0
أظهر وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون تناقضا حادا بين رؤى البيت الأبيض ومؤسسات أميركية نافذة تجاه إيران وأذرعها في المنطقة، بعدما أطلق تصريحات عكست استعدادا أميركيا بقبول نفوذ "حزب الله"والتعايش معه.

وفاجأ تيلرسون الحاضرين في مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الأردني أيمن الصفدي في العاصمة الأردنية عمان، الأربعاء، عندما قال: "علينا أن نعترف بحقيقة أن "حزب الله" جزء من العملية السياسية في لبنان".

وهذا أول تصريح أميركي علني يصب في صالح "حزب الله"، الذي يشارك في الحكومة اللبنانية، لكنه يسيطر على قطاع واسع من المجتمع والمؤسسات الرسمية اللبنانية.

وتأتي تصريحات تيلرسون غير المسبوقة عشية زيارة من المنتظر أن يقوم بها إلى بيروت الخميس.

وتعكس هذه التصريحات أكثر مظاهر الاختلاف العميق بين وزارة الخارجية الأميركية والبيت الأبيض تجاه الاستراتيجية التي يتعين على الولايات المتحدة تبنيها تجاه إيران في المنطقة.

وكانت وزارة الخارجية رأس الحربة في معارضة محاولات الرئيس دونالد ترامب لإعادة التموضع بشأن الاتفاق النووي، الذي وقعته إيران مع القوى الكبرى في يوليو 2015. لكن كان يعتقد على نطاق واسع بأن توافقا يحكم مقاربة الولايات المتحدة وكافة مؤسساتها حول برنامج الصواريخ الباليستية ومسعى إيران التخريبي في المنطقة.

وسلطت وسائل الإعلام التابعة لـ"حزب الله" وإيران الضوء على تصريح تيلرسون بصفته اعترافا أميركيا بدور وموقع "حزب الله" في لبنان، على نحو يتناقض مع الأدبيات الأميركية السياسية السابقة، التي أسست لنظرة أميركية تضع إيران في إطار "التنظيم الإرهابي" فقط.

كما يتعارض موقف وزارة الخارجية، الذي عبر عنه تيلرسون، مع إجراءات قاسية تتخذها واشنطن ضد شبكات تمويل الحزب من خلال وزارتي العدل والخزينة الأميركيتين.

ورأى مراقبون أن تصريحات تيلرسون تعطي إشارات متناقضة حول مساعي الولايات المتحدة لمكافحة الميليشيات التابعة لإيران في المنطقة، ومساعي واشنطن في نفس الوقت لدعم مؤسسات الدولة في العراق ولبنان.

كما يبعث موقف تيلرسون برسائل خاطئة إلى "حزب الله" في لبنان وميليشيات إيران في العراق وسوريا واليمن، ويعطي أيضا إشارات مشوشة إلى الدول والقوى العربية التي تجاهر بانتقاد النفوذ الإيراني في المنطقة، كما أنشطة حزب الله في لبنان وفي دول أخرى مثل اليمن والكويت.

ولن تضع تصريحات تيلرسون وزارة الخارجية الأميركية على النقيض من البيت الأبيض فقط، لكنها تتعارض أيضا مع ما صدر عن وزير الدفاع جيمس ماتيس ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر ومدير وكالة المخابرات المركزية سي آي إيه مايك بومبيو، على نحو لا يحتمل اجتهاد تيلرسون.

ويقول دبلوماسيون غربيون إن وزارة الخارجية الأميركية ما زالت متأثرة كثيرا بالسياسة التي أسس لها وأطلقها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، إذ تركز على الحفاظ على الاتفاق النووي، لكنها في نفس الوقت لا تعير اهتماما كافيا لضغوط دول عربية محورية لتحجيم نفوذ إيران في المنطقة.

و"حزب الله" هو الذراع الأقوى والأكثر تأثيرا في منظومة النفوذ الإيراني. وإذا غيرت واشنطن سياساتها الحادة تجاهه فقد يؤدي ذلك إلى تمهيد الطريق أمامه لحسم السيطرة على لبنان، كما سيضفي على تحركاته في سوريا والعراق والخليج واليمن شرعية هو في أشد الحاجة إليها.

وإذا حدث ذلك فسيسرع من وتيرة زعزعة استقرار دول خليجية كالكويت والبحرين، ويمنح إيران موطئ قدم إضافيا في الخليج، وسيقضي أيضا على أي نفوذ مقابل في لبنان.

وتنتظر منابر الحكم في بيروت من الوزير الأميركي مواقف داعمة للبنان في مسألة النزاع الحدودي البري والبحري بين لبنان وإسرائيل، وأن رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الوزراء سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري نسقوا مواقفهم قبيل اللقاء بالوزير الأميركي.

وقالت مصادر لبنانية إن بيروت تود الاطلاع على الأجواء الأميركية المتعلقة باحتمالات الحرب والسلم في لبنان، على ضوء التطور العسكري الأخير الذي جرى في العاشر من الشهر الجاري في سوريا، والذي أدى إلى إسقاط مقاتلة إسرائيلية وإلى شن الطيران الإسرائيلي غارات ضد أهداف سورية وإيرانية داخل سوريا. 

"العرب اللندنية" - 15 شباط 2018

إرسال تعليق

 
Top