية، والمثال هنا ما يقوم به جهاز أمن الدولة، من ضغوط وتهويل وتهديد للناس، وبتوجيه مباشر من قيادته، التي قدّمت شهادة صريحة بأنها لا تحترف سوى نقل البارودة من كتف الى كتف.

هذه القيادة، أكدت بأدائها انها ليست مؤهلة لتكون على رأس جهاز امن الدولة الذي ينفذ مهامه انطلاقاً من روح الدستور اللبناني، ويكرّس لذلك هدفاً وحيداً هو حماية لبنان، أرضاً وشعباً ومؤسسات، ويلتزم ضمن هذا الاطار مبدأ المساواة بين جميع المواطنين، ويؤمن أنّ الجميع هم سواء أمام القانون، فيصون حريتهم الشخصية، وبالتالي لا يأتي أداؤه إلّا وفقاً لأحكام القانون وليس وفقاً لمشيئة هذا الفريق او ذاك.

ولكن هذه القيادة، يبدو انها تحاول ان تخلع عن هذا الجهاز ثوبه، وتلبسه ثوباً آخر يستجدي استرضاء هذا وذاك من السياسيين، ثوب تديره عقلية ميليشياوية تحوّل مراكز امن الدولة مكاتب انتخابية، وتسخّر العناصر في مواجهة الناس وعاملاً ضاغطاً عليهم ومتدخّلاً في أبسط شؤونهم، ومهدداً لهم بالويل والثبور وعظائم الأمور.

لقد حاولت «الجمهورية» ان تسلّط النظر على الشكوى المتعالية لدى الناس، وعلى مكامن الخلل والثغرات الفاضحة التي برزت في الطريق الانتخابي، والدور المريب الذي يمارسه جهاز امن الدولة بقيادته الحالية. الّا انّ المثير انّ قيادة هذا الجهاز، وبدل ان تتّعِظ وتقرّ بما صنعت وتسبّبت من خلل وثغرات، وتستدرك خطأها او خطاياها التي ارتكبتها، هربت الى الامام، ونسيت هويتها الامنية، او بالأحرى نسيت موقعها كموظف محكوم بأصول وقوانين، ونصّبت نفسها طرفاً سياسياً، ناطقاً باسم طرف سياسي بكلام واتهامات لسياسيين، تَحطّ من قيمة جهاز أمن الدولة وقدره ومعنوياته، قبل ان تُسيء للآخرين.

جهاز مسيّر بـ«الريموت»!

من العيب ان يوضع جهاز امن الدولة في خدمة طرف سياسي، ايّاً كان هذا الطرف ومهما علا شأنه، هناك اصول وقوانين ينبغي الانصياع لها، ومن العيب اكثر ان يكون هذا الجهاز بقيادته الحالية «فاتح على حسابو»، والعيب الاكبر إن كان هناك في الدولة من يغطّيه، ويؤمن له الحماية السياسية، ويمدّ له الحبل على غاربه. وإن صحّ ذلك، فهنا المصيبة اكبر. وبصرف النظر عن مشغّليه السياسيين، فإنّ هذا السلوك غير المسبوق، الذي قدمته قيادة جهاز امن الدولة، يعطي مثالاً عن الفلتان الوظيفي، وعن الفساد في الدولة، ويؤشّر الى حجم الاستهتار بهذا الجهاز الامني ومحاولة جعله فرعاً تابعاً لطرف سياسي مسيّراً بـ «الريموت كونترول»، ومنفّذاً رغباته وأوامره وأداة طيّعة وغب الطلب في يده لتنفيذ سياساته. كما انّ هذا السلوك يوجِب دق جرس الانذار لحماية هذا الجهاز من قيادته، التي قدّمت وما زالت تقدّم أداء مريباً يستوجب المساءلة والمحاسبة لدى الجهات المختصة في الدولة.

"الجمهورية" - 14 نيسان 2018

إرسال تعليق

 
Top