أعلن نائب الأمين العام لـ «حزب الله» نعيم قاسم أن حزبه مطمئن إلى نتيجة الانتخابات المقبلة. فـ «نحن»، كما صرّح قاسم، «فائزون منذ الآن لأننا سنأخذ أصواتاً على قدر شعبيتنا ولن نعد عدد النواب الذين سنحصل عليهم». لم يكن تصريح نائب الأمين العام مجرد حماسة انتخابية أو محاولة لإضافة نصر جديد إلى قائمة الانتصارات الإلهية. الحزب انتصر منذ الآن مهما كان عدد نوابه في المجلس الجديد. فالانتخابات المقبلة تأتي في شكلها ومضمونها لتكرّس سيطرته على النظام السياسي وتطعّم هذه السيطرة ببعض من الشرعية الانتخابية.
انتهت لعبة الأكثرية والأقلية، بحسب نائب الأمين العام، والحزب لن يبحث بعد اليوم عن «غالبية نيابية أو عن الثلث الضامن أو المعطل». معيار نجاحه ليس في نتائج السادس من أيار (مايو)، بل بفرضه السقف السياسي الذي يضبط حدود العملية الانتخابية. فبعد دورتين انتخابيتين شهدتا انقساماً عمودياً حاداً حول مسائل سياسية، تأتي انتخابات ٢٠١٨ خارج أي عنوان سياسي واضح، غايتها الوحيدة تحديد أحجام المكونات المختلفة للعهد الجديد. فهي، بهذا المعنى، أقرب إلى انتخابات داخلية للحزب.
تأتي هذه الانتخابات، كما حددّها قاسم، «بعد مخاض طويل حصل في منطقتنا في هذه السنوات التسع»، وهدفها إنتاج سلطة جديدة تتناسب والظروف الراهنة. فالانتخابات تتويج مؤسساتي آخر لانتصار قوى الثورة المضادة، تطوي صفحة الاصطفافات السياسية الماضية ومعها المعارضة الداخلية لـ «حزب الله». هي المناسبة لتعميق شبكة التحالفات السياسية والأمنية والاقتصادية التي بناها الحزب من حوله. فمعظم القوى السياسية باتت حليفة له أو حليفة لحليف للحزب. وبدأت عملية «تطهير» الصفوف عند خصوم الماضي من كل من عارضوا التسوية الرئاسية، ليتناسب خطابهم ودورهم الجديد كـ «كومبارس» في العهد الجديد. ليس من طرف خارج عن العهد الجديد في هذه الانتخابات، إلا جبران باسيل إذا مضى في تسريب تصريحاته.
لكن انتصار الحزب المبكر لن يعفيه من لعبة الانتخابات. فأطلق قاسم حملة الحزب بعنوان «نحمي ونبني»، وفسّره بقوله «نحمي من خلال المقاومة... ونبني الدولة القوية القادرة والعادلة». وهذه الدولة هي ذاتها الدولة التي يحلم بها بعض مرشحي «المجتمع المدني». فكما جاء في أحد برامج التحالفات المدنية، الهدف بناء «دولة مدنية ديموقراطية عادلة وقادرة في لبنان»، أي دولة حزب الله مع إضافة الزواج المدني (الاختياري). فثمن دخول مرشحي المجتمع المدني إلى شبكات العهد الجديد هو الابتعاد عما سماه البعض بـ «المسائل الشائكة»، أي «دور المقاومة وسلاح حزب الله، الاغتيالات والمحكمة الدولية، الموقف من الحرب الدائرة في سورية ومن التدخل العسكري فيها».
هذا الانحدار في الخطاب لم يطول فقط المسائل الشائكة (والاغتيالات مسألة شائكة فقط في أدبيات المجتمع المدني) بل طاول البرامج بأكملها، حيث باتت أقرب إلى نسخة منقحة عن برامج الأمم المتحدة. فيبدو أن خبراء المجتمع المدني معنيون أكثر بمطلب «نشر قطع الحساب دورياً» مما هم معنيون بمسألة العنف أو حقوق المرأة أو الدفاع عن اللاجئين، ناهيك عن المسائل «الشائكة».
وهذا ما يسعد نعيم قاسم. ففي معرض دفاعه عن قانون النسبية، حدد حسنات هذا القانون بكونه يخفف «الحضور التقليدي لمصلحة بعض الوجوه الجديدة التي يمكن أن تساهم في إعطاء نكهة إضافية في المجلس النيابي الجديد». فبات المجتمع المدني «نكهة إضافية» تضاف إلى المجلس النيابي. ربّما كان قاسم يفكر بجميل السيد كنكهة جديدة، لكن «المجتمع المدني» سرعان ما التقط حاجة الحزب إلى نكهات جديدة تطعّم سيطرته. هكذا اجتمعت «قوى الاعتراض والتغيير الديموقراطي» في مواجهة «قوى السلطة الطائفية الفاسدة» في انعقاد «مبادرة اللقاء الوطني حول الانتخابات النيابية». وتبين أن النكهات الإضافية هي الحزب الشيوعي اللبناني مع منظمة العمل الشيوعي وحركة الشعب وغيرها من التنظيمات المعارضة التي اكتشفت في الآونة الأخيرة الفائدة من الانضواء تحت لواء «المجتمع المدني».
فالابتعاد عن المسائل الشائكة يفتح المجال لعودة التنظيمات الشائكة أو ظهور تنظيمات جديدة قد تكون أسوأ. ومهما اندفعنا بقبولنا ثنائيات الشعب والسلطة، يبقى أنه ليس هناك من مرشح يغرّد خارج سرب العهد الجديد.
الأزمة ليست انتخابية، بل هي سياسية. ليس هناك من خطاب سياسي في وجه العهد الجديد، وبالتالي ليس من عنوان سياسي للانتخابات المقبلة. دولة «حزب الله» ليست دولة إسلامية، هي هذه الدولة بالذات، بامتداداتها الطائفية والمدنية وارتباطاتها الإقليمية وعنفها الكامن وطوابير الخبراء الطامحين إلى محاربة الفساد. إنّها دولة تتصارع فيها المكونات السياسية لكي تقترب من المركز، في اللحظة التي يتمدد فيها نظام أمني جديد، محمول بخطاب الممانعة وحاجة البعض لاستكمال الحرب الأهلية. العهد الجديد هو الاسم «الديبلوماسي» لدولة «حزب الله». ليس من الضروري اعتبار كل استحقاق سياسي مناسبة لمواجهة كاملة مع هذا العهد، لكن تجاهله باسم محاربة الفساد أو بغية الحصول على بعض عوائد الإعمار المحتمل هو اعتراف ضمني بالانتماء إليه.
إذا كانت الأزمة سياسية، وليست انتخابية، فالخصم الأول هو قوى الاعتراض الحالية الطامحة إلى الدخول إلى ربوع العهد الجديد. أي أن هدف هذا الاستحقاق ليس الإطاحة بالسلطة مهما كان معنى هذا، بل محاولة ابتكار مكان خارج هذا العهد يسمح بإعادة إنتاج خطاب سياسي معارض. وهذا المكان يحتاج أولاً إلى إعلان نهاية «المجتمع المدني» كخيار بديل للسلطة، والبحث عن أطر مختلفة للعمل وهوية أخرى للعمل السياسي. كما يحتاج إلى إعادة التفكير بهندسة أوراق الإصلاح العديدة التي أنتجها «رجال» المجتمع المدني، والتي ما زالت تعتبر مسألة حقوق المرأة، مثلاً، مطلباً يوازي مطلب «نشر قطع الحساب دورياً».
بهذا المعنى، من يشارك السلطة رغباتها، لا يمكن أن يعارضها مهما علا صوته. فهو في أحسن الأحوال «نكهة إضافية» تضاف إلى منظومة الحكم الحالية.
انتهت لعبة الأكثرية والأقلية، بحسب نائب الأمين العام، والحزب لن يبحث بعد اليوم عن «غالبية نيابية أو عن الثلث الضامن أو المعطل». معيار نجاحه ليس في نتائج السادس من أيار (مايو)، بل بفرضه السقف السياسي الذي يضبط حدود العملية الانتخابية. فبعد دورتين انتخابيتين شهدتا انقساماً عمودياً حاداً حول مسائل سياسية، تأتي انتخابات ٢٠١٨ خارج أي عنوان سياسي واضح، غايتها الوحيدة تحديد أحجام المكونات المختلفة للعهد الجديد. فهي، بهذا المعنى، أقرب إلى انتخابات داخلية للحزب.
تأتي هذه الانتخابات، كما حددّها قاسم، «بعد مخاض طويل حصل في منطقتنا في هذه السنوات التسع»، وهدفها إنتاج سلطة جديدة تتناسب والظروف الراهنة. فالانتخابات تتويج مؤسساتي آخر لانتصار قوى الثورة المضادة، تطوي صفحة الاصطفافات السياسية الماضية ومعها المعارضة الداخلية لـ «حزب الله». هي المناسبة لتعميق شبكة التحالفات السياسية والأمنية والاقتصادية التي بناها الحزب من حوله. فمعظم القوى السياسية باتت حليفة له أو حليفة لحليف للحزب. وبدأت عملية «تطهير» الصفوف عند خصوم الماضي من كل من عارضوا التسوية الرئاسية، ليتناسب خطابهم ودورهم الجديد كـ «كومبارس» في العهد الجديد. ليس من طرف خارج عن العهد الجديد في هذه الانتخابات، إلا جبران باسيل إذا مضى في تسريب تصريحاته.
لكن انتصار الحزب المبكر لن يعفيه من لعبة الانتخابات. فأطلق قاسم حملة الحزب بعنوان «نحمي ونبني»، وفسّره بقوله «نحمي من خلال المقاومة... ونبني الدولة القوية القادرة والعادلة». وهذه الدولة هي ذاتها الدولة التي يحلم بها بعض مرشحي «المجتمع المدني». فكما جاء في أحد برامج التحالفات المدنية، الهدف بناء «دولة مدنية ديموقراطية عادلة وقادرة في لبنان»، أي دولة حزب الله مع إضافة الزواج المدني (الاختياري). فثمن دخول مرشحي المجتمع المدني إلى شبكات العهد الجديد هو الابتعاد عما سماه البعض بـ «المسائل الشائكة»، أي «دور المقاومة وسلاح حزب الله، الاغتيالات والمحكمة الدولية، الموقف من الحرب الدائرة في سورية ومن التدخل العسكري فيها».
هذا الانحدار في الخطاب لم يطول فقط المسائل الشائكة (والاغتيالات مسألة شائكة فقط في أدبيات المجتمع المدني) بل طاول البرامج بأكملها، حيث باتت أقرب إلى نسخة منقحة عن برامج الأمم المتحدة. فيبدو أن خبراء المجتمع المدني معنيون أكثر بمطلب «نشر قطع الحساب دورياً» مما هم معنيون بمسألة العنف أو حقوق المرأة أو الدفاع عن اللاجئين، ناهيك عن المسائل «الشائكة».
وهذا ما يسعد نعيم قاسم. ففي معرض دفاعه عن قانون النسبية، حدد حسنات هذا القانون بكونه يخفف «الحضور التقليدي لمصلحة بعض الوجوه الجديدة التي يمكن أن تساهم في إعطاء نكهة إضافية في المجلس النيابي الجديد». فبات المجتمع المدني «نكهة إضافية» تضاف إلى المجلس النيابي. ربّما كان قاسم يفكر بجميل السيد كنكهة جديدة، لكن «المجتمع المدني» سرعان ما التقط حاجة الحزب إلى نكهات جديدة تطعّم سيطرته. هكذا اجتمعت «قوى الاعتراض والتغيير الديموقراطي» في مواجهة «قوى السلطة الطائفية الفاسدة» في انعقاد «مبادرة اللقاء الوطني حول الانتخابات النيابية». وتبين أن النكهات الإضافية هي الحزب الشيوعي اللبناني مع منظمة العمل الشيوعي وحركة الشعب وغيرها من التنظيمات المعارضة التي اكتشفت في الآونة الأخيرة الفائدة من الانضواء تحت لواء «المجتمع المدني».
فالابتعاد عن المسائل الشائكة يفتح المجال لعودة التنظيمات الشائكة أو ظهور تنظيمات جديدة قد تكون أسوأ. ومهما اندفعنا بقبولنا ثنائيات الشعب والسلطة، يبقى أنه ليس هناك من مرشح يغرّد خارج سرب العهد الجديد.
الأزمة ليست انتخابية، بل هي سياسية. ليس هناك من خطاب سياسي في وجه العهد الجديد، وبالتالي ليس من عنوان سياسي للانتخابات المقبلة. دولة «حزب الله» ليست دولة إسلامية، هي هذه الدولة بالذات، بامتداداتها الطائفية والمدنية وارتباطاتها الإقليمية وعنفها الكامن وطوابير الخبراء الطامحين إلى محاربة الفساد. إنّها دولة تتصارع فيها المكونات السياسية لكي تقترب من المركز، في اللحظة التي يتمدد فيها نظام أمني جديد، محمول بخطاب الممانعة وحاجة البعض لاستكمال الحرب الأهلية. العهد الجديد هو الاسم «الديبلوماسي» لدولة «حزب الله». ليس من الضروري اعتبار كل استحقاق سياسي مناسبة لمواجهة كاملة مع هذا العهد، لكن تجاهله باسم محاربة الفساد أو بغية الحصول على بعض عوائد الإعمار المحتمل هو اعتراف ضمني بالانتماء إليه.
إذا كانت الأزمة سياسية، وليست انتخابية، فالخصم الأول هو قوى الاعتراض الحالية الطامحة إلى الدخول إلى ربوع العهد الجديد. أي أن هدف هذا الاستحقاق ليس الإطاحة بالسلطة مهما كان معنى هذا، بل محاولة ابتكار مكان خارج هذا العهد يسمح بإعادة إنتاج خطاب سياسي معارض. وهذا المكان يحتاج أولاً إلى إعلان نهاية «المجتمع المدني» كخيار بديل للسلطة، والبحث عن أطر مختلفة للعمل وهوية أخرى للعمل السياسي. كما يحتاج إلى إعادة التفكير بهندسة أوراق الإصلاح العديدة التي أنتجها «رجال» المجتمع المدني، والتي ما زالت تعتبر مسألة حقوق المرأة، مثلاً، مطلباً يوازي مطلب «نشر قطع الحساب دورياً».
بهذا المعنى، من يشارك السلطة رغباتها، لا يمكن أن يعارضها مهما علا صوته. فهو في أحسن الأحوال «نكهة إضافية» تضاف إلى منظومة الحكم الحالية.
سامر فرنجية - "الحياة" - 11 شباط 2018
إرسال تعليق